مواد غرفة أخبار الجندر

20
ديسمبر

عمالة الفتيات.. طفولة مستباحة ومخاطر في كفّ المجهول

 أسماء البزاز

42% من الفتيات تحت سوط الأعمال الشاقة والحرب، والفقر من أبرز تداعياتها التحرش والمضايقات والاكتئاب والانهيار الأسري تبعات لعمالة الفتيات

في الشوارع والطرقات تكمن أفراحهن وأحلامهن البريئة التي قد لا تعرف جور الطرقات ومساوئ المجهول. خرجن بمختلف أعمارهن الصغيرة يبحثن عن لقمة عيش لتسدّ رمق جوعهن، وتكفل لأسرتهن سبل العيش الكريم. فتيات في عمر الزهور أنجبتهن الحرب ليتكبدن ويلاتها وقسوتها، وليجدن أنفسهن في طريق المسؤولية التي تفوق براءاتهن وربيع طفولتهن.

 

سعاد نجيب طفلة في ربيعها العاشر تحمل في يديها الشاحبتين قوارير الماء متنقلة من جَولة إلى أخرى، وبابتسامة ترتسم على محياها تنادي “ماء، ماء يا عم، بمئة ريال وعليّ الضمان”. ما إن تبيع كل قوارير المياه التي بحوزتها تذهب مسرعة إلى والدتها لتعطيها ثمن ما باعته، ومن ثم تعود لتأخذ أخريات لتبيعهن، وتظلّ على هذا الحال حتى وقت غروب الشمس، ثم تعود إلى منزلها مثقلة بالإعياء والمشقة والتعب. ترمي بنفسها على الفراش، وتدخل في زحمة الأحلام التي حرمتها أيضا من أحلام الطفولة والبراءة، ليغدو همّها “كم ستجمع اليوم الآتي؟ وكم ستدّخر لعائلتها وتسعد به أمها الأرملة وأخوتها الاثنين الأصغر منها سنًّا أحمد وآية؟”.
تقول سعاد بكل براءة: “من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة مساء، أجول في الطرقات والشوارع لبيع الماء لأصحاب السيارات في الشوارع العامة والجولات الرئيسية، والحمدالله أتمكن من توفير مبلغ لا بأس به يكفي مصروف معيشي ليومنا”.
وعن المخاطر والصعوبات التي تواجهها، توضح سعاد أنها مضايقات من الباعة المتجوّلين الأكبر منها سنا تارة بالضرب، وتارة بنهب ما بحوزتها من مال جمعته، وتارة أخرى بالتلفظ بالألفاظ البذيئة، وغيرها من المضايقات التي تفوق سنها من زملاء المهنة أو من الزبائن.
وتضيف قائلة: “على الرغم من المضايقات المتعددة التي قد لا أستذكرها الآن، لا أستطيع أن أغادر وأترك عملي، فهو بالنسبة لي ولأسرتي مصدر عيش، وفي سبيل هذه الغاية تركتُ دراستي وتعليمي”.

مأساة النزوح:
ليست سعاد وحدها من شقّت هذا الطريق، فإيمان خليل ذات الأحد عشر عاما نزحت هي وأسرتها من منطقة التُحيتا محافظة الحديدة إلى أمانة العاصمة هربًا من الحرب التي أكلت الأخضر واليابس في المنطقة، ولم تجد إيمان وعائلتها عملا يغنيهم عن مدّ يد السؤال والحاجة، فكانت مهنة مسح زجاج السيارات مصدر عيش إيمان الذي لم يرحم يوما طفولتها.
تقول إيمان: “الشارع الذي نستخرج منه لقمة عيشنا لن يعطيك حقّك وأجرك إلا بمشقة وصعوبات وآلام نتجرعها يوميا من روّاد الشارع وزبائن هذه المهنة”، وتضيف بحرقة: “نحن نتألم فعلا. نبكي يوميا. تركنا منازلنا وأموالنا. نزحنا من الموت إلى صراع مع الحياة من نوع آخر. صراع للحصول على لقمة العيش، ولا أستطيع التحدث أكثر من هذا”.

 

مخاطر نفسية واجتماعية

أوضح الدكتور عبده محسن الشليلي اختصاصي أمراض نفسية واجتماعية أن ظاهرة عمالة الأطفال بشكل عام ظاهرة خطيرة، ولها بُعدها النفسي والاجتماعي على الطفل، وتحمل آثارا مدمرة على الأسرة أولا ثم المجتمع.
وبيّن أن ظاهرة عمالة الفتيات أشدّ وأنكى وأكثر خطرا؛ لأنّ الفتاة ستصبح أمّا في المستقبل، ولأنها ظاهرة تحمل انعكاسات سلبية على الفتيات، من بينها الانهيار النفسي؛ إذ إن الفتاة في المجتمع المسلم لها خصوصية التعامل والاحترام، فكيف برؤية فتاة أو طفلة تعمل أو تبيع مناديل في الجولات أو في أي مكان عام؟!
وأشار إلى أن الفتاة قد تتعرّض للتحرش الجنسي والمضايقة من قبل ضعفاء النفوس، وكذلك توثر هذه الظاهرة على تعليم الفتاة، فلا تحصل على حقّها في التعليم إلى جانب العيب والحرج من عمل الفتاه، وهذا ينعكس على شعورها بالخجل من نفسها، مما يترتب عليه الشعور بالقلق والاكتئاب النفسي لتصل بعد ذلك للانهيار الأسري، وهو ما ينعكس على طريقة التعامل في المستقبل مع الزوج أو الأولاد.
وأضاف الشليلي أن من الحلول دعم الفتيات للتعليم وتسهيل التحاقهن بالتعليم بالدعم المادي والمعنوي حسب الاستطاعة، وتوعية الأسرة بخطورة عمل الفتيات عليهن بغضّ النظر عن المردود المادي، إلى جانب ضرورة قيام الإعلام بالتوعية بخطورة عمل الفتيات وخاصة الصغيرات الأقل من 18سنة، وأكّد على أهمية تظافر الجهود الرسمية والاجتماعية للحد من هذه الظاهرة.

42% من الفتيات تحت سوط الأعمال الشاقة والحرب.

 

من جهتها، تقول الدكتورة رضية باصمد اختصاصية علم اجتماع: “عانى اليمن مثل غيره من الدول الفقيرة ظاهرة عمل الأطفال نتيجة الحروب، وزاد على ذلك انتشار كوفيد 19 الذي أنهك اقتصاد اليمن”.
وتوضح أن من أهم أسباب ظاهرة عمل الأطفال: الفقر، مشاكل التعليم، تدني مستوى الوعي وغياب المشرّع القانوني. وزاد الأمر إشكالا النزوح وإغلاق المدارس وغيرها من الأسباب التي تسببت في خروج الأطفال إلى سوق العمل نتيجة بطالة وفقدان وظائف أهاليهم لرواتبهم، وأصبح أكثر من خمسة ملايين طفل خارج مقاعد الدراسة.
وتضيف: “نلحظ أن كثيرا من الأطفال ذكورا وإناثا يعملون في سوق العمل في الريف والحضر بنسبه 45% من الإناث و55% من الذكور. ويتركز أكثر الأطفال العاملين من الإناث في الريف لأنها أراض زراعية واسعة بحاجة إلى أي عمالة”.
وتشير إلى أنه نظرا للحاجة أصبح العمل للإناث والذكور في جميع المجالات والأنشطة الاقتصادية ويُعزى خروج الفتيات الصغيرات للعمل إلى أسباب منها:
– توقف المدارس لفترات بسبب الجائحة.
– نزوح أهاليهن نتيجة الحروب من مناطق الصراع إلى المناطق الآمنة والحاجة إلى سد الجوع.
– فقدان عائل الأسرة لكثير منهن.

وتبين أن استغلال الأطفال خصوصا الإناث من قبل ضعاف النفوس لمقدرتهن على القيام بأي أعمال ولساعات عمل طويلة والتوسع في الأراضي الزراعية اتطلب وجود عمالة رخيصة من الفتيات التي ينقلن في أوقات مبكرة من الصباح إلى مزارع أخرى لجني الثمار، أو لقطف القات مقابل مبلغ زهيد، ولا ننسى أننا في بلد مسلم فيه تشجّع الرحمة والعطف على الفقير، ولذلك هناك من يستغل وجود الفتيات الصغيرات لكسب العطف أكثر من الفتى الذكر.

حلول ومقترحات:
وترى باصمد أن الحلول تكمن في تشجيع العملية التعليمية من خلال تفعيل الأنشطة الصفية واكتشاف المواهب، وتوعية أهالي الأطفال العاملين من الفتيات على خطورة بقائهن لساعات طويلة بعيدة عن مراقبه الأسرة تخوفا لاكتسابهن عادات لاأخلاقية والتوعية بخطورة الزواج المبكر (زواج القاصرات).

أكثر من أربعة مليون طفل:
ويقدر مسؤولون بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لـ”كيوبوست” أن عدد الأطفال العاملين حالياً بين أربعة وخمسة ملايين طفل عامل على مستوى الجمهورية؛ بسبب ما آلت إليه أوضاع البلد الاقتصادية جراء الحرب الدائرة حالياً، إضافة إلى أوضاع الفقر وتدنّي مستوى الوعي بخطورة العمل المبكر للأطفال.
وفي تصريح لمدير مؤسسة سياج للطفولة باليمن أحمد القرشي لموقع للجزيرة نت، أوضح أن انخراط الأطفال في سوق العمل مؤخرا وارتفاع معدلات الفقر قد ارتفع إلى أكثر من 300% خلال الفترات الأخيرة مقارنة بسنوات ما قبل الحرب، وذلك بسبب تمدد حالة الفقر والنزوح وتوقف المرتبات وفقد كثير من الأسر لعائلها.
وبينت منظمة “أنقذوا الأطفال” أن ما مجموعه 5.2 ملايين طفل في اليمن يواجهون خطر المجاعة، وتؤكّد في تقاريرها أن جيلا كاملا من الأطفال يواجه خطر القتل، وتشير تقارير دولية أيضا إلى أن أكثر من مليوني طفل يمني لا يذهبون إلى المدرسة، وحتى الذين يذهبون إليها تؤكّد التقارير أنهم يتلقون تعليما متدني الجودة داخل فصول دراسية مكتظة.

حماية الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة

بيّن المحامي والحقوقي حميد الحجيلي أن القانون اليمني في المادة (144) ينصّ على أن على الدولة اتخاذ الإجراءات والتدابير العلمية والعملية للتحقق من معانـاة الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة؛ مثل أطفال الشوارع والمشردين وضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان والأطفال المعرضين لسوء المعاملة والمحرومين والمستغلين اجتماعيا وضمان عدم استدراج الأطفال إلى الاقتراب أو مباشرة الأعمال غير المشروعة أو السقوط في ممارستها. وكذا تنص المادة (145) على أن على الدولة حماية ورعاية الأطفال الأيتام وأطفال الأسر المفكّكة والأطفال الذين لا يجدون الرعاية ويعيشون على التسول، والقضاء على هذه الظاهرة، ووضع الأطفال المتسوّلين والمتشردين في دور الرعاية الاجتماعية وتوجيههم إلى أن يكونوا أعضاء صالحين منتجين في المجتمع.

وقال إن المادة (146) نصّت على أن تعمل الدولة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والمجلس الأعلى للطفولة على:
‌أ- إنشاء مكاتب لحماية الأطفال من التشرد والتسوّل، واعتماد وإقرار ميزانية سنوية ضمن ميزانيتها لإنشاء هذه المكاتب وتشغيلها.
‌ب- إنشاء مؤسسات ودور الرعاية الاجتماعية.
‌ج- حماية الأطفال من سوء المعاملة وتعرضهم للتعذيب البدني والنفسي، وتقديم من يعرضون الطفل لمثل هذه الأعمال إلى القضاء، مع مراعاة الحق الشرعي والقانوني للأبوين في تأديب أبنائهم.
‌د- حمايتهم من التردي في بؤرة الرذيلة بكل الوسائل التربوية، بما في ذلك العقوبة الشرعية الجنائية.
ه- حماية الأطفال من جميع أنواع الاستغلال.

وتنصّ المادة (147) على أن على الدولة حماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والاقتصادي، وعليها اتخاذ الإجراءات والتدابير المشددة لحماية الأطفال من:
‌أ- مزاولة أي نشاط لاأخلاقي.
‌ب- استخدامهم واستغلالهم في الدعارة أو غيرها من الممارسات غير المشروعة.

 

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.

 

 

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية