
العادات والتقاليد |تابوهات تحد من اندماج الفتيات في الأنشطة والفعاليات
تحاول سلمى (اسم مستعار)، البالغة من العمر 26 عامًا، من مدينة أحور في أبين، أن تجد لنفسها مكانًا في المجتمع رغم القيود التي تفرضها عادات وتقاليد مجتمعها. نشأت في أسرة تقليدية، حيث كانت المشاركة في الأنشطة الاجتماعية تقتصر على الذكور فقط، بينما كانت الفتاة تُحرم من هذه الفرص. تقول فاطمة: “لطالما كنت أرغب في المشاركة في الفعاليات الثقافية والرياضية، لكنني كنت أواجه اعتراضات من أسرتي بسبب الخوف على سمعتي، ما جعلني أشعر بالعجز”. ورغم أنها ترغب في التفاعل مع المجتمع، إلا أن هذه العادات والتقاليد كانت تمنعها من الاندماج الاجتماعي الكامل.
قيود العادات الاجتماعية على مشاركة الفتيات
في العديد من المناطق اليمنية، يُعتقد أن مكان الفتاة هو المنزل فقط، مما يجعلها محصورة في أدوار تقليدية لا تتيح لها الفرصة للتفاعل في الحياة العامة. تتحدث سمية (25 عامًا) من إحدى القرى في مدينة غيل باوزبر عن تجربتها قائلة: “في قريتي، لم يُسمح لنا بحضور أي فعاليات اجتماعية مختلطة. كان يُنظر إلينا على أننا مجرد جزء من المنزل، وكأن حياتنا يجب أن تكون محصورة في حدود الأسرة فقط”. هذه القيود تُفرض حتى على الفتيات اللاتي يرغبن في الانخراط في الفعاليات الثقافية أو المجتمعية، مما يقلل من فرصهن في التعبير عن أنفسهن وبناء شبكة اجتماعية واسعة.
المفاهيم التقليدية حول دور الفتاة في المجتمع
تعتبر بعض العادات في المجتمع اليمني أن دور الفتاة يقتصر على المهام المنزلية وتربية الأطفال، مما يحد من فرصها في التفاعل مع المجتمع الخارجي. تقول هويداء قاسم (27 عامًا)، التي نشأت في مدينة صنعاء: “كان والدي يرفض تمامًا أن أشارك في أي نشاط اجتماعي خارج المنزل، وكان يرى أن دوري يقتصر على الاعتناء بالمنزل والأشقاء”. هذا التقليص لدور المرأة يعزز من عزلتها الاجتماعية ويمنعها من اكتساب الخبرات الحياتية التي تساهم في تطوير شخصيتها وتعزيز ثقافتها العامة.
التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه القيود
تؤثر العادات والتقاليد التي تحد من اندماج الفتيات في الأنشطة الاجتماعية بشكل كبير على نفسيتهن. كثير من الفتيات يشعرن بالعزلة والانعزال الاجتماعي، مما يؤثر على قدرتهن على التواصل مع محيطهن. تعبر هند (24 عامًا) من مدينة سيؤون عن هذا الشعور بالقول: “كنت دائمًا أرى أصدقائي يشاركون في الأنشطة المختلفة، لكنني كنت مجبرة على البقاء في المنزل. هذا جعلني أشعر أنني غير قادرة على مواكبة التطور”. هذه القيود تؤدي إلى شعور بالحرمان من حق الفتاة في المشاركة في الحياة العامة، مما يساهم في تراجع الثقة بالنفس والإحساس بالعجز.
التحديات الاقتصادية والتعليمية
العديد من العادات والتقاليد تؤثر أيضًا على التعليم وفرص العمل للفتيات في اليمن. ففي بعض القرى، يُعتبر تعليم الفتيات غير مهم، حيث يُشجعن على الانشغال بالأعمال المنزلية بدلاً من السعي للحصول على تعليم جامع أو مهنة. تقول سعاد (29 عامًا) التي نشأت في ريف الحديدة: “عندما أردت التقديم للعمل في إحدى المؤسسات الثقافية، رفضت عائلتي الفكرة بحجة أن ذلك ليس مكان الفتاة. كان يقال لي إنني يجب أن أظل في المنزل وأتزوج”. هذا يحد من قدرة الفتيات على الانخراط في المجتمع، سواء على الصعيد الاجتماعي أو المهني.
التغييرات الاجتماعية والتحولات في النظرة تجاه الفتاة
رغم التحديات، فإن هناك تحولات إيجابية بدأت تظهر في السنوات الأخيرة، حيث بدأت بعض الأسر اليمنية في السماح لبناتها بالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية المختلفة. تقول فاطمة (19 عامًا) التي عاشت في محافظة حجة، في هذا الصدد: “في البداية، كان لدي الكثير من القيود، لكن مع مرور الوقت، بدأ والدي يوافق على أنني أشارك في بعض الفعاليات الثقافية، وأصبح أكثر تقبلاً لفكرة أنني أستطيع أن أكون جزءًا من المجتمع”. هذه التغييرات جاءت نتيجة لزيادة الوعي بأهمية التعليم والمشاركة المجتمعية للنساء، وتؤكد العديد من الفتيات أن المجتمع بدأ يفتح أبوابه أمامهن بشكل أكبر.
التحرر يبدأ من داخل الأسرة والمجتمع
إن التغيير في هذه العادات والتقاليد يحتاج إلى بداية من داخل الأسرة والمجتمع. يجب أن يساهم الأهل في دعم بناتهم وتوجيههن للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، مع مراعاة القيم الاجتماعية التي تتفق مع حق الفتاة في التعبير عن نفسها. تقول ريم (26 عامًا) من مدينة الديس الشرقية بحضرموت، “إذا أردنا أن نعيش في مجتمع أكثر انفتاحًا، يجب أن يبدأ التغيير من العائلة نفسها، وأن تدرك الأمهات والآباء أن التعليم والمشاركة في الأنشطة يعززان من شخصية الفتاة”. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع بأسره إعادة النظر في المفاهيم التقليدية التي تقيّد الفتاة وتحجم من مشاركتها في الحياة العامة، والعمل على خلق بيئة تحترم حقوق الفتاة وتتيح لها الفرص المناسبة للنمو والتطور.
في الختام، على الرغم من التحديات التي تواجه الفتيات اليمنيات نتيجة للعادات والتقاليد الاجتماعية، إلا أن هناك إمكانية للتغيير والتحسين. بتضافر الجهود من الأسرة، المجتمع، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، يمكن للفتيات أن يحققن انطلاقة جديدة في مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية. التغيير الحقيقي يبدأ من تغيير القيم التقليدية، وتوفير الفرص المناسبة لتمكين الفتاة اليمنية من المشاركة بشكل كامل في الحياة الاجتماعية والفعاليات العامة.