يمنيات في مهن مازالت حكرا على الرجال | أسمهان تنجح في مشروعها “بيع الأسماك”
في زاوية بعيدة من ساحة بيع الأسماك بمدينة الحديدة تجلس أسمهان وسط ضجيج السوق، وتقف بحذر تبيع السمك وسط حشود كبيرة من الرجال. تقول أسمهان، وهي في العقد الرابع من العمر،إنها وجدت نفسها مضطرة للعمل في مهنة ما زالت حكرا على الرجال بعد أن تقطّعت بها السبل، وفقدَ والدها عمله بسبب الحرب بعد أن كان مسؤولا سابقا في الثروة السمكية.
قصة نجاحها
تجد أسمهان صعوبات في هذا المجال، إلا أنها، كما تؤكد، تحقق نجاحات مكّنتها من إعالة أسرتها خلال الفترة الماضية،فقد أصبحت المعيلة الوحيدة لأسرتها المكونة من أربع فتيات ووالدها الذي أصبح شيخا عجوزا.
توضح أسمهان أن فكرة دخولها في مجال بيع الأسماك جاء بعد أن حاولت العمل في كثير من المجالات، مثل بيع العطور وتجارة الأقمشة،وتُعيد أسمهان سبب نجاحها إلى طبيعة نشأتها التي كانت قريبة من الصيادينوالبحر، وأنها كانت منذ طفولتها ترافق أباها أحيانا إلى مؤسسة الأسماك، فأنشأت مع البحر علاقة وجدانية منذ الصغر.
وتشرح أسمهان طبيعة عملها قائلة: “أقوم بشراء قليل من الأسماك من أحد البحارة الذين يعودون من البحر بكميات للبيع بالجملة ، ثم أبيعه في طرف السوق، وقد عانيت كثيرا في بداية عملي بسبب نظرات عدم الرضا من كثير من الرجال الذين يعتقدون أن مثل هذه المهنة حكر على الرجال فقط”، وتوكّد أن المجتمع مع مرور الوقت بدأ يتقبل الأمر، ولكن التشجيع المجتمعي لا يزال متدنيا، وليس بالمستوى المطلوب.
تشعر عائلة أسمهان بالامتنان، وتذكرالشقيقة الصغرى حنان أن أختها أسهمت بالارتقاء بمستوى معيشة العائلة بعد أن تضرروا من الحرب، وانقطع راتب والدها، وتذكر أن أختها لا تأبه للنظرة السليبة من المجتمع ولا لانتقاد الناسلمهنتها.
وبحسب آخر نتائج مسح القوى العاملة في اليمن ينخرط (3.27) مليون شخص في الأعمال الخاصة بهم، ومعظم هؤلاء من النساء المنخرطات في إنتاج مواد غذائية للإعاشة، وبحسب بيانات المسح المموّل من منظمة العمل الدولية المكتب الإقليمي للدول العربية عام 2015، وصل معدّل مشاركة النساء في قوّة العمل ذروته عند النسبة 9.3% في الفئة العمرية (30-34 سنة)، وفي المرتبة الثانية إلى (7.0%) في الفئة العمرية (45-49 سنة)، وبما يشير إلى عودة النساء إلى سوق العمل بعد دخول أطفالهن إلى المدرسة.
إعادة تقييم الأدوار
يقول الخبير الاقتصادي علي البَشيري:إن المرأة شريكة قوية في المجتمع، وقد أثبتت في فترة الحرب أنها قادرة على التكيّف واكتشاف الحلول وممارسة مهن عدّة كانت حكرا على الرجال، ولكن مع الظروف التي تعيشها البلاد ومتطلبات المرحلة،بدأت النساء في ممارستها، مثل مهنة بيع الأسماك، وتعد المعايير الاجتماعية والقبلية العوامل الرئيسة التي تسهم في انخفاض مشاركة النساء في القوى العاملة،وتقصر دور المرأة على الإنجاب وفي نطاق الأسرة بالدرجة الأولى.
تقول الاختصاصية النفسية وردة وهيب: “زادت مشاركة المرأة اليمنية في الفترة الراهنة، وخرجت المرأة لسوق العمل، وزاد دور المرأة في اتخاذ القرار وإدارة الأسرة، مما أدى إلى إعادة تقييم الأدوار بين الرجل والمرأة،وهذا يشير إلى حدوث تغيير كبير في مجتمعناالذكوري، ويتطلب مشاركة المرأة في سوق العمل بذل جهود متواصلة لدعم توظيف المرأة وتمكينها من المشاركة في أدوار صنع القرار”.
وتقول سمية الطائفي مديرة منظمة انتصاف لحقوق المرأة:”يجب الحفاظ على أدوار المرأة التي حققتها في مجال التنمية والاقتصاد وفي مجال التوظيف، وينبغي تجاوز حالة اللامساواة القائمة على النوع الاجتماعي في القوى العاملة، فمكاسب المرأة والأدوار التي حققتها في مجال العمل ستحدث تحوّلا اجتماعيا وثقافيا واسعا، وستحصل النساء على فرصة المشاركة في النشاط الاقتصادي والأعمال المثمرة والدخل المناسب لضمان التخفيف من الفقر”.
وتعد مهنة الصيد وبيع الأسماك مهنة رجولية , لذلك تعتبر أسمهان قصة استثنائية لامرأة تخوض مهنة الرجال بكل ثقة وتحد لكل الظروف المجتمعية لتترك هذه المرأة آثار لا يمحوها الزمن تحكي قوة وعظمة هذه المرأة التي تحملت العبء الأكبر وساهمت بضراوة وقوة غير عادية لحماية أسرتها .