عندما تتحول العيادات إلى مصدر خوف | أطباء يتحرشون بمرضاهم في غرف العلاج
لم تتوقع مها أن ذهابها إلى الطبيب بمفردها قد يجعلها تعيش كابوسًا يلازمها كلما تعرضت لمشكلة صحية تحتاج فيها إلى زيارة طبيب.
تقول مها محمد “اسم مستعار” البالغة من العمر 25 عامًا، في حديث خاص “كنت أعاني من صداع مزمن سبَّب لي مشاكل كثيرة وسمعت عن دكتور جيد في المركز الطبي المجاور لمنزلنا في مديرية السعبين بالعاصمة صنعاء، وذهبت لزيارته ولم يكن معي أحد حينها لأني لم أتوقع أن أواجه مشكلة كالتحرش من طبيب وفي عيادة تقول: شرحت للدكتور حالتي ومعاناتي مع الصداع فطلب مني الاستلقاء على السرير وقال بعد أن لاحظ خوفي أن السبب ربما مشكلة باطنية ثم طلب مني الاستلقاء على بطني وبدأ يتحسس جسمي ويتحرش بي”
وأضافت “بمجرد أن بدأ لمس جسمي والتحرش بي نهضت بسرعة وصرخت في وجهه وبدأ يتلعثم ويشير لي بالسكوت وكان يرتجف وخرجت من الغرفة مباشرة” لم تصدق مها ما حدث في غرفة العلاج “لأننا نذهب إلى الأطباء لحل مشاكلنا الصحية وليس لمضاعفة الألم” حسب قولها.
لم تقدم مها أي بلاغ بالطبيب لقيامه بجريمة التحرش بها داخل غرفة العلاج إلى أي جهة رسمية أو تشتكي به لأحد من أسرتها لخوفها من أن تتهم هي بالخطأ، وتقول أنها “تصاب بالدوار والصداع في كل مرة تتذكر فيها الموقف”
تعرف منظمة الصحة العالمية العنف الجنسي على أنه “أي فعل جنسي أو محاولة لممارسة الجنس، أو فعل آخر موجه ضد النشاط الجنسي لشخص ما باستخدام الإكراه، من جانب أي شخص بغض النظر عن علاقته بالضحية في أي مكان” ومن هذا التعريف يشمل العنف الجنسي أشكالاً متعددة، منها التحرش والاعتداء الجنسي ويعد أحد الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وأحد أشكال العنف.
حدث ولا حرج
تواصلنا مع المجلس الطبي الأعلى بصنعاء وأفادنا مسؤول المتابعة والتنفيذ في المجلس الدكتور جمال الشارحي أن “الشكاوى المقدمة للمجلس بخصوص أخطاء فنية فقط وأن الشكاوى المقدمة بخصوص التحرش نادرة وإذا حصل تحرش فيكون برضا الطرفين” حسب قوله.
وأكد المسؤول في المجلس الطبي أن معظم حوادث التحرش تحدث من موظفي التمريض “الأطباء وأصحاب الدرجات العليا بنسبة 99% أصحاب أمانة وعند القسم الطبي. أما موظفو التمريض -ومن في درجاتهم- فحدث ولا حرج”
ودعا عند تعرض أي شخص للتحرش إلى “تقديم شكوى للمجلس الطبي لإحالته للجنة أخلاقيات المهنة وإن ثبت فعلا التصرف -يقصد تحرش الطبيب بمرضاه- يتم سحب الترخيص بصورة مؤقتة أو دائمة حسب نوع التحرش”.
لم تكن مها هي الوحيدة التي وقعت ضحية طبيبها المعالج فقد وثقنا في التحقيق 23 حالة في عدة محافظات يمنية محاولات إستغلال أطباء لضعف مرضاهم وحاجتهم للعلاج والتحرش بهم، بأشكال وصور مختلفة.
دواء مقابل التحرش
وضعت علياء عبدالقادر مولودها الأول وهي في عامها التاسع عشر، وبدأت معه معاناتها مع المرض النفسي، ورحلة العلاج من طبيب لأخر، حتى استقرت على طبيب بدرجة أخصائي، ويملك مركزًا طبيًّا في العاصمة صنعاء، وأصبح طبيبها والمشرف على حالتها لسنوات.
تقول علياء عن المرة الأولى التي تحرش بها طبيبها :”كنت جالسة مع أختي في العيادة النفسية وأنا اشرح للدكتور ما أشعر به وفي وسط الكلام قاطعني وقال كم أنتِ جميلة وفي نفس اللحظة أمسك يدي، كنت أظنه متعاطفاً معي ويريد الرفع من معنوياتي ولم اتوقع أن ذلك تحرش، حتى أنه كان يعطيني الدواء بدون مقابل في بعض الزيارات، ويحثني على زيارته باستمرار”.
وأضافت “ذهبت في أحد المرات برفقة أختي وزوجها وبعد أن غادرنا العيادة، أرجعت إليه الدواء بعد أن اشتريناه من الصيدلية المجاورة للمستشفى الخاص بهذا الطبيب، طلب مني أن أكشف عن وجهي ولم أجد مشكلة في ذلك فأنا ظننت أنه يريد أن يفهم ما أقوله فربما لا يسمعني لأتفاجأ بإرساله قبلة إلي بيده، شعرت وقتها بالغضب وخرجت مسرعة”.
كغيرها من ضحايا التحرش في المجتمع اليمني، لم تجرأ علياء على الحديث عما حدث في غرفة الطبيب، فهي متهمة بكثرة الظنون والشك والحساسية في رأي الجميع بسبب مرضها، حسب قولها.
نصوص قانونية
نصت المادة (270) من قانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 1994م في القانون اليمني على أن “كل فعل يطال جسم الإنسان ويخدش الحياء، يقع من شخص على آخر، دون الزنا واللواط والسحاق، يعتبر هتكاً للعرض”.
ونصت المادة (271) من نفس القانون على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه، أو بالغرامة التي لا تتجاوز ثلاثة آلاف ريال، كل من هتك عرض إنسان حي بدون إكراه أو حيلة، ويعاقب من وقع عليه الفعل برضاه بذات العقوبة”
وتنص المادة (272) على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، كل من هتك عرض إنسان حي بالإكراه أو الحيلة، أو إذا كان المجني عليه أنثى لم تتجاوز 15 سنة، أو ذكراً لم يجاوز 12 سنة، أو معدوم الإرادة، أو ناقصاً لأي سبب، أو إذا كان الجاني من أصول المجني عليه، أو من المتولين تربيته”.
كما نصت المادة (273) من القانون نفسه “الفعل الفاضح المخلّ بالحياء، هو كل فعل ينافي الآداب العامة، أو يخدش الحياء، ومن ذلك التعري، وكشف العورة المتعمد، والقول، والإشارة المخلّ بالحياء والمنافي للآداب”.
ونصت المادة (274) “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بالغرامة، كل من أتى فعلاً فاضحاً علانية، بحيث يراه أو يسمعه الآخرون”
وفي المادة (275) “يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنه أو بالغرامة، كل من أتى فعلاً فاضحاً مع أنثى بغير رضاها، فإذا كان الفعل عن رضى منها، يعاقب الاثنان بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر، أو بالغرامة التي لا تتجاوز ألف ريال”.
جريمة غير جسيمة
وبالرغم من وجود تلك المواد الواضحة في القوانين اليمنية لمواجهة أفعال التحرش إلا أن المحامي عبدالرحمن الزبيب يتحدث عن جوانب ضعف في القانون حيث يقول :” ” ضعف القانون الرادع لجريمة التحرش سبب رئيسي للتشجيع على توسع وانتشار جريمة التحرش الذي يعتبرها القانون اليمني جريمة غير جسيمة، وفي معظم حالات التحرش يتوجب الإفراج عن المتهم فور تقديم ضمان حضوري، وأن عقوبة التحرش في القانون اليمني لا تتجاوز غرامة ألف ريال أو حبس 6 أشهر فقط”
ويضيف الزبيب أن أسباب عدم رفع الضحايا شكاوى تحرش ضد أطباء إلى الجهات الرسمية ” الثقافة المجتمعية الخاطئة التي تبرر لمرتكب جريمة التحرش ويحمل المسؤولية الضحية مثلا ملابسها كانت مثيرة او كلامها مايع هي سبب إثارة المجرم وتتحمل مسؤولية ما يقع عليها” بالإضافة إلى “خوف الضحية من الفضيحة وغياب وسائل الرقابة داخل العيادات وغرف العمليات”.
وأكد الزبيب أن ” جرائم التحرش في القطاع الطبي منتشرة بشكل كبير ولكن بسبب غياب الإحصائيات وعدم تقديم الضحايا شكواهم تكون جرائم مخفية تحت رماد الكتمان وهذا يشجع على انتشارها في القطاع الطبي سواء لزميلات أو ممرضات أو مريضات بسبب غياب الردع العقابي القانوني وضعفه”
موقف صعب
استغلت وفاء الهمداني فرصة وجود بعثة ألمانية إلى اليمن، لكشف مشاكل باطنية كانت تعاني منها بشكل مستمر، وعند الذهاب إلى البعثة وجدت طبيبا كبير في السن، وكان تعامله معها ومرافقيها ودودًا للغاية، الأمر الذي أشعر وفاء بالأمان والاطمئنان.
تقول وفاء الهمداني وهي تبلغ من العمر 17عاما، “الدكتور كبير في السن وكنا نعتقد أن تعامله معي إنما هو حنان ورحمة إلى أحد الزيارات طلب منا شراء العلاج وإرجاعه إليه، ذهبت أمي التي رافقتنا في تلك الزيارة لشراء العلاج وبقيت مع أختي في غرفة العلاج وبينما هو يجري الفحص علي حاول تقبيلي في فمي بصورة مفاجأة لم أتوقعها منه لكبر سنه”
أصرت وفاء على كتمان القصة وعدم البوح بها لأحد، مبررة ذلك بأن ” الموقف صعب جداً والمجتمع أصعب لا يتفهم مثل هذه التصرفات وسيخلقون ألف سبب لجعلنا في وضع المخطئات” غير أن أختها التي كانت ترافقها شجعتها على ذلك كون الواقعة حدثت قبل سنوات.
خلال إعداد التحقيق لم نصادف أي إحصائية حول تحرش الأطباء بمرضاهم في الجمهورية اليمنية من أي جهة، رسمية كانت أو منظمات المجتمع المدني، ويعود السبب في ذلك بحسب الحالات التي قابلناها ووثقناها إلى ثقافة المجتمع اليمني السائدة والمتمثلة في العيب والخوف من الفضيحة وانتشار السمعة، والجهل المجتمعي الواسع بالقانون، والذي بسببه ضاعت حقوق الكثير من الضحايا.
تواصلنا مع نقابة الأطباء اليمنيين في صنعاء وطرح الشكاوى التي حصلنا عليها والحالات التي وثقناها أثناء إعداد التحقيق، لمعرفة ما الإجراءات التي يتخذونها تجاه الشكاوى التي تصلهم لكن لم يتجاوب أحد معنا أو يرد علينا حتى نشر هذا التحقيق.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية