مواد غرفة أخبار الجندر

19
فبراير

عندما يكون العمل سنداً للفتاة لتحقيق طموحها

 خديجة الكاف

تجاوزت الثامنة والثلاثين من عمرها. عاشت عازبة تهتم بأسرتها وعائلتها وأخواتها وإخوانها. كان كل هدفها كيف تسعد أهلها وأمها وأباها وتنال رضاهم. ظلت تعمل في إحدى الدوائر الحكومية متعاقدة في مجال الإعلام منذ سنوات، وطمحت دوما في إنشاء موقع إلكتروني متخصص بقضايا النساء، ولكنها انشغلت عن هدفها بأمور عائلتها من مرض وزواج وسفر، ظلت تحقّق طموح إخوانها وأخواتها وتنسى حياتها ومستقبلها.

خوفا من العنوسة

تقول خلود: “أسكن بمدينة عدن، وأبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما، وأنا الأخت الكبرى في البيت، وأحب أسرتي وأعيش معهم وأتحمل مسؤوليتهم الصغيرة قبل الكبيرة، ولديّ أربعة إخوة وثلاث أخوات، مثلنا مثل أي أسرة متوسطة الدخل”.

وتشير إلى أنه في يوم من الأيام عرضت عليها إحدى صديقاتها فكرة الزواج، وكانت خلود في البداية رافضة بالزواج من رجل متزوج، ولكن صديقتها أقنعتها بذلك. كانت خلود تؤمن أنها لا تستطيع أن تبني سعادتها على تحطيم أسرة مبنية على المودة والرحمة. وإن كان الرجل يريد الزواج بالثانية، فلا بد أن تكون لديه أسباب مقنعة، ولكنها خوفا من العنوسة، قبلت الزواج وقبلت بشرط المتقدّم، وهو التخلي عن عملها في مجال الإعلام.

ستظل تتذكر ذلك اليوم الذي قررت فيه تغيير حياتها

تذكر خلود أنها ستظل تتذكر ذلك اليوم الذي قررت فيه تغيير حياتها. كان ذلك يوم الخامس والعشرين من سبتمبر عام 2021م عندما فكرت جدّيا في القبول بالزواج من رجل متزوج بعد ما رأت أنها ستسقط في بئر العنوسة، ولهذا اختارت أن تكون الزوجة الثانية هروبا من كلمة (عانس)، وقدّرت أن الزواج من رجل متزوج يحقّق لها الاستقرار العائلي، فهو رجل مسؤول وناضج ومقتدر ماديا، وسيحقق لها كل متطلبات حياة الرفاهية، وستعيش معه أفضل من شاب في بداية طريقه وكفاحه في الحياة، ولن يحقق لها شيئا.
وتقول خلود وهي الآن إعلامية بارزة على مستوى المحلي: “حصلتُ على شهادات كثيرة في مجالات مختلفة، وشاركتُ في كثير من الفعاليات والمؤتمرات والدورات التدريبية والندوات، واشتهرتُ إعلاميةً وصحفيةً وبذات القلم الرشيق، ونلت الثقة من كثير من الجهات الحكومية والمنظمات المحلية والدولية”.

وتضيف خلود قائلة: “أنا محبوبة في عائلتي وبين صديقاتي ومعارفي، وأنا متحملة مسؤولية عائلتي من ناحية معنوية. أنا كثيرة الاهتمام بأبي وأمي وإخوتي وكل شيء متعلق بهم، فأنا أشاركهم كل تفاصيل حياتي والفرح قبل الحزن، فكل فرح أشاركهم فيه وبعض أحزاني أخفيها عنهم لكيلا أتعبهم”.

ظروف الحرب منعتني من السفر

وتقول خلود: “أحب السفر وسافرت أغلب المحافظات لحضور الدورات التدريبية، ورُشحت للمشاركة في كثير من الدورات الخارجية، ولكن ظروف الحرب منعتني من السفر وعند تفشّي وباء كورونا، لم أستطع السفر لخوف عائلتي عليّ”.

وتواصل خلود حديثها: “في أحد الأيام بعد مضي سبعة أشهر من التقدم لخطبتها، حُدّد يوم العقد والزواج في وقت قريب جدا من دون أي تعارف أو تفاهم بينها وبين الرجل الذي يريد الزواج منها، وبحسب قولها هو رجل تقليدي متزوج لديه أولاد وبنات وابنته قد أنجبت له حفيدا، وقد زوّج ابنته بعمر صغير وأخرجها من المدرسة؛ لإيمانه بأن البنت مصيرها للمطبخ والزواج؛ فأين التقارب الفكري بيني وبينه؟! التوافق معدوم”.

عندما علمت خلود بهذه الأمور ترددت كثيرا بالارتباط به، وقررت فسخ الخطوبة، ولكنها خافت من ردة فعل أمها وأخواتها اللاتي يريدن أن يفرحن بها.
وتقول خلود: “في يوم من أواخر الشهر قرب تحديد يوم الزواج، اتصل خطيبها بأبيها وتحدث معه أبيها قائلا: إنني لا أريد الزواج من ابنتك، وأنا آسف. زوجتي علمت بأمر زواجي بالثانية، وعملت لي مشاكل وأولادي، وبناتي تركوني، وأنا لن أتمكن من الزواج بثانية، طبعا انزعج أبو خلود كثيرا من كلام الرجل، وقال له: لماذا تقدّمت للزواج وأنت لم تخبر زوجتك الأولى برغبتك بالزواج بالثانية؟ ولماذا تعشّم بنات الناس بالزواج؟ وأنهى المكالمة!”.

المرأة الطموحة دائما تسعى لتحقيق أهدافها التي وضعتها في حياتها

وتواصل خلود قائلة: “أخبرني أبي بما دار في المكالمة الهاتفية بينه وبين خطيبها، فحزنتُ وبكيتُ، ولُمت نفسي؛ لأني تنازلت عن طموحي وعن عملي الذي أحبه لكي أتزوج، ولكني حمدت الله أنه كشف لي حقيقته قبل الزواج، وأن مستقبلي لم يتدمر بشكل نهائي وعُدت لحياتي وعملي”.

المرأة الطموحة دائما تسعى لتحقيق أهدافها التي وضعتها في حياتها، وفي كل مرة تصل به إلى هدف من أهدافها تشعر أنها انتصرت على الحياة وعلى المُثبّطين الذين مِن حولها، وهي تكون دائما إنسانة متواضعة وكريمة وطيبة الأخلاق، فإنها تمتلك روح فكاهية ومرحة ومتفائلة دوما وعندها روح قتالية لمواجهة كل المعوقات الحياة التي تمنعها من تحقيق أهدافها التي رسمتها.

من حق المرأة أن تعمل وعدم حرمانها من ذلك إن أرادت

تقول الدكتورة  رانيا خالد أستاذ مساعد  في جامعة عدن واختصاصية اجتماعية ودعم نفسي : ” ترك المرأة لعملها لأجل أن تتزوج قد يأتي نتيجة انخراط ديني يحرم ذلك، أو ضغوطات عائلية أو مجتمعية إن تأخرت عن سن الزواج خاصة اذا كان المتقدمين لها يشترطون ترك عملها”.

وتضيف قائلة : ” أظن أن المجتمع تطور فكريا وثقافيا عن اشتراط أن تترك المرأة عملها لأجل الزواج خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية ، كنا نسمع سابقا أن من ضمن شروط العريس في بحثه عن العروس هو أن تكون متفرغة ولا تعمل، لكن الآن أصبح من ضمن الشروط أن تكون المرأة معها وظيفة حتى تساعده في مصاريف الحياة”.
وعند سؤالها إن كانت هذه الظاهرة طبيعية أم لا ؟ أجابت:” اأيد غير طبيعية ! فمن حق المرأة أن تعمل ويجب عدم حرمانها من ذلك إن ارادت، فالعمل يحقق لها استقلالاً اقتصادياُ ويثبت وجودها ويعمل على تنمية ذاتها ويجعلها في غيرحاجة لمن يتولى شؤونها المادية.

الوظيفة للمرأة تعدّ سندا لها ولأسرتها

تقول نعمة منذوق، وهي اختصاصية نفسانية، عن تخلي المرأة عن العمل من أجل الزواج: “طبعا رأيي الشخصي هو نفسه الرأي النفسي ورأي أي شخص عاقل مدرك للحياة والضغوطات النفسية الحالية بسبب الوضع المادي والاقتصادي المزري والذي نعاني منه جميعنا”. وتوضّح: “أحبذ أن لا تترك المرأة عملها تحت أي ظرف كان؛ لأن الوظيفة بالنسبة للمرأة تعدّ سندا لها ولأسرته، وخصوصا إذا كانت جامعية ودرست وتعبت حتى حصلت على الوظيفة. وفي كل الأحوال يجب الاتفاق بين الطرفين قبل الارتباط”، وتضيف قائلة أيضا: “الوظيفة قبل البدء بتأسيس الحياة الزوجية، ويجب أن يكون هناك وضوح في هذا الجانب، وأن لا يكون هناك أي تعارض بين عمل المرأة ودورها زوجةً وأمًّا. ترك المرأة لعملها من أجل الزوج مشكلة، وقد وجدنا كثيرا من حالات العنف القائمة على النوع الاجتماعي بهذه الصورة”.

وتؤكّد منذوق أن هناك سببين لطلب الرجل من زوجته ترك الوظيفة، يعود الأول إلى الغيرة، خصوصا إذا شعر الزوج بأن زوجته متفوّقة في الجانب التعليمي أو أعلى منه في المستوى التعليمي، والثاني يعود إلى أن الزوج قد يطلب من زوجته ترك العمل بسبب الاكتفاء المادي وأنه قادر على أن يقوم بدوره كاملا وليس بحاجة لعملها، وتذكر أيضا أن المرأة تضطر أحيانا إلى أن تترك العمل من أجل البيت والأولاد وخوفا من الطلاق؛ لأننا في مجتمع تربّى على عادات وتقاليد مُجحفة بحق المرأة المطلقة ونظرة المجتمع لها.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية