خطر يُهدد القاصرات المتزوجات في اليمن
ترقد سحر (اسم مستعار) في إحدى مستشفيات صنعاء بعد تعرّضها لمضاعفات الحمل المبكر، وهو ما جعلها طريحة الفراش من دون أدنى حركة، ورغم نصيحة الدكتورة المختصة بإنزال الجنين ذي الشهر الخامس من بطنها، رفض زوجها الواقف على عتبة الباب رفضًا تامًا، وقد أصر الأطباء على إنزال الجنين، نظرًا لما قد يتسبب ذلك الحمل من مضاعفات خطيرة على صحة سحر.
تزوّجت سحر في الثالثة عشر من عمرها، ولم تكن تُدرك وقتها معنى الزواج؛ إذ كانت ما تزال طفلة تحلم بإنهاء المدرسة ثم الجامعة، إلا أن عادات وتقاليد ورغبة أهلها بتزويجها وقفت ضدّها. تقول سحر إنها في البداية لم تكن تدرك معنى الزواج؛ إذ جاء القرار من دون علمها أو حتى أخذ رأيها، ثم تحوّلت حياتها من طفلة تلهو وتلعب في أزقة القرية إلى امرأة يجب أن تحتشم وتعتني ببيتها وزوجها.
وحتى الآن لم يتجاوز عمر سحر الخامسة عشر من العمر، إلا أن ملامحها تُظهر عكس ذلك تمامًا، فقد أصبحت تبدو أكبر من عمرها بكثير، وتوضح سحر في حديثها أن الزواج حرمها من طفولتها من قبل، وبات الآن يُهدد حياتها كليّا.
آثار صحية
مرّت حياة سحر الزوجية بكثير من المتاعب والصعوبات التي أصبحت تُشكل هاجسًا مخيفًا بالنسبة لها؛ إذ انتقلت بعد زواجها بفترة بسيطة مع زوجها من القرية إلى صنعاء، وأصبحت بعيدة عن أهلها، وهذا ما جعلها تتحمل كثيرا من الأعباء المنزلية والتوبيخ من زوجها وأهله بشكل متكرّر. وتُشير سحر إلى أن الحياة أصبحت أكثر جحيمًا بالنسبة لها وهي ترقد في المستشفى بسبب الحمل، وتصف وضعها بالكارثي.
في ذات الصدد، تقول الدكتورة سلوى الغميري، عميدة كلية الطب في جامعة 21 سبتمبر، إن الحمل المبكر يحمل كثيرا من المخاطر الصحية والنفسية للفتيات، كما أنه قد يكون سببا في وفاة كثير من الفتيات؛ إذ تتجاوز المخاطر الصحية على الفتيات الحوامل حوالي 60%، ناهيك عن مخاطر أخرى قد ترافق الأم الحامل والطفل بعد الولادة. وتُشير الغميري إلى أن النزيف المستمر قد يرافق كثيرا من الفتيات بعد الحمل، ويتسبب في نقص وزن الطفل الذي قد يكون مؤشرًا على إصابة الطفل بأمراض كثيرة، منها سوء التغذية وغيرها.
وبالإضافة إلى الآلام المستمرة وصعوبة الحمل على الفتيات الصغيرات، يبقى خطر الموت بسبب المضاعفات هو الخطر الأكبر، وتضيف الدكتورة الغميري في حديثها أن عمليات الإجهاض التي يستخدمها البعض حلّا من أجل الحدّ مما قد يصيب الفتيات الحوامل يحمل في نفسه مخاطر كثيرة، وقد يتسبب أيضا بمخاطر أخرى على الأم الحامل بسبب سنها غير المناسب للحمل أصلا، وترى الغميري أن الأفضل هو أن لا يُسمح للفتيات بالحمل دون سن الـ20 عامًا.
من جانب آخر، تقول الدكتورة انتظار الشيباني، طبيبة مناوبة في قسم الولادة بمستشفى الجمهوري بصنعاء، إن أغلب حالات الولادة المتعسّرة التي تصل إلى المستشفى تكون لفتيات دون سن الـ20 عاما، كما تؤكد أن هناك حالات كثيرة تدخل بمضاعفات الولادة وتصل في الغالب إلى موت الأم أو موت الطفل.
آثار نفسية
أسهمت الحرب الحاصلة في اليمن منذُ مارس/آذار من عام 2015، في زيادة مخاطر النساء بشكلٍ عام، كما زادت بشكل كبير من زواج الفتيات القاصرات، ويعود ذلك إلى تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، وتدني مستوى الوعي بما قد يخلفه زواج القاصرات من مخاطر كثيرة على الفتيات والنساء بشكلٍ عام، كما أن الحرب جعلت اليمن واحدة من أسوأ البلدان للنساء والفتيات في العالم، بحسب توصيف منظمات دولية.
ولا يقتصر حجم الأذى الذي يخلّفه زواج القاصرات على الجانب الجسدي، بل يطال في أحيان كثيرة الجانب النفسي، وهو الأكثر خطرًا، وذلك لما قد يخلفه من أذى يرافق بعضهن إلى سنوات طويلة.
ومن حكايات زواج القصر زواجُ أمنية صالح وهي في عمر الثانية عشر من عمرها، وقد استمرّ الزواج خمس سنوات إلى أن وقع الطلاق بعد إنجابها طفليين. تقول أمنية إن والدها أجبرها على الزواج، وإنها في البداية لم تكن تعي معنى الزواج، لكنها حاولت التأقلم مع الوضع بشتى السبل ولم تستطع. لا تزال تتذكر حتى الآن لحظاتها الأولى عند انتقالها إلى منزل زوجها من دون وعيٍ منها أو إدراك لما ستُقبل عليه في اليوم نفسه، وتصف دُخلتها بأكبر صدمة تعرضت لها في حياتها.
وتضيف أمنية في حديثها أنها تعرّضت لكثير من الصدمات النفسية في حياتها الزوجية بعد تلك الصدمة، وهو ما جعلها تدخل في حالات اضطراب نفسي كبير، وصولًا إلى إصابتها بحالة اكتئاب حاد بسبب عدم تقبّلها الوضع الذي كانت فيه، وهو ما جعل زوجها يطلّقها بكل سهولة ويرميها عند أهلها مع طفليها، ويذهب للزواج بأخرى.
تُشير أمنية إلى أن أسرتها لم تتقبل وضعها بعد أن أصبحت مُطلّقة، ورمت عليها كل أعباء المنزل بوصفه نوعًا من العقاب، من دون أدنى مراعاة لما تمرّ به من حالة نفسية سيئة. لم تستمر معهم كثيرًا، وانتقلت مع طفليها إلى منزل أختها في صنعاء قبل عام، ومنذ ذلك الحين لا تزال أمنية تزور طبيبًا نفسيًا باستمرار.
تتعرّض القاصرات المتزوجات لعدد من الصدمات النفسية لأسباب عدة. يقول صخر طه، طبيب مختص في الجانب النفسي، إن الفتيات المتزوجات أكثر عرضة للإصابة بكثير من الأمراض النفسية، منها الاكتئاب واضطرابات ثنائي القطب والوسواس القهري وفصام الشخصية، وتأتي الإصابة بهذه الأمراض نتيجة عدد من الممارسات التي تتعرض لها هؤلاء الفتيات، بداية بإجبار الفتاة على الزواج وإجبارها على ممارسة الجنس والاضطهاد والتعنيف الذي تتعرض له، بالإضافة إلى التحوّل الجذري الذي يحدث في حياة الفتاة بشكل مفاجئ وغير متوقّع، وهو ما يحدث عندها بداية الصدمة، ثم تأتي مرحلة معايشة الصدمة في أثناء الزوج، وبعد فترة تتطور الحالة، وتصل إلى مرحلة استيعاب الصدمة، وهي مرحلة متطورة وخطيرة قد تؤدي إلى أن تؤذي الفتاة نفسها.
أرقام مخيفة
لا توجد إحصائيات رسمية بعدد القاصرات اللواتي يقبلن أو يُرغمن على الزواج في اليمن، بسبب تعمّد الجهات الرسمية إخفاء الأرقام الحقيقية لأسباب غير معروفة، ورغم ذلك، كشف تحقيق استقصائي نشره موقع “إندبندنت عربية” إلى أن أكثر من 14% من الفتيات يتزوجن تحت سن الـ15 عاما، وأكثر من 52% من الفتيات يتزوجن قبل بلوغ سن الـ18 عاما في اليمن، وهذه إحصائيات تقديرية، ويُشير الواقع إلى أن هناك أرقاما قد تكون أكثر منها بكثير.
ومنذ بداية الحرب زاد زواج القاصرات بشكل كبير، وأصبحت اليمن من ضمن البلدان الأكثر تزويجًا للقاصرات في العالم، بحسب تصنيفات أممية. ووفقا للبيان الذي أصدرته، مجموعة عمل تابعة لمجلس الأمن الدولي، يظل استمرار الحرب في اليمن أحد الدوافع الرئيسة التي تُسهم في ارتفاع أعداد زواج الأطفال، وتصف “يونيسف” أي زواج قبل عمر الـ18 عاما على أنه انتهاك لحقوق الإنسان.
قوانين متعثرة
يُعدّ القانون اليمني من القوانين التي تُجيز زواج القاصرات، فالمادة (15) من قانون الأحوال الشخصية في اليمن تجيز زواج أي شخص يتجاوز عمره الـ15 عاما، وهو ما يعدّه كثير إجازة قانونية لزواج القاصرات، وإلى جوار ذلك، يجيز الموروث الديني والتقاليد أيضا زواج الأطفال، وكانت اليمن قد حدّدت سنًا أدنى لزواج الفتيات في يناير كانون الأول من عام 2015، بشرط أن لا يقل عن الـ18 عاما لأي فتاة، عقب ضغوطات من جهات إعلامية ومنظمات مهتمة بهذا الجانب، وقد أُقرّ ضمن دستور اليمن المتفق عليه في تلك الفترة، غير أن اشتعال الحرب في اليمن منع فرض تطبيق هذا التشريع مع تعطيل الدستور.
من جانب آخر، يرى المحامي عبد الحكيم الدبعي أنه يجب إعادة النظر في القانون الخاص بالزواج بشكل أعمق وإعادة صياغته، كما يؤكّد على ضرورة التعامل مع هذه الأشياء بشكل حازم وإلزام الجهات المعنية بأمور الزواج بتطبيقه بشكل صحيح، ويُشير الدبعي إلى ضرورة حصر أمور العقد والزواج على جهات معنية حكومية من أجل ضبطها بشكل أفضل، وأن يُمنع رجال الدين وبعض عقال الحارات من التدخّل بهذا الخصوص من أجل سير الأمور القانونية بشكل واضح أمام الجميع ويُحاسب كل من لم يلتزم به.