اليمن|جلب المياه معاناة مشتركة لنساء الريف والمدن
كان جلب المياه مشكلة تورّق النساء اليمنيات في المناطق الريفية، وأصبحت نساء المدينة تشاركهن هذه المعاناة التي ظلّت قائمة لسنوات عدة. وفي ظروف الحرب الراهنة أصبح جلب المياه من أماكن بعيدة مشكلة تواجهها النساء في المناطق الريفية والمدنية معا.
في حي شعبي بمحافظة صنعاء، تجتمع النسوة والفتيات أمام “السَّبيل” (ماء خيري يوزّع مجانا) وبجانبهن كثير من الأوعية البلاستيكية الصفراء التي تستعمل لتعبة المياه (دبّات يُباع فيها الزيت). تبدأ رحلتهن يوميا بالاستيقاظ مبكرا في الساعة السادسة صباحا من أجل أن يأخذن مكانا في الصفوف المكتظة بالناس نساء ورجالا وأطفالا.
تقول أم عبد الله: “أستيقظ مبكرا أنا وأبنائي حتى نجلب الماء من السَّبيل، وأحمل عددا من الأوعية بسعة 20 لترا، وأقف كثيرا في الطابور إلى أن يأتي دوري، وعند الانتهاء من التعبئة، تبدأ معاناة حمل الأوعية إلى المنزل إيابا”.
عائشة محمد (13 عاما) تستيقظ باكرا مثل غيرها من بنات الحي، وتُسابق من أجل الوصول إلى طابور تعبئة المياه. تحكي عائشة: “إذا تأخرت، فسأقف في آخر الصف، ولن أكمل التعبئة إلا ظهرا، وسأتأخر عن موعد دراستي. في أغلب الأوقات، لا أذهب إلى المدرسة حتى أوفر المياه لعائلتي”.
•معركة الحصول على الماء
وفقا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2020م، يرتبط 22% من سكان الريف و46% من سكان المدينة بشبكات المياه العامة التي تعمل جزئيا، وقد أشار التقرير الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2020 أن اليمن تعيش أزمة خانقة في توفير المياه؛ إذ لا تغطي شبكة أنابيب المياه إلا 30% من السكان.
وبيّن التقرير أن أكثر من 15 مليون شخص يلجأون إلى طرق مكلِّفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه.
تصف أم محمد عمرو (34 عاما) إحدى النساء الساكنات في محافظة تعز معاناة جلب الماء بـ”المعركة” قائلة: “بجانب معاناة الانتظار، تظهر معاناة أخرى، وهي الشجار بين النساء في الطابور، فهناك مَن يأتي متأخرا ويحاول الدخول في بداية الطابور، وهناك مَن يعبئ الماء من دون مراعاة للعدد الكبير من المنتظرين، وأحيانا إذا زاد الشجار، يضطر المسؤول إلى إقفال الحنفيات (الصنابير) بقُفل، ويمنع الجميع من استكمال تعبئة المياه”.
•القرى مسافات طويلة لجلب الماء
تُعد القرى اليمنية من الأماكن التي ما زالت تعاني من وعورة الطريق، وهذا يمنع كثيرا من الأسر الحصول على المياه. نتيجة لذلك، تضطر فتيات ونساء القرية إلى الذهاب إلى سدود المياه والعيون البعيدة عنهن مسافة طويلة تُقدّر بنصف ساعة تقريبا، وبعضها أكثر من ذلك.
رويدا صالح (20 عاما) تذهب يوميا لجلب المياه من السدّ. تحمل دبّتين ماء، كل واحدة سعة 20 لترا تقريبا. تحمل واحدة فوق رأسها وأخرى في يدها، وتسير مسافة تقارب النصف ساعة، ومن ثم تعود لجلب الماء مرة اخرى بنفس الطريق لتأتي بدبتين إضافيتين وبنفس المقاس.
لا تختلف معاناة الطفلة إيناس محمد (15 عاما) عما سبق، فبالإضافة إلى مهام المنزل من طبخ وغسيل وتنظيف، يجب عليها جلب الماء في الساعة الثالثة عصرا. تقول: “الذهاب لجلب الماء ليس بالأمر السهل، ولكننا تعودنا على ذلك، وأصبح شيئا روتينيا من عاداتنا اليومية”، وتضيف: “في قريتنا مهام جلب الماء تقتصر على المرأة. وعلى الرجل مهام أخرى مثل التسوق والزراعة”.
•أسعار الوقود ضاعفت أزمة المياه
تشكو سميرة محمد من محافظة المحويت انقطاع المياه المستمر في المحافظة، وتقول في حديثها: “نضطر إلى شراء صهاريج للمياه لتلبية احتياجنا من المياه، وتبلغ كلفة الواحد منها خمسة وعشرين ألف ريال (41 دولارا تقريبا)، وهو سعر مرتفع جدا لا نستطيع توفيره”.
وفي السياق نفسه، أكد محمد حسن أحد سكان مدينة تعز على أن ارتفاع أسعار الوقود العالية ضاعف من معاناة المرأة في الحصول على مياه صالحة للشرب، وخصوصا العائلات الأشد فقرا التي لا تملك قوت يومها جراء الأوضاع الاقتصادية. ويضيف: “في ظلّ الأوضاع الراهنة، وبسبب استمرار الحرب في اليمن، وانقطاع مشاريع المياه الحكومية، أصبح الحصول على صهريج المياه يحتاج إلى ميزانية خاصة، وقد شهدت المياه ارتفاعا في الأسعار، وبلغت أسعارها الضعف في المدن، وثلاثة أضعاف في القرى بسبب وعورة الطريق وبعدها”.
وتعاني عدن من أزمة خانقة في المياه؛ إذ يشكو معظم سكان المدينة من انقطاع المياه وعدم توفرها في عدد من المديريات، أهمها العَيدَرُوس والبساتين وغيرها من الأحياء الصغيرة، وليس هناك وسائل لجلب المياه إلا ظهور الدواب ورؤوس النسوة والأطفال”.
وتشكو أم محمد (40 عاما) من حي الطَّويلة بمنطقة كريتر من عدم وصول شبكة المياه إليها، ومماطلة الجهات المعنية في توفير مشاريع خاصة للمياه بالمنطقة التي تقطنها، وتحكي معاناتها قائلة: “تعبتُ أنا وأولادي من جلب المياه في ظلّ الوضع الراهن. لم يعد بمقدوري سداد تكاليف شاحنات المياه، وهذا ألجأنا إلى إحضار المياه من منطقة بعيدة وتحمل مشقة جلبه أنا وأبنائي”، وتضيف: “لم أتخيل في يوم من الأيام أن أحمل الأوعية البلاستيكية لجلب الماء من أماكن بعيدة، ولكن للأسف وصل بنا الحال إلى ذلك، وليس أمامنا خيار آخر”.
منطقة الشيخ إسحاق في مديرية المُعلا لم تسلم أيضا من معاناة جلب المياه، فنرى عددا من النساء والأطفال يجلبون المياه من مناطق بعيدة، ويقومون بذلك استعانة بالدواب لتوصيل المياه إلى أعالي الجبال حيث يسكن فيها عدد من النازحين في المخيمات، وهي تعاني من زحام شديد وعدم توفر المياه.
أوضحت سعاد محمد (إحدى النازحات بتلك المنطقة) عدم وجود مشاريع مياه في المنازل؛ لأنها مبنية بطريقة عشوائية ولا يصل إليها مشروع المياه. وأكّدت أن المعاناة كبيرة جدا لها ولأطفالها، وكل ما تريده هي وسكان المنطقة مشروع مياه يصل إلى كل منزل بدلا من الذهاب بحثا عنها في أماكن بعيدة.
•التزايد السكاني وانقطاع الكهرباء
أكد هادي رفاده مختص في وزارة المياه أن شبكة المياه التابعة لمؤسسة المياه والصرف الصحي لا تُغطي نسبة 50% من سكان المدن؛ بسبب انهيار عدد من المشاريع المائية وخروجها عن الخدمة نتيجة انقطاع الكهرباء وتوقّف المضخات القديمة التي تحتاج إلى صيانة، ويُضيف: “ندرة المياه، وانخفاض مستواه في الآبار الجوفية، وقلّة الامطار أسهمت بشكل كبير في عدم توفر المياه بالإضافة إلى الضخ الجائر للمياه الجوفية، وعدم استعمال الطرق الحديثة في الري”، وأشار رفاده إلى أن ضعف الوعي المجتمعي بأهمية المياه والحفاظ عليها، وصعوبة تطبيق قانون المياه والبيئة من الأسباب الرئيسية لافتقار الأحياء الصغيرة إلى المياه. ويؤكد أيضا أن تدني مستوى الدخل لدى الأسر، وعدم وجود تسعيرة للمياه تناسب جميع الفئات (الفقيرة والمتوسطة والغنية) زاد من المعاناة، خصوصا تحت ازدياد الطلب على المياه بسبب الضغط السكاني الكثيف.
•آثار صحية
تشكو أحلام محمد (35 عاما) من ألم في الظهر، وعند الذهاب إلى الطبيب تبين أنها تعاني من ضغط في فقرات العمود الفقري بسبب حملها الثقيل، وتقول: “أنا أسكن في الدور الثالث، وفي كل يوم كان يجب علينا تعبئة المياه من سَبيل الماء، وبعدها أقوم بحملها للمنزل، وعندما أكمل، أشعر بآلام كبيرة في الظهر، ولكن ما باليد حيلة. من سيوفر لنا المياه؟!”.
وبدورها، تفيد الدكتورة ماجدة ياسين اختصاصية النساء والولادة أن رفع الأشياء الثقيلة يوثر على صحة المرأة ويسبب كثيرا من المشاكل. وتظهر أعراضها بعد فترة غير طويلة، وتفصّل في الأمر: “من الممكن أن تصاب المرأة بهبوط في الرحم، وضعف في عضلات الحوض التي تدعمه، وهذه المشاكل تعاني منها المرأة باستمرار اضافة إلى عدم انتظام الدورة الشهرية. هذا بشكل خاص، وبشكل عام يوثر حمل أي وزن بصورة مستمرة وطويلة، وإن كان خفيفا، على العمود الفقري وعلى الفقرات، ويُعدّ سببا رئيسيا للانزلاقات الغضروفية نتيجة الحمل الثقيل والرفع بطريقة غير صحيحة”.