اليمن| المرأة الريفية بين الإنكار والتهميش
تشعر سميرة (اسم مستعار) من بنات المحويت انها تعيش خارج العصر في بيئتها الريفية المتزمتة تجاه المرأة، التي لايزال يتم التعامل معها حتى اليوم بنظرة دونية باعتبارها ناقصة “عقل ودين”.
•لاحق لنا في القبول والاعتراض
لا تخفي الفتاة التي تبلغ من العمر 27 عاما تذمرها الشديد من وصاية افراد عائلتها الذكور على حياتها، وكل قراراتها، وما يخص مصيرها وشؤونها الشخصية.
“انا وامي واخواتي ليس لنا اي رأي، القرار الاول والاخير داخل البيت لوالدي واخواني”، قالت سميرة بنبرة حانقة متضجرة.
تذكر انها تعرضت للضرب قبل سنوات لانها ابدت رأيها بشأن شخص تقدم الى اسرتها لطلب يدها للزواج.
تقول ” كانت هناك معارضة من أخوتي وعدم قبول بالشخص الذي تقدم لخطبتي، وحين قلت لهم اني موافقة، قاموا بشتمي وضربي بقوة”.
اضافت” يعتقدون أنه ليس لي أي كلمة أو حق في القبول أو الاعتراض”.
“وكان تقرير في العام 2017، نشره صندوق الأمم المتحدة للسكان، قال أنَّ العنف ضد المرأة ارتفع بنسبة 63 في المئة منذ بداية الصراع في اليمن، وأنَّ 2.6 مليون امرأة مُعرضة لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأنَّ جائحة كورونا أدَّت إلى تفاقم المشكلة وارتفاع عدد حالات العنف بشكل كبير.”
•ثقافة قمعية شائعة
ولاتزال ثقافة إنكار وتهميش وجود النساء ومنعهن من ابداء رأيهن شائعة في المجتمع اليمني حتى اليوم، خصوصا في المناطق الريفية، حيث ترتفع نسبة الامية ويتفشي الجهل وتتسيد العادات والتقاليد التي تنتقص من قدر المرأة.
تقول الكاتبة والباحثة الاجتماعية إيناس الزوار ” التنشئة الاجتماعية في الأرياف جعلت الرجال يعتقدون أنهم أدرى بمصلحة المرأة من نفسها. جعلوا أنفسهم أوصياء عليها، مما أدى إلى تضييع حقها في اتخاذ القرار، وجعل العنصر الأساسي في أخذ رأيها مفقودا في بناء المجتمع السليم القائم على المشاركة المتساوية والعادلة.
وترى الباحثة ايناس أنه يجب تثقيف المرأة في هذا الجانب، وعليها أن تكون قوية وأن لا تخاف عند اتخاذ قراراتها المناسبة بعيدا عن تسلط الرجل، حد قولها.
في السياق يؤكد الباحث في علم النفس أسامة اليحيري بان ” المجتمع اليمني يجعل المرأة هامشا، هذه الثقافة تحرم المرأة من أبسط الحقوق الإنسانية، بل من دورها المنوط اجتماعيا”.
ويوضح بان هذه الثقافة تتجلى بآثارها القمعية في شتى المجالات التعليمية والأسرية والاجتماعية.
يتابع “نلحظ ذلك في تفاصيل حياتها النفسية، فالضغوطات النفسية ومنعها من حقها الواجب في مجالات عدة، ، يمكن أن يكون لها آثاره المدمرة على المرأة”، حد تعبيره.
•عليك ان تتركي المدرسة
تروي ملاك (اسم مستعار) من بني الحارث ، وهي طفلة في الثالثة عشرة من عمرها، انه لولا تدخل اشخاص من اعيان منطقتها الريفية واحدى منظمات المجتمع المدني لكانت اليوم “متزوجة”، حيث قام والدها بعقد قرانها دون حتى علمها على اخ زوجته الجديدة.
تقول الطفلة ملاك” علمت بالخبر من خالتي، قالت لي عرسك بعد شهر، وعليك ان تتركي المدرسة”.
وقادت جهود المجتمع المدني الى اجبار الزوج على فسخ العقد، فيما قضت المحكمة بنقل ولاية ملاك الى أحد أخواتها خوفا من تكرار الموضوع مستقبلا.
” حيث ذكرت إحصائية في تقرير لمنظمة اليونيسيف عام 2017، أنّ أكثر من ثلثي الفتيات في اليمن متزوجات قبل سن 18 عام، مقابل 50 في المئة قبل اندلاع الصراع”
يؤكّد المحامي والناشط الحقوقي محمد مقبل الهناهي أن جميع القوانين تعطي المرأة الحق في إبداء رأيها، والقبول والرفض بما يتعلق بشأن حياتها الشخصية.
•غياب الوعي والوازع الديني
ويجعل قانون الأحوال الشخصية العقدَ المبنيّ على الإكراه باطلا؛ إذ نصت المادة (10) من القانون المذكور على ذلك “(10): كل عقد بُني على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له”.
وفي الشريعة الاسلامية يروي أبا هريرة وأبا موسى الأشعري “أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ نكاح بكر زوجها أبوها وهي كارهة”.
كما تروي الخنساء “إنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوّجني من ابن أخيه وأنا لذلك كارهة، فقال صلى الله عليه وسلم: أجيزي ما صنع أبوك، فقالت ما لي رغبة فيما صنع أبي، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبي فلا نكاح لك. انكحي من شئت، فقالت أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن يعلم النساء أن ليس للآباء من أمور بناتهم شيء”.
ويذهب المحامي الهناهي الى ان المشكلة ليست في القوانين، بل في الوعي والثقافة وغياب الوازع الديني، وسيطرة العادات والتقاليد المخالفة للقانون والشرع على سلوكيات الناس .
تتفق في ذلك المحامية نسيم المهدلي قائلة أننا في مجتمع ذكوري يعتبر محاربة التقدم نوعا من أنواع الجهاد.
•تمييز حتى في المحاكم
ووتؤكد ان” مشكلة المرأة ليست في المناطق الريفية وحدها، بل بكل مكان؛ لأنه يوجد في أرض الواقع نماذج لنساء بارزات وبمراكز مرموقة، لكن في التعامل يصبح هناك تمييز بين الجنسين إلى درجة أحيانا أن المسؤول يستصعب أن تترقى المرأة في المراكز التي تعمل بها بحجة أن من يتعين في مناصب كبيرة يتطلب منه التواصل في كل وقت والخروج حتى بالليل، وذلك لا تستطيع عليه المرأة”.
تتابع” حتى في المحاكم يقف أحيانا رئيس المحكمة مع الرجل بحجة أن المرأة كيدها عظيم”.
ويشير الباحث أسامة اليحيري الى أنه وجد في كثير من الدراسات النفسية نسبة انتشار الاكتئاب في الأوساط الحضرية والثقافية لدى المرأة أقل منه عند المرأة في الريف.
اضاف”يرجع ذلك إلى المعاملة المجتمعية لها والطريقة التي يمكن بها تفسير دور المرأة فيه”.
ويرى إن التهميش الحاصل للمرأة والأسلوب الذي يقود إلى الميل المستمر إلى لوم الذات والشعور بالعجز وعدم الأهمية والمعاملة المشينة لأنها مصدر امتهان متواصل قد يؤدي إلى أنواع مختلفة من الضغوط النفسية.
يوضح قائلا هذا ” يخلق نفسية هشة تجعلها أكثر عرضة للاضطرابات النفسية كالقلق المزمن وأنواع مختلفة من الفوبيا أو الهلع غير المبرر، وأيضا قد يؤدي ذلك إلى نشوء أنواع من الشخصيات المضطربة اجتماعيا كالشخصية الانسحابية أو الاختلالات العاطفية والمزاجية المختلفة”.