الجندر.. محاولة لفهم المعنى!!
منذ فترة طويلة تنتابني رغبة القراءة عن معنى” الجندر” هذه الكلمة التي كلما قرأتها يذهب خيالي إلى كلمة مشابهة “الجندرمة Jandarma Genel Komutanlığı ” وهي كلمة تركية تعني القيادة العامة للدرك وهو فرع للقوات المسلحة التركية يقوم بمهام متعددة. لا تشابه في المعنى بين الكلمتين.
حول معنى الجندر ينقسم الناس في اليمن إلى ثلاثة أصناف: صنف لا يُدرك معناه ولا يحاول البحث عن المعنى، وصنف يعتقد أن الكلمة لها معانٍ غير أخلاقية وأنها غزو فكري قادم من دول الغرب وهناك صنف يكتفي بالحياد ولكنه يتحدث عن المعنى من ناحية علمية ويحتفظ بموقفه الشخصي وهناك من ينظر للجندر نظرة إيجابية فيؤيد الجندر ويعدُّه انتصارًا كبيرًا لحقوق المرأة في المجتمع.
تعدُّ مقولة سيمون دي بوفوار” الأنثى تولد إنسانا ثم تصنع امرأة” هي الأساس الذي تنتمي إليه الأفكار الجندرية والحركات النسوية ويعتبر كتابها “الجنس الآخر” الصادر في عام 1949 كتاب مرجعي لكل الحركات النسوية في العالم، ويعتبر بمثابة دستورها.
في كتابها “الجنس الآخر” تتساءل بوفوار عن الأسباب التي جعلت المرأة عبر التاريخ تخضع لسيطرة الذكر وبحسب الكتاب فإن الأسباب ترجح لعوامل اجتماعية وسياسية وثقافية رسمت دوراً للمرأة في مرحلة سابقة في الحياة أصبح دورها اعتيادي فيما بعد. فالدور الاجتماعي للمرأة لا يحدده الصفات الجنسية، ذكر أو أنثى، لذا وفقا لنظرية بوفوار يجب على المرأة أن تسعى نحو التحرر من قيود الوضع الاجتماعي الذي تعيشه وأن تخرجَ من تحت سلطة الرجل وأن تعملَ على استعادة دورها الاجتماعي الخاص بها.
غير أنَّ المشكلةَ تكمن في أنّ الجميعَ يجهل أنّ الجندرَ مفهوم شامل لا يقتصر بالمرأة فقط ولكن يشمل الرجل والمرأة على حدٍ سواء وهذا من سوء فهم الكثير من الناس. وإن كانت دي بوفوار تحدثت عن العنف الموجه ضد المرأة في المجتمع فهذا لا يمنع أن يتحدث فيلسوف آخر انطلاقا من نفس النظرية على العنف الموجه ضد الرجل في المجتمع.
هناك مشكلة أخرى أكثر خطورة من سوء فهم المصطلح، وهو أنّ الذهنية العربية تحديدًا ذات تفكير جنسي، سرعان ما تذهب لمقاربة المفاهيم _أي مفاهيم _من زاوية جنسية، تذهب الذهنية العربية بعيدًا دائمًا إلى التفكير بأسوأ السيناريوهات، وهي نفس العقلية التي تنظر إلى المنتجات الغربية من زاوية مدى تأثيرها على القدرة الجنسية والإنجابية للرجل أو المرأة.
الحقيقة يمكن الاستفادة من مصطلح الجندر كشعوب نامية من خلال مجموعة من التطبيقات العملية الجندرية على سبيل المثال:
إلغاء كل أشكال التميز العنصري القائم على الجنس ذكر وأنثى، وتشجيع التعليم المختلط إلغاء نظام الفصل القسري بين الذكور والإناث في نظام المجتمع ودعم مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إضافة الى إعادة النظر في تقسيم العمل بين الرجل والمرأة فمثلاً، من المهم مشاركة الرجل المرأة في تدبير حاجيّات المنزل وتربية الأبناء، ويجب أن تأخذ المرأة مقابلا ماديًّا جراء تفرغها لمهمة الأمومة لأنها عملية ليست سهلة.
أيضا يمكن مناقشة أشكال العنف ضد الرجل وهناك كثير من المفهومات الخاطئة التي يجب إعادة النظر فيها ضمن دارسات الجندر وتطبيقاته، كما يجب منح فرصة عمل متكافئة للذكور والإناث في الحياة وإلغاء فكرة أنّ المرأة تابع الرجل وإعطائهما دورًا متساويًا.
تنوع الآراء حول مفهوم الجندر
الموضوع يثير مخاوف كثير من رجال الدين في العالم العربي الإسلامي كما أنه تعرض لانتقادات كبيرة كونه بحسب رأيهم يدعو بشكل مباشر إلى المثلية الجنسية ولذلك هو منافٍ للأخلاق والقيم والشرائع الدينية. لكن ليس علينا إقناع رجال الدين بأن نظرتهم للحياة ومشاكلها نظرة ضيقة، رجال الدين ينظرون إلى الحياة من منظور ديني وإذا نظروا غير تلك النظرة لن يكونوا رجال دين جيدين. في النهاية رجل الدين سينظر للحياة من منظوره الخاص. وعالم الطبيعة سيقدم رؤيته الخاصة. وأنت عليك أن تقدم نظرتك للحياة من موقعك الخاص. وهكذا.
في مقابل ذلك هناك الكثير من رجال القانون والنشطاء في الحقل الإنساني والدراسات الاجتماعية ينظرون إلى الجزء الممتلئ من الكأس ويعتقدون أن مفهوم الجندر هو خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة الاجتماعية بين الذكور والإناث كما يعد تأكيدًا لحقوق المرأة وخطوة هامة نحو استعادة دورها خصوصا في دول العالم الثالث حيث تواجه المرأة صعوبات كثيرة في طريق حياتها.
والحقيقة أنّ هناك مستويات للفهم حول مصطلح الجندر، إذ يمكن تكييفه حسب ثقافة المجتمع، ما يعني أنه بالإمكان تطوير مفهوم جندري يتواءم مع ثقافة أي مجتمع. فكل فكرة في الحياة مهما كان مصدرها الشرق أو الغرب تنطوي على معنًى إيجابي ومعنى سلبي كما يمكن مقاربتها من زاوية إيجابية أو زاوية سلبية فكم من أفكار تم تحريفها عن مسارها وشيطنتها رغم ما تحمله من معاني إيجابية فالمسألة ليست حاسمة فالمجتمعات لديها قدرتها على تطويع الأفكار حسب ثقافاتها الخاصة.
في إحدى ورش العمل الشبابية التي شاركت فيها طالب أحد الناشطين بعمل” جندرة” وكان يقصد إشراك الفتيات في ورشة العمل إلى جانب الذكور. هذا يدلل بأن الكلمة لها معنى مختلف حسب السياق الثقافي للبلد وأنه ليس هناك مستوى واحد لفهم الكلمة.
وكمثال آخر: مفهوم الديمقراطية في اليمن ليس كما هو بالنسبة لمعناها في الولايات المتحدة الأمريكية كذلك قوانين حقوق الإنسان المعترف بها دوليا لا يتم تطبيقها كما يتم تطبيقها في سويسرا.
في اليمن نحتاج إلى وقت طويل حتى تصبح القوانين اليمنية والأعراف والتقاليد تعطي المرأة اليمنية حقوقها الكاملة، حسب ما ينص عليها الدستور اليمني، ودائما هناك فجوة، فإذا تجاوز الأمر النص الدستوري ينصدم بالقوانين ولو تجاوز القوانين ينصدم بالعادات والتقاليد..
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية