مواد غرفة أخبار الجندر

20
نوفمبر

مأساة القاصرات في اليمن | صغر السن لا يحميهن من الزواج القسري

 لطفي عبيد

“لم أكن أفهم لماذا يجب عليّ الزواج في هذا العمر. كانوا يرون أن زواجي سيساعد العائلة ماليًا، لكنني شعرت أنني مجرد سلعة يتم بيعها”. هذا هو الواقع المؤلم الذي تعيشه العديد من الفتيات في اليمن، حيث يُجبرن على الزواج في سن مبكرة بسبب ضغوط اقتصادية واجتماعية، ومن بين تلكم الفتيات تحاول آية (اسم مستعار)، البالغة من العمر 16 عامًا من مديرية كريتر بعدن، أن تجد مخرجًا من هذا الزواج الذي فرض عليها رغم صغر سنهان لكونها نشأت في أسرة فقيرة، حيث كان والدها يبحث عن أي فرصة لتحسين وضع العائلة المالي، وفي نظره، كان الزواج.

الفقر والضغوط الاجتماعية وراء زواج القاصرات

في العديد من الأسر اليمنية، يُعتبر الزواج المبكر حلاً اقتصاديًا للضائقة المالية، إذ يتم تزويج الفتاة الصغيرة إلى رجل أكبر سنًا مقابل مهر مالي يخفف العبء على الأسرة. تقول مروة (17 عامًا) تعيش في منقطة تربة ذبحان بتعز: “كان والدي يقول إنني إذا تزوجت، سيكون ذلك أفضل لنا من الناحية المالية. كان المهر الذي سيحصل عليه يُعتبر مصدر دخل يساعدنا في تغطية احتياجاتنا”. هذا التفكير نابع من ثقافة ترى في زواج الفتاة “علاجًا” للمشاكل الاقتصادية، حيث يُستغل الفقر لتسريع اتخاذ قرارات حاسمة قد تؤثر بشكل دائم على

العادات والتقاليد وأثرها في فرض الزواج المبكر

تؤثر العادات والتقاليد بشكل كبير في تشجيع زواج القاصرات، حيث يُنظر إلى الفتاة في بعض المناطق على أنها عبء على العائلة ما لم تتزوج. فاطمة (15 عامًا) من مدينة قصيعر بحضرموت وهي إحدى الفتيات اللاتي تم تزويجهن في سن مبكرة، تقول: “منذ أن كنت في سن 12 عامًا، بدأ الكبار في العائلة يتحدثون عن الزواج. لم يكن لدي خيار في هذا الموضوع. كان الجميع يعتقد أن الزواج هو مصيري الطبيعي”. وبالإضافة إلى الفقر، فإن بعض الأسر تتبع تقاليد قديمة تجعل من الزواج المبكر أمرًا واجبًا، بغض النظر عن الآثار النفسية والاجتماعية التي قد تلحق بالفتاة.

تأثير زواج القاصرات على حياة الفتيات

زواج الفتيات القاصرات يترك آثارًا نفسية واجتماعية طويلة الأمد، حيث يحرمن من فرصة التعليم والنمو بشكل سليم. تقول مها (18 عامًا)، التي تزوجت في سن مبكرة في صعدة: “لم أتمكن من إكمال دراستي بعد الزواج، وصرت مسؤولة عن أسرة بينما كنت لا أزال في حاجة إلى تعلم الكثير عن الحياة”. بالإضافة إلى التأثيرات النفسية، يترتب على الزواج المبكر مشاكل صحية كبيرة نتيجة للإنجاب في سن صغيرة، مما يعرض الفتيات لخطر مضاعفات الحمل والولادة.

الوعي القانوني والمجتمعي حول زواج القاصرات

رغم وجود قوانين في اليمن تحظر زواج القاصرات، إلا أن تنفيذ هذه القوانين يبقى ضعيفًا بسبب التقاليد السائدة والضعف في الوعي الاجتماعي. تقول الناشطة الحقوقية ريم سعيد: “الكثير من الأسر لا يدركون تمامًا أن زواج الفتاة في سن مبكرة يمكن أن يكون له آثار سلبية كبيرة على حياتها. يجب أن يتضافر الجهد من الجهات القانونية والاجتماعية لتوعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة”. هناك حاجة ملحة لتحسين الوعي وتفعيل القوانين التي تحظر زواج القاصرات بشكل حازم.

الضغوط الاقتصادية وكيفية معالجتها

الضغوط الاقتصادية هي العامل الرئيسي الذي يدفع العديد من الأسر إلى تزويج بناتهم القاصرات، ويجب على الحكومة والمجتمع المدني البحث عن حلول بديلة تساعد هذه الأسر على مواجهة التحديات المالية دون اللجوء إلى هذه الممارسات. تقول اشتياق (19 عامًا) من محافظة المحويت: “لقد شعرت في البداية بالضغط عندما تزوجت بسبب المال، لكنني الآن أدركت أن الحلول الأخرى موجودة. إذا كانت الأسر تتمكن من الحصول على الدعم المالي، فربما يمكن أن تتغير هذه الممارسات”. هذا يتطلب توفير برامج لدعم الأسر الفقيرة وتعزيز فرص العمل للفتيات لتوفير استقلالية مالية، وبالتالي تقليل الاعتماد على الزواج كحل اقتصادي.

التحرك من داخل المجتمع والأسرة

من أجل مكافحة زواج الفتيات القاصرات، يجب أن يكون التغيير جزءًا من جهود مجتمعية موسعة تبدأ من الأسرة نفسها. يقول يوسف (اسم مستعار)، أحد التربويين المحليين في صنعاء: “يجب أن يتغير التفكير في الأسرة اليمنية، وأن يدرك الآباء أن تعليم الفتيات ودعمهُن في تحقيق أحلامهن أفضل من تزويجهن في سن صغيرة”. يُعتبر التثقيف المجتمعي عن حقوق الفتاة وضرورة منحها الفرصة للتعليم والنمو الشخصي خطوة أساسية في تحقيق هذا التغيير.

ومع استمرار الحرب، يظل زواج الفتيات القاصرات في اليمن مشكلة مستمرة بسبب الفقر والضغوط الاجتماعية، مما يحرم الفتيات من فرص التعليم والنمو. ومع ذلك، يبقى الأمل في أن التغيير يبدأ من توعية المجتمع وتفعيل القوانين بشكل أكبر، إلى جانب توفير الدعم الاقتصادي للفتيات وأسرهن. من خلال هذه الجهود المشتركة، يمكن العمل على حماية حقوق الفتيات وتمكينهن من بناء مستقبل أفضل بعيدًا عن هذه الممارسات الضارة.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية