القدرات الاقتصادية للمرأة.. حقيقة يثبتها الواقع
الأزمة الإنسانية التي خلّفتها الحرب والمستمرة منذ أكثر من سبع سنوات جعلت نحو 24 مليون يمني بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية. يحدث هذا بالتزامن مع توقّف الرواتب وتدهور الوضع المعيشي وتناقص فرص العمل، وبما في ذلك ما يقارب من 10 ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة. هذا الوضع دفع بالمرأة إلى الإسهام بشكل فعلي في توفير الاحتياجات اللازمة للأسرة من خلال اجتراح فرص عمل صنعت فراقًا جوهريًا في حياة الأسرة اليمنية، ودفعها إلى النضال من أجل معيشة كريمة على الرغم من كل الظروف والصعوبات.
في هذا الصدد، ذكر تقرير للدكتورة فوزية العمّار (بالشراكة مع هانا باتشيت) أن معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في اليمن تُعدّ واحدة من أدنى المعدلات على مستوى العالم. كما تُشير البيانات المتاحة، بحسب المصدر نفسه، إلى أن النساء العاملات تضرّرن عمومًا جراء الصراع أكثر من أقرانهن من الرجال، فبالتناسب، فقدت نسبة أكبر من النساء وظائفهن، كما كانت المشاريع المملوكة للنساء من أكثر المشاريع التي تعرضت للإغلاق، إلا أنه وفي وقت لاحق، دفعت الحرب المطولة مزيدًا من النساء إلى العمل، غالبًا بسبب فقدان مصدر الدخل الناتج عن الأزمة الاقتصادية، أو فقدان الأسرة مُعيلها من الرجال.
حضور قوي
تقول فدوى نعمان مديرة إدارة سيدات الأعمال في وزارة الصناعة والتجارة: “إن المرأة اليمنية استطاعت في زمن الخرب الغاشمة الدخول إلى سوق العمل وسد الفجوة الاقتصادية التي أحدثتها الحربُ وتوقفُ الرواتب وتلاشي كثير من فرص العمل بالنسبة لأرباب ملايين الأسر اليمنية وعائليها. فانطلقت المرأة لتلبية نداء الواجب مشمرةً عن ساعديها كما هي عادتها في الريف والحضر مسهمةً بفاعلية في توفير الاحتياجات الضرورية للعائلة”.
ترى “نعمان” أن المرأة أثبتت قدرتها وجدارتها في مختلف الأعمال التي التحقت بها من صناعات صغيرة أو متناهية الصغر، سواء أكانت صاحبة عمل أم عاملة، مثل الخياطة والتطريز والأعمال اليدوية وصناعة البخور والعطور والمخبوزات، حتى بيع الخضروات والفواكه.
ولعل استمرار كثير من هذه المشاريع خلال سنوات وتطورها، خصوصا في ظلّ كل العقبات والصعوبات التي عصفت بكُبرى الشركات ورجال الأعمال ذوي الخبرة هو دليل قوي واضح، كما ترى “نعمان”، على مدى قدرة المرأة في الكفاح من أجل ذاتها وأسرتها.
وتؤكّد “فدوى” أنّ كثيرا من سيدات الأعمال تطورت أعمالهن الخاصة، فتحولت في وقت قياسي من متناهية الصغر إلى صغيرة، والواقع يقول: إنها ستتحول عما قريب إلى متوسطة، وهذا إنجاز يُحسب للمرأة بكل تأكيد.
مساهمة مستمرة
برأي الخبير الاقتصادي الدكتور كمال طميم أن دور المرأة اليمنية بالنسبة لتوفير احتياجات الأسرة ومساندة الرجل ليس بجديد، لكن الظروف الحالية وغير الإنسانية التي فرضتها الحرب دفعت بالمرأة في كثير من الأسرة للبحث عن لقمة العيش الكريمة للأسرة، فالحرب خلّفت كثيرا من الأرامل والأيتام والمطلقات اللاتي عكّرت صفو حياتهن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فأدّت بهن إلى الانفصال أو ترك البيت في أفضل الأحوال.
ولأن المرأة اليمنية قوية، لم تقف مكتوفة الأيدي، بل انطلقت إلى سوق العمل منتجةً وعاملةً وصاحبة مشروع، وقد نجحت كما يقول الواقع في إثبات ذاتها وتحقيق انتصار حقيقي لنفسها ولمجتمعها.
ويؤكد “طميم” أن الواقع والإحصائيات يفيدان أنه على الرغم من تعثر كثير من فرص العمل لأكثر من سبب، ارتفعت نسبة النساء العاملات وصاحبات المشاريع في اليمن في أكثر من مجال.
وتعزّز كلامَ الدكتور طميم سميةُ الهجري (35 عامًا) التي تشتغل في مجال الخياطة؛ إذ تقول مفعمةً بالعزيمة: “خرجتُ إلى سوق العمل بسبب الأوضاع السيئة التي جعلت أسرتي تعيش أسوأ أوضاعها”. تواصل سمية كلامها قائلة: “إنه وبسبب قلة الخبرة لم أجد غير معمل “يومن كاجول” للخياطة النسائية. وافقت صاحبته سيدة الأعمال يسري الشهاري على تدريبي، فانخرطت في التدريب والعمل في هذا المجال الذي أحببته ووجدت فيه ذاتي”، وقد تطور المعمل ليصبح علامة تجارية للملابس الجاهزة.
وترغب “سمية” في تطوير نفسها في هذا المجال، ولا تنوي في الوقت الحالي الاستقلال بعملها؛ لأن الإمكانات المادية والمهارات الإدارية لا تتوفر لديها، لكنها تنفق على أسرتها من عرق جبينها، وهذا كاف بالنسبة لها، فالعمل شرف، كما تقول سمية، ويثبت أن المرأة قادرة على أن تعول نفسها وأسرتها.
العمل هو الحياة
السيدة نبيلة (50 عامًا) أرملة وأم لثلاثة أبناء، وتعمل كذلك في المجال نفسه الذي تعمل فيه سمية، وعلى الرغم من أنها تفكر كثيرا في افتتاح مشغلها الخاص، تُحجم عن الفكرة بسبب قلة الخبرة والأوضاع السيئة وانعدام الأمان الاقتصادي. وتؤكد “نبيلة” أنها مستمرة في العمل رغم كل شيء، وهذا بحدّ ذاته إنجاز على الصعيد الشخصي، وهي فخورة بما تنجزه لنفسها وأسرتها، وستستمر حتى تحقق حلمها وتفتح مشروعها الخاص وتساعد غيرها من النساء.
وبحسب “فدوى نعمان”، تؤكّد إحصائيات وزارة الصناعة والتجارة أنه خلال العام 2019، حصلت 172 سيدة على سجل تجاري خاص بهن، فيما ارتفع هذا الرقم خلال عام 2020م إلى 200 سيدة، وهذا تأكيد آخر على قدرة نجاح المرأة وقدرتها على الاستمرار.
وتؤكد “فدوى” أن هناك كثيرا من سيدات الأعمال اليمنيات اللاتي أصبح يشار إليهن بالبنان، وينافسن في سوق الأعمال بكل جدارة واستحقاق؛ فأسماء المشرقي مثلًا بدأت بصناعة الشكولاتة هوايةً، وها هي اليوم، وبحسب ما تقول، تنافس مبيعاتها كبرى شركات صناعة الشكولاتة في اليمن، ونظير ذلك النجاح قصة صفاء صاحبة ماركة “صافي عباية”؛ إذ باتت من أشهر مصمّمات العبايات في اليمن اليوم، ولديها محل خاص يُعد ماركة مميزة في هذا المجال.
وتقول المهندسة إلهام العواضي مديرة حاضنة “ابدأ” لريادة الأعمال: “منذ افتتحت الحاضنة، أشاهد كثيرا من قصص النجاح المبهرة لسيدات الأعمال اللاتي بدأن من الصفر”، وتؤكد “العواضي” أن انتشار حاضنات الأعمال الخاصة بالنساء دليل كبير على رغبة النساء بإثبات جدارتهن في المجال الاقتصادي.
تجارب ملهمة
تعمل المرأة اليمنية اليوم في مجالات عدة كانت حكرًا على الرجال، وذلك هو الحال مع مناهل الهجري (25عامًا) التي تعمل في مجال يُعدّ من المجالات التي ينظر المجتمع اليمني للعاملات فيه شزرًا؛ إذ تعمل مندوبة مبيعات، وعلى الرغم من أنه مجال غير التخصص الذي درسته في الجامعة وحلمت أن تعمل به، تجد نفسها مجبرة على مساعدة والدها المريض والإسهام في توفير احتياجات الأسرة الضرورية.
وتضيف مناهل: “لن يعطيك أحد لقمة تسد بها رمقك أو قطعة قماش تستر بها عورتك، لكنه لن يتورع عن اتهامك ظلمًا وبهتانًا بأبشع الكلمات من دون أن يؤنبه ضميره”. وتواصل كلامها: “لن أهتم لكلام أحد. سأعمل وسأمضي في طريقي إلى أن أحقق ذاتي في مشروع يشبهني ويليق بطموحي. ولا ضير في أن أجرب أي عمل شريف؛ فالعمل عبادة والمرأة صنو الرجل لا فرق بينهما”.
يسرى مهدي (30 عامًا) متزوجة ولديها أطفال، وتعمل في تصميم الأزياء. إنه المجال الذي أحبته منذ البداية وطمحت للعمل فيه، وتسعى “يسرى” للإسهام بقوة في توفير حياة كريمة لها ولأسرتها؛ فالجميع يجب أن يعمل، كما ترى، في ظل هذه الأوضاع الصعبة.
وتعتبر “يسرى” أن ضعف الإمكانات الفنية والمالية ستؤخرها قليلًا، لكنها لن تتوقف حتى تكون دار الأزياء التي حلمت بها حقيقةً ماثلة، وإلى ذلك الوقت، ستبذل كل ما أوتيت من قوة ومثابرة للتدرب والتطوير والانتقال من خطوة لأخرى أكبر.
رغم كل الظروف، تظلّ المرأة اليمنية تكافح من أجل إثبات ذاتها وتحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه نفسها وأسرتها ووطنها، والأرقام والإحصائيات تثبت أن عدد النساء العاملات في تزايد مستمر، وأنها قادرة على القيام بالوجبات الاقتصادية للأسرة.