عاملات النظافة في تعز | تمييز في الأجور واحتقار من المجتمع!
“مع الأسف، البعض لا يُقدِّرون ما نقوم به من جهد وتضحية لأجل أن نبقي على جماليات المظهر العام في المدرسة، فتجد الطلاب يرمون مخلفاتهم على الأرض مع أن برميل القمامة لا يبعد عنهم متراً واحداً!. وعندما تسألهم عن السبب يكون الرد من قبل بعض الطلاب جارحًا وقاسيا، فبعضهم يقول هذا عملك وأنتِ تعملين بفلوس”. هكذا تتحدث آمنة محمد عاملة نظافة في مدرسة باكثير في تعز.
معاناة اقتصادية واجتماعية شديدة، هكذا يبدو حال عمال النظافة في مدينة تعز وعلى وجه الخصوص النساء، بعد أن وضعهم المجتمع في أدنى مراتب السلم الاجتماعي، مع أن عملهم النبيل في تلميع وتنظيف الأماكن العامة والمخلفات الذي يرميها الآخرون، إلا أنهم لا يجدون سوى الاحتقار، علاوةً على الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية .
ليست المعاناة المادية هي الأبرز لدى عاملات النظافة؛ فثمة معاناة معنوية مليئة بالتمييز الاجتماعي والعنصرية تحطم معنويات تلك العاملات.
تتقاضى آمنة مقابل عملها 40 ألف ريال يمني، بما يعادل (30 $) وهو مبلغ زهيد أمام الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد ؛لكونها متعاقدة مع المدرسة وليست موظفة حكومية .
و تواصل حديثها “أحيانًا لا أشعر بآدميتي، حتى في المجالس النسوية البعيدة عن المدرسة لا تكون النظرة إليّ إلا بوصفي عاملة نظافة، وحاجتي إلى لقمة العيش الحلال هي من تجعلني أستمر في هذه المهنة”.
حال آمنة مثل حال الكثير من عاملات النظافة التي أجبرتهن الظروف على العمل في هذه الوظيفة التي مع أهميتها الكبيرة للمجتمع؛ إلا أنه يحتقر العاملات فيها اللواتي لولا نشاطهن لغرقت الأماكن بالأوساخ التي نصنعها نحن.
نظرة دنيوية
“أنت إلا مكنسة” هذه العبارة وحدها تتردد دائما على مسامع عاملة النظافة (مياسة) أينما ذهبت، تقول مياسة: “منذ أن بدأت عملي مُنظِّفةً في مدرسة تغيرت نظرة أغلب صديقاتي لي، وأصبحن ينظرن إليَّ باحتقار وينفرن من وجودي بينهن في المجالس”.
تقول الدكتورة ذكرى العريقي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز: “يتم التعامل مع عاملات النظافة من قبل الناس على أنهن من مستوى أقل من مستواهم، وقد يصل البعض إلى التعدي اللفظي عليهن؛ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سوء أخلاق الطرف الآخر وانعدام الإنسانية.
وتضيف: “الحرب زادت من الطبقية ونظرة الاستعلاء في اليمن، للأسف هناك ثغرة بالتفكير، وخاصة في بلادنا يتم التعامل مع عاملات النظافة باستحقار كبير. لا يوجد تقدير لا للذات ولا للمهنة”. وتؤكد “أن ثمة مأساة حقيقية تعاني منها عاملات النظافة؛ سواءً بالحقوق أو بالمعاملة وحتى نظرة المجتمع لهم باتت تخاطبهم وكأنهم خلقوا لهذا الشيء”.
وعن جذور هذه النظرة والتميز الاجتماعي تجاه عاملات النظافة، يرى الدكتور محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز ، أن المسألة متراكمة، حيث تتعلق بثقافة موروثة في المجتمع اليمني الذي يتميز بنوع من التعالي خصوصاً في المجتمع القبلي ودومًا ما نلمسه في التنشئة الاجتماعية، و أن من بين العوامل التي تجعل عاملات النظافة محتقرات في اليمن الجهل والتخلف، ومن ثّمَّ الأجور المتدنية لهذه الوظيفة الشريفة”.
ويضيف البكاري “بشكل عام عار أن تأخذ عاملات النظافة أجراً لا يكفيها للعيش الكريم، مع أنها وظيفة مهمة في حياتنا البيئية، ولولا عمال النظافة لكانت النتيجة كارثية على الإنسان وصحته”.
تمييز بين الأجور
هناك فجوة كبيرة بين أجور النساء و الرجال في قطاع النظافة والتحسين حيث تتقاضى المرأة العاملة في قطاع النظافة 50 الف ريال يمني، بما يعادل ( 35 $) دولار أمريكي بينما يتقاضى الرجال 60 ألف ريال يمني، بما يعادل (40 $) مع أن المهام متساوية بين الرجال والنساء، فهن يعملن لساعات طويلة خلال النهار بين حرارة الشمس نهارا والبرد القارس في ساعات الصباح الباكر.
تشتكي زهرة الأصابي، وهي أحد عاملات النظافة في مدينة تعز من التمييز بين راتب العاملات مقارنة برواتب الرجال وفي حديثها تقول “نحن نقوم بأعمال تضاهي أعمال الرجال بينما رواتبنا قليلة، وأيضاً لا نتلقَّى أي علاوات بينما نظرائنا بالعمل يحصلون على هذه العلاوات وهذا ما يؤثر على عملنا و قدرتنا في العمل ويرجع السبب الى الفجوة المتواجدة بين مستحقاتنا”.
يصل عدد عاملات النظافة في مدينة تعز إلى 115 عاملة، بحسب البيانات التي حصلنا عليها من صندوق النظافة في المدينة .
وعن الفجوة المتواجدة بين الرجال و النساء تقول الدكتورة افتهان الشميري، مديرة صندوق النظافة في مدينة تعز: “توجد فجوة وسببها التسلط الذكوري، وهذا سائد في جميع الأوساط العاملة، وكذلك حصول الرجال على فرص أكثر في العمل والإضافي وهذا يسهم في زيادة علاواتهم ومرتباتهم ولكن هذا الأمر سيتم معالجته”.
وتضيف “سيكون من أولى اهتماماتي تمكين النساء والقضاء على هذه الفجوة بين القطاعين؛ كوني أعي دور المرأة العاملة وأهمية تمكينها بشكل استحقاقي وبالذات المرأة المهمشة كونها من الفئات المستضعفة و التي كثير ما يتم تجاهلها”.
وُتقدَّر فجوة الأجور بين الجنسين بنحو 20 % على مستوى العالم، وفقًا لتقرير أممي صادر في سبتمبر من العام الماضي، ووفقًا لبرنامج التطوير التابع للأمم المتحدة، يشكل الجهد العالمي لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات ومكافحة التمييز حجر الزاوية في خطة عام 2030، وبشكل أكثر تحديدًا، الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة”.
حتى مع التقدم الكبير الذي تم إحرازه في النهوض بحقوق المرأة ومشاركتها على قدم المساواة في سوق العمل والأنشطة الاقتصادية، إلا أن التفاوت في الدخل بين الرجل والمرأة ما يزال يمثل قضيةً بارزةً بشأن أجور العاملين من الإناث والذكور، حيث توجد فجوة واختلاف واضح من جهة، ومساواة وعدم تمييز من جهة أخرى، سواءً في القطاع العام أو الخاص.
( تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة اخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية)