مواد غرفة أخبار الجندر

22
ديسمبر

النساء يقتحمن مجالات عمل كانت حكراً على الرجال

 مبارك اليوسفي

ظلّت كثير من الأعمال في اليمن خاصة بالرجل لا تستطع المرأة الاقتراب منها أو ممارستها لعقود كثيرة، وذلك لأسباب عائدة للعُرف والعادات والتقاليد، لكن الوضع تغيّر منذ بداية الحرب في مارس/ آذار 2015، فقد دفعت الظروف بكثير من النساء إلى سوق العمل من دون اكتراث لأي من العادات المحدِّدة للصورة النمطية لأدوار المرأة في المجتمع. في نهاية عام 2014 عقب دخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة، توقّفت أعمال كثير من الناس. قامت شذى الحمادي باستغلال سيارتها الخاصة وتحويلها إلى سيارة أجرة (تاكسي) للعمل عليها، وهي أول امرأة تقوم بالعمل على أجرة بذاك الوقت في صنعاء إن لم يكن في اليمن كلّها. تحكي شذى أنها في بداية الأمر قامت بطرح الفكرة على صديقاتها وزميلاتها في الجامعة، وكانت الفكرة أن توصّلهن إلى المنازل تجنبًا للزحام ومضايقات الشوارع، واستمرت بهذا العمل حتى أواخر عام 2015؛ إذ شهدت البلاد أزمة مشتقات نفطية خانقة أجبرتها على التوقف لأشهر. لاقت فكرة شذى رواجًا عند صديقاتها وأهلها، وشجّعها هذا على الاستمرار في العمل، وحين توقّفت رواتب موظفي الدولة نهاية عام 2016، توسّع عملها بشكل أكبر من أجل مساعدة أهلها في توفير مصاريف المنزل، وتشير شذى في حديثها إلى أن عملها في تلك الفترة لم يعد مقتصرًا على الجامعة، بل تعاملت مع بعض نساءِ الحي وطالباتِ المدارس لتقوم بتوصيلهن بشكل دوري. مخاوف من العمل.. لا يزال حتى الآن عمل شذى مقتصرا على أماكن محدّدة وزبائن محددات من النساء؛ إذ تعمل على توصيل بعض النساء التي تعرّفت عليهن في العمل، وتقول إن العمل على التاكسي مريح بشكل جزئي، خصوصا أنه مقتصر على النساء فقط، وهذا يجعلها تضمن عدم المضايقات، فيما تجد أن العمل إذ كان منفتحا على الجميع، فإنها قد تتعرض للمضايقات من بعض قليلي الذوق من الرجال، بالإضافة إلى أن أقاربها لن يسمحوا لها بذلك، بحسب قولها. في ذات السياق تجد شذى صعوبة في إقناع بعض النساء بالتعامل معها. تقول إن هناك كثيرا من النساء يبدين تخوّفهن بشكل كبير من التعامل معها، لا سيما اللاتي لا تعرفهن، ومن جهة أخرى، شكّل انعدام المشتقات النفطية بشكل متكرر عائقا أمامها، وهو ما جعلها توقف نشاطها بين الفينة والأخرى. ليست شذى المرأة الوحيدة التي تعمل في هذه المهنة اليوم، إلا أنها قد تكون الحالة الأولى من نوعها، فقد برزت نساء أخريات في مدن متعددة منها صنعاء للعمل على التاكسي، إلا أن أعمالهن لا تزال تُمارس فقط في إطار النساء. تتمنى شذى أن يتقبّل الناس عملها، وتسعى إلى توسيع نشاطها إلى أن تصل لإنشاء شركة خاصة بتوفير سيارات الأجرة للنساء. مهن شاقة .. على غير المتوقّع، تعمل الشقيقات الثلاث مالكة وفائزة وحسناء بإشراف والدهن الخمسيني في أعمال “التلييس” و”التشطيب” وصناعة الديكور والنقش وطلاء المنازل، وهي أحد مجالات البناء المرتبطة بخدمات المنازل بعد البناء، بالإضافة إلى كونها مهنة شاقة لم يسبق لأي امرأة ممارستها في البلاد. وتنحدر الأخوات الثلاث من منطقة “وادي ظَهْر” شمال صنعاء أكثر الأماكن تشددا وإقصاء للمرأة، فهي منطقة ما زال معظم الناس فيها متمسكين بعادات وتقاليد القبيلة، ومنها حظر عمل المرأة بأي شكل من الأشكال، إلا أن هذا لم يكن عائقًا أمامهن، بل كان مصدر إصرارهن، بحسب قولهن.

تقول مالكة إن العمل ليس عيبًا مهما كان، وإنها لم ترتكب جرمًا، فيما ترى فائزة أن ممارسة أي عمل يُعدّ نضالا كبيرا، ومن الطبيعي أن يقف الناس ضد أي شخص خرج عن عاداتهم، لكن الإصرار في مواصلة هذا النضال هو من يجعل الناس تتقبله، فيما تقول حسناء إن كثيرا من الناس يتقبل وضعهن وعملهن، وذلك بسبب الوضع الإنساني الصعب في اليمن، غير أن هناك نظرة دونية من قبل البعض الآخر لا سيما في مناطق خارج صنعاء، ورغم ذلك تجد أن دعم والدها لهن يجعلهن لا يكترثن لأي أحد. ردود الفعل.. في السنوات الأخيرة بدأ المواطن اليمني يتقبل ممارسة النساء لبعض الأعمال، لا سيما في المدن حيث يكون الوعي أكبر مما عليه في القرى، ومن خلال استطلاع لرأي عدد من الناس في الشارع أجراه معدّ التقرير في الشارع تبين أن هناك نسبة كبيرة تقبّلت الأمر بشكل طبيعي؛ إذ تجد أنه أمر واقع وأن عمل النساء أفضل في هذا الوقت. يقول المواطن عبد الله نعمان: “إنه لا مشكلة ولا عيب في ممارسة المرأة لأي عمل، وإنه من مهم جدا عمل النساء في هذا الوقت”، كما يشير إلى أن أي عمل تمارسه المرأة مهما كان مخالفا للعادة أو لنظرة الناس أفضل من أن تلجأ إلى التسول أو ممارسات غير أخلاقية من أجل الحصول على المال.

من جهة أخرى يرى المواطن صادق علي أن المرأة يمكن أن تمارس أعمالا بسيطة، وهذا لا مانع منه بينما يجد أن ممارسة النساء لأعمال شاقة ليس عيبًا، لكنه غير مفضّل في اليمن، على حد قوله، ويعلل ذلك بأن وضع النساء مختلف عن الرجل، والأعمال الشاقة قد تتسبب بمضاعفات صحية وأخرى نفسية لها. ورغم حالة التقبل هذا، لا يزال هناك كثير من الناس يعارضون عمل المرأة بأي شكل من الأشكال ويرون فيه عيبًا كبيرا وليس له أي مبرر.

ترى الصحفية والناشطة مروى العريقي أن نجاح أي امرأة في عملها قائم في الأساس الأول على جهودها في مدى إثباتها في مهنة معينة، وتضيف أنه في الوضع الحالي لا يجب على المرأة أن تفكر في تقبل الناس من عدمه بقدر ما يهمها إثبات نفسها وطرح المجتمع أمام أمر واقع حتى يتقبل عملها.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية