مواد غرفة أخبار الجندر

07
أكتوبر

لعنة الثروة.. قيد يحرم المرأة من الزواج

 زكريا حسان

بلغت “أحلام” نهاية العقد الرابع من العمر، وما تزال تحمل جرحا بسبب رفض والدها للشاب الذي تمنّت الزواج منه، ورفضه حتى للذين تقدّموا لخطبتها بعده، فتعنّت والدها صار حجر عثرة حالت دون زواجها، وبناء حياتها المستقلّة والخاصة.

تنتمي أحلام إلى أسرة ثرية من مدينة القاعدة بمحافظة إبّ وسط اليمن، وتمتلك كثيرا من العقارات، إلا أنها مثل كثير من الفتيات في العائلة وقفت ممتلكات الأسرة ومخاوف أولياء الأمور من انتقالها إلى أيدي آخرين – وقفت سدا منيعا أمام زواجها. تقول أحلام: “لم يفكر والدي بمصلحتي، ولم يسألني مرة واحدة إن كنت موافقة على أحد الذين تقدّموا لي، ورفض زواجي بحجج ومبررات واهية، والسبب الحقيقي هو الحفاظ على الميراث”.

عشرات من الفتيات بأسرتها ما يزلن يُحرمن من الارتباط، وتُواجه طلبات الزواج بالرفض، إلا إذا كان المتقدّم من الأسرة نفسها، حتى إن كانت فاشلا وأخلاقه سيئة، كما حدث مع “أحلام” الذي رفض والدها كل المتقدّمين، لكنه وافق على زواجها من ابن عمّها الذي فشل في تعليمه وحياته، ويعرف الجميع استهتاره وسوء تعامله مع الآخرين، فرفضت العرض وفضّلت البقاء عزباء، بحسب قولها.

عنف اجتماعي
ترى الناشطة النسوية ثريا مجاهد أن حرمان المرأة من الزواج بحجة الحفاظ على الممتلكات من عادات الجاهلية التي جاء الإسلام ليبطلها، وأن الإسلام يقرّ حق المرأة في مختلف جوانب الحياة، والأب الذي يحرم ابنته من حقها في الحصول على نصيبها في الثروة ظالم، ويخالف القانون والتشريعات السماوية.

وتشرح الناشطة مجاهد: “هذه الممارسات تصنّف من أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ إذ يعطى الذكور الحقّ في الزواج والاختيار، وتمنع الفتيات من بناء حياتهن الأسرية المستقلة”.

حق قانوني
وقفت القوانين والتشريعات اليمنية إلى جانب المرأة، وأعطتها الحقّ في الاختيار، والموافقة أو الرفض للزواج، فقد اشترطت المادة (23) من قانون الأحوال الشخصية رضا المرأة في الزواج، ورضا البكر يكون سكوتها، ورضا الثيب نطقها.

ومنحها القانون حقّ رفع دعوى تُسمّى “العضل” إذا امتنع الوليّ من تزويج ابنته لأسباب غير مقبولة، كما تؤكد الفقرة (2) من المادة (18) من القانون نفسه، وهي تشير إلى أنه إذا عضلَ الولي المرأة في الزواج، أمرَهُ القاضي بتزويجها، فإن امتنع، أمر القاضي من يليه من الأولياء الأقرب فالأقرب، فإن فُقدوا أو عَضَلوا، زوَّجها القاضي.

وبحسب المحامية والناشطة غادة فضل، ترفع المرأة الدعوى للمحكمة إذا اعترض الأب على الزواج لأسباب غير منطقية، وفيها غبن لحق الفتاة في الزواج، كالحفاظ على الثروة؛ إذ يعتقد أنه يحمي حقها في الميراث، أو لوجهة نظر تتعلق بالعرق أو بعدم الكفاءة والوضع الاقتصادي أو التعنت والانتقام إذا كان الأب والأم منفصلين.

تقول المحامية فضل: “كثير من هذه القضايا رُفعت إلى القضاء، وتحصّلت الشاكيات على أحكام لصالحهن؛ إذ يوجّه القاضي مذكرة إلى المأذون الشرعي، فإذا كان مع الفتاة أخ أو عمّ أو خال أو شخص، وكّله القاضي في أمر زواجها، وإذا لم يجد أحدا، كان القاضي هو الموكَّل له في العقد، ويكون ذلك صادرا بحكم محكمة.

تضحية كبيرة
“هدى” من منطقة خَمِر بمحافظة عَمْران شمال اليمن، وقد مرّت بالتجربة نفسها، فقد وجدت سنوات عمرها تمرّ من بين يديها وعائلتها ترفض كلّ من يتقدّم للزواج، حتى وصلت إلى قناعة أنها لن تستمر في دور الضحية بقية حياتها، وقد تقدّم لها شخص رأته مناسبا، لكن الأسرة واجهتها بالرفض، إلا أنها هذه المرة، وقفت أمام العائلة، وأعلنت موافقتها وعدم قبولها البقاء مسلوبة الإرادة.

تقول هدى: “عصفت المشاكل بالأسرة، لكني لم أستسلم، وواجهت الجميع حتى توصلت معهم إلى اتفاق، أتنازل فيه عن حقّي في الميراث وممتلكات العائلة، وأوقع أنا وزوجي على أوراق التنازل مقابل موافقتهم على الزواج”.

إقرأ أيضاً  إيقاف هئية تدريس عن العمل في مدرسة أهلية بمأرب

وتؤكد هدى -وهي الآن أم لثلاثة أطفال- أنها لم تندم يوما على قرارها، وأنها تعيش حياة سعيدة مع زوجها، مما دفع بعض فتيات العائلة إلى اتخاذ القرار نفسه، إلا أن الناشطة مجاهد ترفض مقايضة المرأة بحقوقها، وترى أنه لا يجب على الفتاة التنازل عن حقها الشرعي في ممتلكات الأسرة، واللجوء إلى القضاء للحصول على حقّها في الزواج والميراث، وعدم التعامل بسلبية مع القضايا التي تتعلق بمصيرها.

صمت واستسلام
موافقة ولي الأمر شرط أساسي في الزواج، إلا أنه يحقّ للفتاة اللجوء إلى القاضي إذا رأت تعنّت والدها وإصراره على منعها من الزواج، لكن غالبية الفتيات يفضلن الصمت والاستسلام للأمر الواقع، خوفا من ردة فعل الأهل ونظرة المجتمع.

ترفض أغلب الفتيات في اليمن اللجوء إلى القضاء للحصول على حقّهن الذي كفله القانون والاتفاقيات الدولية، بسبب العادات والتقاليد التي تجعلها ذلك وصمة اجتماعية، وترى أنها شهّرت بالأب وارتكبت العيب، بالإضافة إلى الخوف من تعرّضها للعنف الأسري من ضرب واعتداء وتهديد، كما تؤكد المحامية غادة فضل.

وتوضح فضل أنه على الرغم من الدعم القانوني للفتاة، ليس من السهل الحصول على الحكم، ويشترط القانون لتمكين المرأة من ذلك الحق البراهين المتعلقة بتعنّت الولي والشهود، بالإضافة إلى الإجراءات الطويلة في التحرّي والتمحيص، واستدعاء ولي الأمر الذي يرفض عادة المثول أمام القضاء بحجّة أنه لا يحق لأحد الاعتراض على قرار زواج ابنته.

ميزان الدين 
أعلى الدين الإسلامي من شأن المرأة، وأعطاها حقوقها كاملة كالرجل، ومنها الحق في الزواج، واختيار شريك الحياة المناسب، ومنع تقييد هذا الحق وحرمانها منه لاعتبارات خاطئة وحسابات تحطّ من مكانتها، وتنتقص حقها، بحسب الداعية عبد المجيد القباطي.

يقول القباطي: “الفتاة لها نصيب في ممتلكات الأسرة، ولا يجوز مساومتها في حقها وحياتها، وعلى الأب مساعدتها في اختيار الزوج المناسب الذي سيحافظ على كرامتها قبل مالها، وحرام عليه عضلها، وإذا جاء الشاب المناسب، ووافقت عليه، فيجب على ولي الأمر القبول امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه سلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوّجوه”.

ويضيف: “المال لا يُحفظ بحرمان البنت من الزواج، والله وحده مَن يملك المال ويعطيه من يشاء، ويجب على ولي أمر الفتاة أن يدرك عواقب حرمان ابنته من الزواج بحجّة الحفاظ على الثروة أو غيرها، وأنه قد يحطّم حياتها ويخسرها، أو يدفعها للانحراف أو الهروب مع الشخص الذي مُنعت مِن الزواج به بالحلال”.

قلوب محطمة
يستطيع ولي الأمر حرمان الفتاة من الزواج، ومنعها مِن حقّها في بناء أسرة، لكنه يترك جرحا عميقا، وألما يحطم قلبها لا تداويه السنون، كالوجع الذي تعيشه الأربعينية “فائزة” التي حُرمت مع ثلاث من أخواتها مِن هذا الحق، ولم تتزوج سوى واحدة من شقيقاتها مِن ابن خالها.

يمتلك والد فائزة سوقا يؤجّره على بائعي القات، وعددا من الأراضي والعمارات في العاصمة صنعاء، مما جعل بناته يدفعن ثمن ثروة الأب، الذي يرى أنّ كل مَن يتقدم لخطبتهن طامع في الميراث، والثروة التي قضى سنوات من عمره بجمعها والحفاظ عليها.

تتفق الناشطة مجاهد والمحامية فضل في أنه لا توجد عقوبات رادعة ضد ولي الفتاة المُعضِل، وتكتفي المحكمة بحرمانه من ولاية الفتاة إذا وصلت القضية إلى المحكمة، وثبت تعنته، إلا أن القضايا تبقى بعيدة في الغالب عن القضاء، وعواقبها لا تقف عند زيادة نسبة العنوسة، بل تضطر بعض النساء إلى الهروب مع من ترغب في الزواج منه، مما يترتب عليها أن تصل القضية إلى قتل الأسرة للفتاة.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية