في اليمن| قيادة المرأة للسيارة قد تفتح لها أبواب التحرش
اختارت أن تقود سيارتها الخاصة بعد سنوات من الاعتماد على وسائل النقل العامة، لم تكن تتوقع أن تبدأ حياتها اليومية بمواجهة التحرش والتعليقات الجارحة بمجرد جلوسها خلف عجلة القيادة، تقول نادية (اسم مستعار)، 30 عامًا، امرأة مستقلة تعيش في العاصمة صنعاء. “كل يوم، وأنا في طريقي إلى العمل أو العودة إلى المنزل، أواجه مواقف صادمة من بعض الرجال الذين يلقون نظرات غير لائقة أو يصرخون بألفاظ مسيئة، في البداية كان الأمر مفاجئًا لي، لكن مع مرور الوقت، أصبح جزءًا من روتيني اليومي، وهو أمر مؤلم جدًا”.
تحكي نادية عن تجربتها، التي تُعتبر نموذجًا للعديد من النساء اللواتي يخترن قيادة سياراتهن في مجتمعات لا تزال تعتبر ذلك خروجًا عن المألوف. فالتحرش -سواء كان لفظيًا أو جسديًا- يعد واقعًا مريرًا تتعرض له العديد من النساء اللواتي يقررن كسر قيود التقاليد بالجلوس خلف عجلة القيادة.
تحرش متعدد الأوجه
مريم، 27 عامًا، التي تسكن في مديرية خور مسكر بعدن، تقول: “عندما بدأت قيادة السيارة، كنت أشعر بالفخر لأنني أصبحت قادرة على التنقل بحرية، لكن سرعان ما تغيرت مشاعري عندما بدأت أواجه تحرشات يومية. ليس فقط من سائقي السيارات الأخرى، بل حتى من المارة الذين يتعمدون النظر إليَّ أو التحدث إليَّ بألفاظ غير لائقة، وأذكر أنني فوجئت -ذات مرة- برجل يوقف سيارته بجانب سيارتي في شارع مزدحم، ويبدأ في التحدث إليَّ بشكل غير لائق، حتى أنه حاول ملامسة نافذة سيارتي. لم أكن أعرف كيف أتصرف، كان الأمر مرعبًا للغاية”.
ما يميز هذه التجربة المؤلمة للنساء اللواتي يقدن السيارات هو غياب الوعي الاجتماعي حول حقوق المرأة في الفضاء العام. فالكثير من الرجال في المجتمعات التقليدية ينظرون إلى قيادة المرأة للسيارة كعمل يتنافى مع “الهيبة” أو “المكانة” التي يجب أن تحظى بها المرأة في المجتمع. ولأن المرأة تعتبر في بعض الأحيان “ملكًا” أو “أرضًا خاصة” يجب ألا يتم مساسها، يشعر البعض بأنهم يمتلكون الحق في إبداء آرائهم أو التحرش بها لمجرد أنها تحدت هذه المعايير.
يقول أحمد سعيد، باحث متخصص في الشؤون الاجتماعية: “التحرش في هذه الحالات غالبًا ما يكون انعكاسًا للثقافة السائدة في المجتمع، والتي ترى في النساء أقل شأنًا من الرجال. التحرش هو طريقة غير مباشرة من بعض الأفراد للتعبير عن رفضهم لفكرة النساء في أماكن قد يعتبرونها حكرًا عليهم”.
أثارت هذه الظاهرة القلق لدى العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة. فالكثير من النساء يعتبرن أن التحرش الذي يتعرضن له أثناء القيادة ليس مجرد تهديد لسلامتهن الجسدية، بل هو أيضًا هجوم على حريتهن الشخصية وحقهن في التنقل بحرية مثل الرجال. تقول فاطمة عبد الله، ناشطة حقوقية في مدينة المكلا،: “لا يمكننا الحديث عن المساواة أو تقدم المجتمع ما دام التحرش يعطل حياة المرأة ويدفعها إلى التراجع عن حقها في الاستقلال. المرأة يجب أن تكون حرة في استخدام وسائل النقل دون خوف أو إزعاج”.
التغيرات الاجتماعية: تحديات وفرص
تجربة التحرش التي تتعرض لها النساء اللواتي يقُدن السيارات هي نتيجة مباشرة لتحديات اجتماعية وثقافية لا تزال قائمة في العديد من المجتمعات. لكن في الوقت ذاته، يمكن أن تكون هذه التحديات فرصًا لتغيير المفاهيم السائدة. فعندما تُظهر النساء أنهن قادرات على القيادة وأنهن يستحقن الاحترام في الأماكن العامة، يمكن أن تساهم هذه الأفعال في تحدي التقاليد البالية وتوسيع نطاق حقوق المرأة.
مؤخرًا، بدأت بعض المبادرات المحلية والدولية تدعو إلى توعية المجتمع حول خطورة التحرش وضرورة احترام خصوصية المرأة في الأماكن العامة. واحدة من هذه المبادرات مبادرة “تكلمي نحن معش” التي تفذتها مؤسسة مدارات الثقافية بمدينة المكلا، هذه المبادرات -ومثلها كثير- تهدف إلى تعزيز ثقافة الاحترام والمساواة بين الجنسين، وتشجيع النساء على ممارسة حقوقهن دون خوف أو مضايقة، وأكثر من ذلك، التعبير عن نفسها دون خوف أو مواربة.
الطريق إلى التغيير
التحرش بالنساء اللواتي يقُدن السيارات هو أحد مظاهر العنف الاجتماعي الذي لا يمكن السكوت عنه. إن المرأة تستحق أن تكون حرة في التنقل دون أن تُعتبر هدفًا للتعليقات المسيئة أو التحرش. وفي الوقت الذي تكافح فيه النساء من أجل الحصول على حقوقهن الأساسية في المجتمع، يجب أن نتكاتف جميعًا من أجل إنشاء بيئة آمنة وداعمة، تشجع المرأة على التقدم وتمنحها الثقة في نفسها.
إن التغيير يبدأ من كل فرد في المجتمع، وينبغي أن يكون لدينا الوعي الكافي لمكافحة هذه الظاهرة والوقوف ضدها بكل قوة، لأن حق المرأة في قيادة السيارة ليس مجرد حق في التنقل، بل هو حق في الحرية والكرامة.