مواد غرفة أخبار الجندر

12
نوفمبر

نساء في مواجهة حملات التحريض

 سميرة عبداللطيف

تخطّت المرأة اليمنية في سنوات الحرب أغلب الحواجز التي اعترضتها، والتي تحدّ من عمل المرأة ودورها في المجتمع، واستطاعت أن تؤدّي دوراً مهماً في الحراك المدني، أثبتت فيه قدرتها على تحقيق مشاريع فاعلة، فكان لها أثر حقيقي في عمل المنظمات لا يقلّ عن دور الرجل، وفي ضوء ازدياد انخراط النساء في المجال العام، وتوسّع رقعة العمل النسوي والجندري، أصبحت كثير من النساء أكثر عرضة للتنمر والتعنيف المجتمعي، وبدأت الدعوات والحملات تنتشر بشكل مستمرّ لمحاربة أعمالهن وأنشطتهن، وتحاصرهن في أبسط حقوقهن منها المشاركة في القطاع المدني.

تقول داليا: “إن المرأة اليمنية في معركة دائمة من أجل إثبات وجودها ودورها في مختلف المجالات، ولكن ما نلمسه في الفترة الأخيرة حول الحملات التي تستهدف عمل المرأة في منظمات المجتمع المدني أثّر نفسياً وعملياً على دور المرأة في هذا المجال”. داليا قاسم امرأة يمينة أثبتت حضوراً لافتاً في منظمات المجتمع المدني، وأظهرت حرصها على العمل، لا سيما في المجال الإنساني والاقتصادي، وتمكّنت من إثبات قدراتها في تغيير نظرة المجتمع إليها وأنها امرأة قيادية في المجتمع المدني.

وأضافت داليا عن الحملات التي تستهدف عمل المرأة في منظمات المجتمع المدني: “للأسف، أثرت الحملات المضلّلة حول عمل المرأة في منظمات المجتمع المدني بشكل كبير على بعض الفتيات، فهناك من توقفنَ عن العمل في هذا المجال بسبب ما يُشاع عنه، وبات هناك تخوّف من بعض الفتيات من المشاركة في التدريبات والورشات لدى المنظمات”. وأردفت داليا: “بالنسبة لي، تأثرت نفسياً بشكل كبير، ولكن الدعم العائلي ودعم المحيطين والأصدقاء هو ما يدفعنا للاستمرار والعطاء دائما”.

التحقت داليا بالعمل التطوعي في عام ٢٠٠٩ ضمن مبادرات شخصية، ونفّذت كثيرا من الأنشطة بالتعاون مع صديقتها. وعن البداية قالت: “كنتُ أعي تماماً أهمية تمكين المرأة في مختلف جوانب الحياة، فعمدتُ إلى تأهيل وتمكين المرأة منذ بداية عملي التطوعي في المجال الإنساني في مدينة الحديدة”.

وعن ماهية الأعمال التي أحدثت نقلة نوعية في بدايتها، تذكر داليا أنه استهداف مجموعة من النساء في تدريبهم على السباكة، وكان الهدف من ذلك تزويد ربّات المنازل بالمهارة التي يحتجنها والتي قد تواجههن بشكل مستمر، وهذا الأمر خلق صورة جيدة حول عمل المبادرة، وشكّل الشرارة الأولى التي تحولت بها المبادرة إلى العمل المؤسسي.

ترى داليا أن هناك حاجة مستمرة لإعطاء فرص للنساء اليمنيات والتهاميات، خصوصا النساء اللواتي قطعن شوطا جيداً في التعليم، لبناء قدراتهن في الإدارة والتخطيط والمراقبة والتقييم في مؤسسات المجتمع المدني إلى جانب التدريبات القيادية.

وبرغم كل العوائق التي تواجه المرأة اليمنية، استطاعت داليا أن تكون رائدة في منظمات المجتمع المدني، فأصبحت اليوم مديرة مؤسسة “بنات الحديدة” التنموية، وهي إحدى أهم المؤسسات في مدينة الحديدة التي قدّمت فيها كثيرا من المشاريع التي تستهدف تأهيل وتمكين المرأة في مختلف المجالات، كما تُوّجت داليا بالوسام العالمي لصانعات

التغيير لعام 2022.

.

من جانب آخر، تتفق أماني الجوباني مديرة منظمة “سياق” للشباب حول الأثر النفسي التي تحدثه الحملات الموجّهة ضد النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني، فتقول: “إن نظرة المجتمع اليمني للمرأة العاملة في منظمات المجتمع المدني هي نظرة سلبية، ولكن الحملات الأخيرة سلّطت الضوء على نشاط منظمات المجتمع المدني بطريقة سيئة جداً”. وأضافت أماني: “للأسف، هذا النظرة انعكست تماماً على العاملات في منظمات المجتمع المدني، فأصبح البعض يُخفي حقيقة عمله في منظمات المجتمع المدني، تجنباً لضغوطات الأسرية والنظرة القاصرة التي قد تشكل إقصاء لهن فيرفض المجتمع التعامل معهن، وهو الأمر الذي أثّر نفسياً على العلامات في هذا القطاع”.

أماني الجوباني إحدى النساء القياديات في منظمات المجتمع المدني، وقد بدأت العمل في هذا المجال منذ ٢٠٠٧ مع جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركياً، والتحقت فيما بعد بمنظمة “أجيال بلا قات”، وجمعية هائل سعيد أنعم، ومؤسسة “لكِ” لرائدات الأعمال، وتعمل حالياً مع منظمة “سياق” لشباب والتنمية.

ترى أماني (٣٥ عاماً) أن العمل في منظمات المجتمع المدني كان له أثر إيجابي على المرأة والمجتمع، فقد وعّى النساء، وفتح آفاق تفكير جديدة لديهن، وجعلهن مُسهمات في التنمية وإبداء الرأي والتغيير، وأعطى النساء شغفا وطموحا في أن يكنّ مؤثرات في المجتمع. وأعربت أماني بقولها: “النساء هم الفئة الأكثر في المجتمع، ومن المعيب أن يغيب دورها في المجال المجتمعي”.

وحول أهمية الدعم العائلي للمرأة، قالت أماني بأنها تتلقى دعم وتشجيع عائلتها منذ بداية عملها في المجتمع المدني، قالت: “صحيح أن عائلتي هي الداعم الأول لي، ولكن عائلتي ليست بعيدة عمّا يحدث، فهم يسمعون عن الحملات الموجّهة ضد النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني، وهي حملات أحدثت تخوّفاً لدى عائلتي وأغلب العائلات، ولكنني استطعت أن أعكس لعائلتي بالقيم والمسؤولية الملقاة على عاتقي إيجابية عملي، وأسعى دائماً لإشراك عائلتي في كل ما أقوم به، وهذا يجعلهم مستمرين في دعمي ومساندتي في عملي”.

وعلى الرغم من كلّ التحديات المجتمعية التي واجهت أماني وتأثير الحرب عليها وأنّها من ذوي الإعاقة، استطاعت أماني أن تحقق كثيرا من الإنجازات بانخراطها في العمل المجتمعي، ومن أهمها إنجازاتها مركز “يمن كايزن” لتدريب والاستشارات والدراسات، ومنظمتها منظمة “سياق” للشباب والتنمية التي تقدّم فيها كثيرا من المشاريع والتدخلات الإنسانية.

 

أماني الجوباني-مديرة منظمة سياق للشباب والتنمية

أصوات مجتمعية

وعن ذلك تقول عُلا: “تبذل المرأة اليمنية جهداً مضاعفا لتستطيع الوصول إلى شيء يمكن أن يصله غيرها بسهولة، وذلك بسبب الضغوط التي يمارسها المجتمع أو العائلات، ومع ذلك هناك نجاحات كثيرة لنساء على أرض الواقع نفتخر بها”.

عُلا السقاف أيضا ناشطة مجتمعية وعاملة في مختلف المجالات مع منظمات المجتمع المدني، وقد بدأت السقاف (٢٨ عاما) انخراطها في الأنشطة المجتمعية في سن مبكر (١٦ عاما)، اليوم هي واحدة من الرائدات والقياديات في منظمات المجتمع المدني ومديرة منظمة “بيئة السلام”.

ترى عُلا أنّ المجتمع اليمني بشكل عام لديه نظرة سلبية عن عمل المرأة، وخصوصا في منظمات المجتمع المدني، وشدّدت بقولها: “إن ما لمسناه جميعاً في الحملة الأخيرة التي شُنت على منظمات المجتمع المدني، وركزت بشكل خاص على النساء أنها كانت وما زالت تخلق لي ولغيري من النساء صعوبات كبيرة في العمل”. وأفادت عُلا بأن عملها في المنظمات بنى لها شبكة علاقات واسعة مع الآخرين، وأضاف لها كثيرا من المعرفة والمهارات التي بنت شخصيتها وبحسب تعبيرها “العمل في منظمات المجتمع المدني هو المفتاح الذي أوصلني لأي نجاح حالياً”.

 

ترى السقاف أن عمل المرأة في المنظمات غير مسيء لها إطلاقاً، ولكن الحملات فيها سوء فهم كبير من وجهة نظرها، وأردفت: “بشكل عام المنظمات لديها أخطاء في العمل مثل الفساد الإداري والفساد المالي وغيره من هذا الجوانب، وهذه الأشياء كان من المفترض أن يركز عليها المجتمع، لا على وجود المرأة”.

على الرغم من كل التحديات، أثبتت عُلا قدرتها على مواجهة التحديات، وشاركت في كثير من المؤتمرات العربي والإقليمية، واليوم أخذت تُكمل طريقها في مجال السلام والتعليم والمناخ في منظمتها منظمة “بيئة السلام”.

علا السقاف، مديرة منظمة بيئة للسلام

انتشرت حملات تشهير واسعة ضدّ المنظمات العاملة في اليمن بحجّة أنها تحرّض الفتيات على التحرّر غير المقبول الذي يصطدم مع عادات وتقاليد المجتمع اليمني، ونتيجة هذه الممارسات التمييزية والإقصائية ضد النساء والفتيات، يزداد العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف المجتمعي الإلكتروني.

ما يزيد الطين بلة تبني الممارسات التمييزية بحق كثير من النساء من بعض أصحاب السلطة الدينية والسياسية، بهدف محاربتهن، والتحريض ضدهن، مستغلين مكانتهم لخلق رأي عام مضاد لعمل كثير منهن في المجال المدني، مما قد يدفع ببعض المجتمعات المحلية للتضيق على النساء وعملهن في المجال المدني، أو الحد من حرياتهن، أو تعنيفهن بحجّة أن المنظمات النسوية والنسائية تستجلب أفكاراً غريبة عن المجتمع اليمني وتخالف عاداته وتقاليده.

يقول المختص في العلاج النفسي بمحافظة تعز، نبيل المحمدي في حديث لـ”المشاهد نت”: “إن التحريض الديني والاجتماعي الذي يُشن على الفتيات العاملات مع منظمات المجتمع المدني يضعهن أمام تحديات نفسية وعاطفية واجتماعية كبيرة ومتواصلة قد تعيق حياتهن بالكلية”. ويؤكّد أن شعور فتاة موظفة مع منظمة بالتهديد المتواصل على حياتها أو سمعتها أو وظيفتها يتركُ في نفسها آثارا سلبية، ويجعلها في حالة دائمة من الإحباط والقلق والخوف والاضطراب، وذلك هو أكثر ما يعيق نموّ المرأة وتقدمها الطبيعيين في الحياة، على حد وصفه، مشيرا إلى أن الأمر قد يتطوّر إلى حدّ الاكتئاب.

يرى المحمدي أن الاتهامات المُسيئة التي تُكال جزافا ضدّ العاملات مع المنظمات قد تدمر حيواتهن إذا ما وصلت إلى حد ما، نظرا لحساسية وضع المرأة في المجتمع اليمني، مؤكدا أن إشاعة واحدة مسيئة إذا ما أُلصقت بفتاة وراجت داخل المجتمع بشكل كاف، فإنها قد تقضي على حياتها.

وبحسب المحمدي، تؤخذ غالبا الاتهامات الجزافية التي تتعرض لها تلك الفتيات على محمل الجد لدى عائلاتهن، الأمر الذي يتسبب بحدوث مشكلات اجتماعية كبيرة، قد تفضي إلى حدوث عنف أسري ضدهن، يتمثل بأشكال مختلفة، منها الحظر من العمل، أو فرض مزيد من الرقابة، وقد يتطور الأمر إلى استخدام العنف الجسدي المباشر من بعض الآباء.

على مدى خمس سنوات، عالج المحمدي العشرات من الحالات المرضية النفسية المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في تعز. ويقول: “إن أكثر من 90٪ منها كانت لنساء تعرضن لهذا النوع من العنف، بعضهن فتيات عملن مع منظمات مجتمع مدني، وتعرضن لمشاكل اجتماعية بسبب النظرة السلبية التي جوبهن بها داخل مجتمعاتهن”.

أثرت الحملات التشهيرية على المنظمات بشكل كبير وكبّلت النساء مجدداً، وفقدت عدد من الفتيات العاملات في المنظمات المدنية الرغبة في مواصلة العمل على إثر هذه الشائعات، وتقف خلفها جهات ووسائل إعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وأسماء معتبرة، وقد سعت منصة “سراج” إلى رصد المعلومات المضللة في تلك الحملة التي خرجت بها المنصة بتقرير صحفي يكشف حقيقة المعلومات المتداولة في الحملة.

منصة “سراج” منصة ناشئة تسعى لتقديم معلومة صحيحة من أجل السلام والأمان الرقمي في اليمن، يقول أحد مديري المنصة: “إن التقرير أوضح أن الوضع الإنساني المتدهور في اليمن وغياب الحكومات المحلية ألقى على عاتق المنظمات الدولية والمحلية المسؤولية في محاولة تخفيف حدة الأزمات المتتالية في اليمن”.

وقد كشف التقرير عدد المنظمات العاملة في اليمن، وهي ٨ منظمات تابعة للأمم المتحدة مع مشاركة ١٠٧ منظمة دولية وإقليمية ومحلية في أكثر من ٣٣٢ إقليما، بحسب موقع الإغاثة الدولية التابع لمكتب الأمم المتحدة للتنسيق والشؤون الإنسانية.

وأضاف أنه مع أهمية الدور الذي تؤديه المنظمات الإنسانية في اليمن، تزداد أهمية التعامل مع فوضى المعلومات والتضليل المستهدف لعمل هذا القطاع والعاملين فيه، فالهجوم على المنظمات الإنسانية أصبح بمنزلة الهجوم على الشعب اليمني الأعزل، وبعملية الرصد في منصة سراج توصلنا إلى ما توضحه الصور.

التضليل الذي تنتهجه حملات التشهير ضد الفتيات العاملات في منظمات مدنية وإنسانية وحقوقية، يرتكز على تزييف مكثّف للحقائق، وقد يتسبب بخطر حقيقي في مجتمع يعاني من ضعف شديد في الوعي المدني.

يفيد الحقوقي علا دينيش: “القانون اليمني يمنع، بل يجرم التحريض على ارتكاب الجرائم بشكل عام، وكذا يجرم السب والقذف”. ويضيف: “باعتقادي، ما حصل في الفترة الأخيرة حملة مدفوعة من جهات معينة، وللأسف انجرّ خلفهم الناس من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من باب الحميّة وانكار المنكر، وقد ضللهم مروّجو الحملة”.

والقانون اليمنيّ يُجرِّم نشر معلومات مُضلِّلة ومغلوطة، خصوصا التي تشكّل خطرًا على حياة الإنسان، والقانون يحمي الفتاة ويمنحها حق اللجوء للقانون ضدَّ كلِّ ما يُنشَرُ من الحملات الزائفة.

يؤكد دينيش: “بالنسبة لحق المرأة أو أي شخص تعرّض لمثل هذه الحملات، يمنح القانون مَن تعرض لذلك حق تقديم الشكوى، لكن من ضروري أن يُخصِّص بذكر الاسم أو بنشر صورة، بالإضافة إلى ما ورد من منشورات تحريضية أو ورد بها سب أو قذف”، ويوضح أنه في مثل هذه الحالات يجب أن يواجه هذه الحملات إعلامٌ ملتزمٌ لتصحيح المفاهيم المغلوطة، ويكشف الزيف، إلى جانب اللجوء إلى المؤسسات القانونية”.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية