اليمن | اجور النساء عنف آخر لا يسمعه أحد
تعمل اليمنية زعفران صالح من دون كلل منذ نحو 15 عاما بقطاع النظافة الصحية في مستشفيات عدن الخاصة، لكنَّ هذه الفترة الطويلة من التفاني لم تشفع لها بمساواة راتبها مع الرجل، وهي ظاهره زادات اتساعا مع غياب الرقابة على القطاع الخاص في بلد تحظر قوانينه التمييز على أساس الجنس.
وتنص المادة (42) من قانون العمل اليمني لعام 1995، أن تتساوى المرأة مع الرجل في جميع شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته من دون أيِّ تمييز.
ووفق القانون، يجب تحقيق التَّكافؤ بين المرأة والرجل في الترقيات والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية، فيما تحدد المادة (43) فترة عمل المرأة اليومية بخمس ساعات للحامل والمرضع حتى نهاية الشهر السادس، وإجازة أمومة لمدة 60 يومًا بأجر كامل.
•مبررات ومعاناة
تحت اسم مستعار، تقول زعفران البالغة 50 عاما، إنَّها تتقاضي شهريًّا 40 ألف ريال (تعادل 35 دولارا)، مقابل عملها في التنظيف إلى جوار رجل يتلقى راتبًا أكثر منها على الرغم من عملهما ست ساعات يوميًّا، مشيرة إلى أَنَّها هددت بالطرد من العمل عقابا لتأخرها النادر عن الدوام المحدد، اذ لا تمتلك عقد عمل يضمن حقوقها وأطفالها السبعة.
وقالت بنبرة حزن: “مطالباتي برفع راتبي لم تلق أذان صاغية من إدارة المُسْتشفى، حيث لم يعد الراتب يكفي بسبب الارتفاع الجنوني للمواد الغذائيَّة”.
اضافت: “عند اصرارنا على مطالب مساواة الأجر يبررون ذلك بأنَّ الرجل يعمل أكثر من المرأة”.
لا تختلف سحر عبد اللَّه (28 عاما) كثيرًا عن زعفران، إذ تقبض مستحقات تصل إلى نصف ما يحصل عليها زميلها، بينما تفتقد لأبسط حقوقها داخل المختبر الطبي الذي تعمل فيه منذ سنوات في العاصمة صنعاء.
•نصف راتب الرجل
تقول “سحر” إنَّ أغلب المختبرات الطبية فيها راتب المرأة أقل من الرجل بسبب أنَّ المرأة تقبل بأي أجر، وفي حال طالبت بالخروج يوافق على ذلك فورا لأنَّهم سيأتون بأخرى أقل منها أجرا.
وتشير سحر إلى أَنَّها تحصل على خمسين ألف ريال، بينما تحصل زميلاتها على 56 ألفا، مقارنة بالرجال العاملين في المكان نفسه الذين يقبضون أكثر من ضعف مستحقاتهم.
وقبلت عفاف مقبل (21 عاما) العمل بأجر زهيد يصل إلى سبع مئة وخمسين ريال باليوم الواحد في إحدى المولات التجارية بصنعاء، حتى تتمكن من إِعالة طفلتها بعدما طلقها زوجها ووفاة ولديها لتجد نفسها من دون مسكن.
تقُول بحزن عميق إنَّ أمها وأباها تُوفِّيا من فترة قريبة، بعدها طلقها زوجها، لكنَّها ذهبت لتسكن مع شقيقتها.
تضيف: “كان علي أن أخرج لأبحث عن شغل يؤمن الطعام لي ولطفلتي، ولعدم إكمال دراستي لم أجد سوى العمل في المتجر”.
•عمل دون عقود
يمنح قانون العمل المرأة العاملة حقوقها كاملة، حيث يعتمد الحد الأدنى للأجر عشرين ألف ريال للجنسين، لكن أرباب العمل يستغلون الظُّروف المعيشية الصّعبة التي تمر بها البلد، وضعف الوعي القانوني لدى العاملين بحقوقهم، فضلًا عن توظيفهم من دون عقود عمل تحمى حقوقهم، وفق فاطمة يسلم مديرة إدارة تنمية المرأة العاملة في مكتب العمل بعدن.
تقول فاطمة: “نواجه كثيرا من التمييز ضد المرأة العاملة في حصتها بالتوظيف بالقطاع الخاص، حيث يسعى مكتب العمل حاليًا إلى وضع آلية لتمكين الموظفين من حقوقهم وإلزام القطاع الخاص بتوقيع عقود العمل والتأمين عليهم، بما في ذلك فرض غرامات على المرافق غير الملتزمة بالبطاقة التأمينية للعاملين.
وتضيف أنَّ كثيرا من النساء بدأن برفع شكاوٍ للجهات المتخصصة لاستعادة حقوقهن ضد الفصل التعسفي وتعويضات إصابة العمل، في وقت ذهب المكتب لإِلزام المنشآت باتباع الإجراءات القانونية وإِبرام العقود التي تجبر الطرفين ببنود يتم التوقيع عليها من قبل إدارة منازعات العمل التابعة له.
ولا تخفي المسؤولة الحكومية الصعوبات التي تواجههم بينها ارتفاع الوقود، لكنَّهم يعملون بالإمكانيات المتاحة من خلال نزول فرق تفتيش ميدانية للمنشآت لتفقد أوضاع العمال والعاملات ومدى التزام الجهات بتنفيذ هذه القوانين، في حين تفرض غرامة مالية على كل تجاوز وفق اللوائح النافذة.
وتُؤكِّد أنَّه لا يوجد بيانات بعدد النساء العاملات في القطاع الخاص، في وقت يعمل المكتب حاليًا على وضع قاعدة بيانات خاصة بالمرأة، وتنفيذ نزول ميداني لتفقد أوضاعهن ووضع المعالجات، فضلًا عن عقد ورش عمل بالتنسيق مع المنظمات لبحث التحديات التي تعيق تقدمها وفرص حصولها على العمل.
•أشكال التمييز
وتوضّح الخبيرة في النوع الاجتماعي والرئيس التنفيذي لمؤسسة “وجود” للأمن الإنساني مها عوض أشكالا عديدة للتمييز في الأجور بين الجنسين حتى تؤكَّد ظهور فوارق وتمييز بالمستحقات المتعلقة بالحوافز والمكافآت في القطاع الحكومي الذي يفرض فرص متساوية بشأن الرواتب الثابتة.
وتقول “عوض” إنَّ المرأة تحرم من فرص التّرقي الوظيفي، يضاف إلى ذلك أن الموظفات يتلقين تمييزا في فترات إجازة الولادة، مقابل فجوة عميقة يحدثها القطاع الخاص في المستحقات بين الجنسين.
وتشير إلى أَنَّه يجب تعديل القوانين ووضع لوائح وإجراءات إلزامية بالمساواة بين الجنسين في الأجور وجميع المواضيع المرتبطة بالعمل وتفعيل الدور الرقابي لتطبيق القوانين، لكنَّها في نفس الوقت تبدَّد تلك التدخلات المتواضعة للجهات الحكومية في هذا السياق التي تعتبرها عوض “آنية ومؤقتة ولا توفر الاستدامة”.
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإِنَّ من بين أربعة مليون يمني نازح هناك نحو 73% منهُم نساء وأطفال، مقابل 30% من هؤلاء النساء أصبحن مسؤولات أو ربات أسر من إجمالي عدد العائلات النازحة مقارنة بـ 9% قبل تصاعد النزاع في البلد العربي المنكوب عام 2015.