حين تكون الأسرة هي الحاجز | يمنيات لا يملكن قدرةً على اتخاذ قرارهن الشخصي
تحاول فاطمة (اسم مستعار) البالغة من العمر 32 عامًا، من إحدى قرى مدينة سيئون، أن تعيش حياة طبيعية رغم الألم الذي تشعر به كل يوم. نشأت في أسرة تُعلي من قيم “الحياء” و”الاحترام” ولكنها كانت تترجم في كثير من الأحيان إلى ظلم وقسوة من قبل أقربائها. فاطمة التي عاشت مع والدتها بعد انفصال والديها، كانت تتمنى أن تكون لها حياة أكثر حرية وحقًا في اتخاذ قراراتها الخاصة. لكن رغباتها غالبًا ما كانت تُقابل بالرفض من أعمامها الذين يتدخلون في شؤون حياتها الشخصية.
تقول فاطمة: “كنت دائمًا أشعر بأنني رهينة لقرارات غيري، رغم أنني كنت أعمل وأعيش في المدينة بعيدًا عنهم. لكنهم يصرون على التدخل في كل تفاصيل حياتي، حتى في اختياراتي المهنية أو حتى في زواجي، رغم أنني ناضجة وكبيرة في السن”. ومع كل تدخل جديد، كانت فاطمة تجد نفسها تغرق في المزيد من الضغط الاجتماعي والذنب بسبب رغبتها في العيش بطريقة تختلف عن توقعاتهم.
عادات تقيد الحياة
ليلى، 28 عامًا، تنحدر من إحدى القرى الريفية في محافظة تعز، عانت -هي الأخرى- من الظلم ذاته على يد أقاربها. “في قريتنا، كان من المفترض أن أكون دائمًا موجودة لخدمة العائلة، حتى لو كنت أرغب في الذهاب إلى عملي أو حتى إذا كنت بحاجة إلى أخذ قسط من الراحة”، تقول ليلى. “عندما حاولت التحدث مع أحد أقاربي حول رغبتي في أن أكون مستقلة، أُتهمت بالأنانية. في النهاية، تم فرض عليَّ أن أتزوج في سن مبكرة، رغم أنني كنت أطمح لإكمال دراستي والعمل في مجال يهمني”.
مثل ليلى، هناك العديد من النساء في القرى والمجتمعات التقليدية يعانين من نفس النمط المهيمن، حيث تُفرض عليهن الأدوار الاجتماعية التي تحدد مصيرهن بناءً على توقعات وأحكام الأقارب. هذه القسوة الاجتماعية لا تقتصر على الأهل فقط، بل تمتد لتشمل الأعمام والعمات، الذين غالبًا ما يرون في أنفسهم السلطة المطلقة في اتخاذ قرارات حياة الفتيات.
متى يتحول الحب إلى قيد؟
التدخلات التي تقوم بها العائلة لا تقتصر على حياتهن الشخصية بل تمتد لتشمل حياتهن العاطفية والوظيفية، فكل خطوة قد تكون محط انتقاد، سواء كانت تتعلق باختيار شريك الحياة أو اختيار مكان العمل. “عندما قررت أن أتزوج من الشخص الذي أحببته، كان أول من اعترض هو عمي، الذي وصف قراري بأنه متهور وغير حكيم. كان يقول دائمًا أنني لا أستطيع أن أتخذ قراراتي بمفردي”، تقول هالة (29 عامًا) التي تعيش في مدينة صنعاء. “كنت أعيش في حالة من الصراع الداخلي، بين أن ألتزم بتوقعات العائلة أو أن أعيش حياتي كما أريد”.
التوقعات المجتمعية… وأثرها على النفسية
العديد من الفتيات اللواتي يتم حرمانهن من حقوقهن في اتخاذ القرارات بسبب تدخلات الأقارب يعانين -جميعًا- من تداعيات نفسية، مثل الشعور بالعجز وفقدان الثقة بالنفس. تقول الصحفية والناشطة الاجتماعية مريم سعيد: “إن العديد من الفتيات لا يدركن مدى تأثير هذه التدخلات على حياتهن الشخصية. في كثير من الأحيان، قد يشعرن أنهن مجرد أدوات لتحقيق طموحات الآخرين، ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية تتراكم على مر الزمن”.
تضيف سعيد: “من المهم أن نفهم أن هذه الأنماط الاجتماعية لا تقتصر على منطقة أو ثقافة معينة، بل هي مشكلة موجودة في كثير من المجتمعات. في النهاية، يصبح الفرد جزءًا من هذه الدوامة النفسية التي تحدد له مستقبله، وتمنعه من أن يكون هو نفسه”.
التحرر يبدأ من داخل العائلة
في وقتٍ تتزايد فيه الدعوات من أجل تمكين النساء في مجالات الحياة المختلفة، تبقى العائلات هي العنصر الأساسي الذي يُحدد مصير العديد من النساء. ولكن هناك بعض النساء اللواتي حاولن التمرد على هذا الواقع. “في البداية، كنت أسمع العديد من الانتقادات من عائلتي بسبب اختياراتي، وأحاول أن أتقبل فكرتهم وأدعوهم إلى تقبل فكرتي في نقاشٍ يسوده الهدوء والتفاهم، لكن مع مرور الوقت، بدأوا في تفهم موقفي”، تقول رقية، 34 عامًا. “لقد أدركوا أنني لست مجرد أداة لأهدافهم الشخصية، وأنني أستحق أن أعيش حياة سعيدة ومستقلة”.
في ظل التحديات التي تواجهها النساء بسبب تدخلات الأقارب، يبقى السؤال: متى سيتوقف هذا الظلم؟ إن التغيير يبدأ من داخل الأسرة، إذ لا بد من تعزيز وعي الأفراد بحقوق النساء وحرياتهن. المجتمع لا يمكن أن يزدهر أو يتقدم ما لم تُحترم حقوق كل أفراده، سواء كانوا رجالًا أو نساءً. التغيير الحقيقي لا يكون فقط في تفعيل القوانين، بل أيضًا في تحويل هذه القيم التقليدية إلى قيم تدعم حرية الاختيار والمساواة بين الجنسين.