“تفعيل مؤسسات المرأة ضرورة لمواجهة خطاب الكراهية والتمييز العنصري”
تحطّمت كثير من آمال النساء في تحقيق مستقبل أفضل في ظلّ الحرب القائمة في اليمن منذ 8 أعوام مضت، وفي سياق النزاعات والأزمات ارتفعت حدّة خطاب الكراهية والتمييز ضد النساء، وأصبح العنف والعنصرية أشياء تحصدها المرأة مِن قبل شريكها الرجل لمجرد تبنّيها لرأي أو انتقادها لموقف أو تصرف أيا كان.
تقول رئيس تحرير موقع اليمن الاتحادي بشرى العامري: “في إبريل من عام2020 م نشرتُ مقالاً أتحدث فيه عن البيئة والنظافة في مدينة عدن في إحدى المواقع الإخبارية العربية بصورة جديدة لي، وبعدها بأيام وتحديدا في 10 مايو 2020، تفاجأتُ برسائل عدّة، ومنها إحدى صفحات السياسي اليمني المعروف علي البخيتي نشرت صورة لي لم أتداولها إلا في نطاق محدود جدا، وعليها خبر أنها لمنى الشوافي التي دعت إلى مليونية في عدن، وعلى الصورة (مطلوب القبض عليها)”.
وتضيف بشرى: “وُظّفت الصورة بشكل سيء للغاية، ونُشرت بشكل واسع على الفيس بوك والواتس آب، وشنّت حملة قوية من قبل مفلسين طالبوا بالقبض عليها وقتلها ونشر كلام بذيء وسفيه”.
واستغربت العامري من استخدام صورتها وتوظيفها بذلك، فهي، حد قولها، صحفية وناشطة حقوقية لا دخل لها من قريب أو بعيد في السياسة، وليس لها أي علاقة بقضية الجنوب والانتقالي، وليس لديها أي مواقف سياسية أو عداء مع أحد،
وتقول بشرى: “وجدتُ نفسي مصنّفة من عرب ٤٨، حد وصف البعض، ومطلوب القبض عليّ حيّة أو ميتة، في حين أنّي نشرتُ بيانا أوضّح فيه أني لستُ منى الشوافي، وأنه وقع خطأ في خلط صورتي معها، وكثير من الأصدقاء والصديقات أكّدوا على كلامي لكن دون جدوى”.
“أنا أقسى من هولاكو ومحطم كل امرأة عظيمة”
تقول إحدى الأكاديميات في الجامعة (ترفض كشف اسمها)، وتذكر أنها تعرضت لتعنت من قبل جماعة الحوثي الموجودة في الجامعات اليمنية في محافظة صنعاء؛ إذ حُرمت مِن حقّها في التفرغ العلمي وأُوقفت مرتباتها، كما هدّدها أحدُهم ذاكرا أنه أقسى من هولاكو، وسيحطم عظمتها إن هي استمرت بالمطالبة بحقّها.
وبيّن وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل أن للنساء دورا مهما ومحوريا في كل الأحوال؛ فهم الفئة الأكثر تضرّرا من الحرب والفئة الأضعف والأكثر تأثرا، وأضاف فضائل: “لا بد أن يكون للمرأة دور كبير في إيقاف الحرب والاتجاه نحو السلم، فمنهن كثير من الضحايا، وتعرضن لانتهاكات جسيمة من قتل وجرح وتشريد وتعنيف واختطاف”.
وأشار فضائل: “لا تزال النساء مستبعدات من المشاركة المباشرة وغير المباشرة في عمليات السلام والوساطة أو لجانها الفرعية، ولكن يجب أن يتغيّر هذا الموقف والمنظور، ففي حالات الحرب والأزمات مِن الضروري إشراك النساء والتشاور معهن بانتظام؛ لأنهن من أصحاب المصلحة والأكثر تأثرا بتلك الحروب والنزاعات”.
فيما تقول العضو المؤسّس في تيار التوافق الوطني ووزير حقوق الإنسان الأسبق حورية مشهور: “إن للمرأة دورا كبيرا يمكن أن تلعبه في مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية الطائفية وعدم قبول الآخر؛ لأنها المربية الأولى في البيت وفي المجتمع إذا نظرنا لعدد النساء العاملات في قطاع التعليم، وفي المجالات المختلفة في الفضاء العام في الإعلام وناشطات في المجتمع المدني ومدافعات عن حقوق الإنسان”.
وتبين مشهور: “المرأة بطبيعتها تميل إلى قيم السلام والتعايش واحترام الآخر، ولكن ينبغي أن نعترف أن الوضع الراهن الذي مزّق النسيج الاجتماعي وعمّق الانقسامات في المجتمع أثر بشكل أو بآخر على اصطفاف النساء مع هذا الطرف أو ذاك، ومع ذلك ومن نشاطي في أوساط الكيانات والهيئات التي تعمل في مجال السلام، أشعر إلى حد كبير بالاطمئنان لوجود النساء من مختلف المكوّنات بما في ذلك من أطراف الصراع والمتحاربين في الميادين، ولكنهن يحضرن في ساحات مشتركة افتراضية أو فعلية ويسود بينهن الاحترام المتبادل، ويعملن وفقا للقواسم المشتركة، ألا وهي الدعوة للسلام لإدراكهن أن ذلك هو الخيار الأسلم والأصلح الذي ينقذ البلاد من كارثة الحرب”.
من جهتها، تقول رئيسة مؤسسة قرار للإعلام والتنمية المستدامة قبول عبده العبسي: “إن خطاب الكراهية والعنصرية ضد النساء خصوصاً عبر مواقع التواصل نابع من نظرة قسرية من قبل المجتمع ضد المرأة، وانحصارها بأدوار معينة والتفكير الباطني للمجتمع بذلك، وحين تخرج النساء من هذه الأدوات النمطية يحدث أن تنهال عليها كمية من العنف والتحريض والعنصرية والاتهامات ودائما ما يمارسها عليها الرجال”.
وأوضحت العبسي: “دور المرأة في مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية ليس بالأمر السهل رغم كل التمديدات الدولية، لكن على النساء العمل في شكل موحّد في توحيد الصفوف ودعم النساء من قبل المؤسسات النسوية بالتوعية المجتمعية للخروج من التفكير النمطي عن دور النساء والتركيز على التنشئة للأطفال؛ لأن هذه الأفكار تترسخ كثيرا لديهم منذ الصغر، فعلى النساء توعية الأجيال القادمة بتغيير الأفكار والأدوار النمطية والتكثيف من عمل التوعية في المدارس بالمطالبة بالحقوق والمساواة بين الجنسين وبأهمية دور النساء في المجتمع ومشاركتها سياسيا واجتماعيا وثقافيا”.
ودَعت العبسي السلطات إلى وضع قوانين صارمة تجاه الممارسات التي تمارس ضد النساء وتجاه مرتكبي هذه الأفعال، سواء أكان على أرض الواقع، أم على مواقع التواصل الاجتماعي، واتخاذ الإجراءات مع من مارس هذه الانتهاكات تحت أي ذريعة أو مبرر.
مِن جانبه يرى المحامي والناشط الحقوقي علي عبده الصَّراري أن للمرأة دورا أساسيا في القضايا الشائكة والحسّاسة، ولها دور فعّال في توعية المجتمع وتنويره في شتى المجالات وفي ملامسة قضايا المجتمع عن قرب، في حين يؤكّد أن المرأة ستكون ضحية إذا استمرّ خطاب الكراهية والطائفية والعنصرية.
ويشدّد الصراري على أن المرأة تقف حجر عثرة أمام تلك المشاريع، وعليها دورها في المدارس والجامعات والأندية وفي إقامة ورش عمل ودورات توعوية للنساء بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام، فدور المرأة مؤثر ومُسهم بشكل أساسي في تبني قضايا حساسة وخطيرة.
ولأن خطاب الكراهية وعدم القبول بالآخر له نتائج كارثية في المجتمع لقيامه على أساس فرز المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي، يقول الصراري: “إن دور المرأة سيكون بالمقدمة؛ لأنها ستكون الضحية في الإقصاء والتهميش وعدم القبول بها في جميع المجالات والتخصصات؛ لأنّ مثل هذا الخطاب يرفضها جملة وتفصيلا ويحصرها في منزلها من دون إبداء الرأي أو المشاركة المجتمعية، فيسلب حقوقها الأساسية والشرعية والقانونية ويصادر إنسانيتها بالكامل”.
وعن الآثار السلبية التي قد يعكسها خطاب الكراهية والتميز العنصري، يقول مدير مركز الأبحاث والإرشاد النفسي في جامعة تعز جمهور الحميدي: “إن خطاب الكراهية والعنصرية له آثار سلبية نفسية واجتماعية، بل انعكاسات قد تصل إلى آثار جسدية، هذه الانعكاسات قد تطال المرأة؛ لأنها الجانب الأضعف في الحياة ولأن أي آثار سلبية ناتجة عن خطاب الكراهية لا ينعكس عليها فحسب، بل على المجتمع كلّه، ومن ضمن الآثار النفسية التي قد تطال المرأة الإصابة بعدد من الإضرابات، أبرزها الاكتئاب والقلق العام، وقد تصل إلى مظاهر ذهنية في بعض الحالات التي تتعرض لضغوط نفسية شديدة”.
وتوضح الاختصاصية النفسية غدير محمد البحيري أنّ المرأة تتعرّض بشكل يومي لخطاب الكراهية والعنصرية والتمييز القائم على أساس اختلاف الجنس، وذلك بسبب ثقافة مجتمعاتنا الذكورية التي تحصر المرأة في مربع معين من العادات والتقاليد والحدود اللاعقلانية، فإذا تجاوزتها المرأة، أصبحت غير مقبولة وعُرضة لخطاب الكراهية، وتُنتقد بأسلوب جارح يقلّل مِن قيمتها، مما يؤثر عليها ويسبب لها أضرارا نفسية جسيمة تنعكس على حياتها بشكل تدريجي إلى أن توصلها للمعاناة من اضطرابات نفسية، فتعيش المرأة حالة من الإحساس بالعجز وتضعف ثقتها بنفسها، مما يؤدّي بها إلى العزلة والانطواء هروباً من مواجهة المجتمع الذي يشعرها بالذنب من لا شيء، وقد يسبب ذلك دخولها في حالة اكتئاب، وهذا الاضطراب في أسوأ حالاته يؤدّي للانتحار، وفعلاً قد يحدث الانتحار عند وصول المرأة إلى درجة عالية من عدم القدرة على التحمل، فكثير من الجرائم تكون شرارة البدء فيها خطاب الكراهية”.