تعليم الفتيات في اليمن بين السلطة الذكورية والقانون
يعد التعليم من أهم ركائز نهضة المجتمعات والدول وهو حق أساسي لكل البشر كما تنص المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لذا تحرص المجتمعات المتقدمة على ضمان الحق في التعليم لكلا الجنسين دون تمييز.
ومن المهم التطرق إلى مشكلة حرمان الفتيات من حقهن في التعليم في الدول التي لا زالت تعاني من فجوة بين الجنسين في هذا المجال. فالنساء المتعلمات شريكات في بناء بلدانهن والنهوض بالاقتصاد الوطني كما أن تمكينهن من الدراسة يساهم في تسخير مواهبهن ومعارفهن لمنفعة البشرية جمعاء في كافة المجالات.
فرص النساء المتعلمات في العمل أعلى بكثير من اللاتي لم يتممن تعليمهن، وبالتالي تحقق النساء العاملات المتعلمات استقلالاً اقتصادياً يمكنهن من اتخاذ القرارات الخاصة بحياتهن ويساعدهن في دعم أسرهن مادياً، خصوصا في حال الأسر اللاتي غاب معيلها من الذكور أو أقعدتهم المشاكل الصحية عن إعالة أسرهم. ودائما ما تخلف الحروب المتعاقبة رجالا ذوي إعاقات تحول بينهم والعمل ؛ ناهيك عمن يغيبون في جبهات القتال بعيداً عن أسرهم لفترات طويلة قد تمتد لسنوات و عن أولئك الذين يغيبهم الموت في أتون الصراع. وهنا تكون المرأة هي المعيل في حال تخلي الأسرة الممتدة عن القيام بواجب النفقة على أسرة الفقيد أو الجريح.
الفجوة بين نصوص القانون ومؤشرات الواقع
العمل الفني لـ ماريا العجيلي
في المجتمع اليمني نجد أن قوة الأعراف الذكورية القبليّة التي يتم تسخير الدين بشكل مغلوط لخدمتها أقوى من حكم القانون. فاليمن تصنف في المستويات الدنيا بين بلدان الشرق الأوسط من ناحية معدلات التحاق الفتيات بالتعليم الأساسي.
وعلى الرغم من صدور القانون اليمني العام للتربية والتعليم رقم (45) لسنة 1992 الذي يساوي فيه المشرّع بين الجنسين في حق الانتفاع بالفرص التعليمية، وهو ما يضمن حق الفتاة في الحصول على التعليم بالتساوي مع الفتى بما يتفق مع رغبته/ها، إلا أن التقارير والإحصائيات الرسمية لوزارة التربية والتعليم تظهر عكس ذلك. حيث تشير بأن معدل الالتحاق بالصف الأول من التعليم الأساسي، وهي مرحلة مهمة في تشكيل حياة الطفل المستقبلية وتطوير مداركه وتنمية قدراته،قد بلغ (0.57%) في العام الدراسي 2012-2013 من إجمالي (4,706,700) طفل وطفلة.
وبالتركيز على التحاق الفتيات بالتعليم المدرسي، نجد في كتاب مؤشرات التعليم في الجمهورية اليمنية للعام 2013/2012 الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء أن نسبة الطالبات في اليمن لا تتجاوز (37%) من إجمالي عدد الملتحقين بالتعليم.
كما توضح الوثيقة الوطنية لتشجيع تعليم الفتاة أن عدد الفتيات المتعلمات في المناطق الحضرية تصل إلى (59%) في حين لا تتجاوز نسبة المتعلمات في الريف (24%). حيث بلغ معدل القبول العام لكلا الجنسين (53.60%)، و بلغت نسبة التحاق الفتيات في المرحلة الابتدائية (50.30%) للعام 2012-2013، بينما وصلت النسبة عند الذكور إلى (56.90%). وبلغ معدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي للذكور (98.2%) والإناث (83.4%).
أما في المرحلة الأساسية فإن نسبة التحاق الذكور بلغت (91.5%) بينما كانت للإناث (73.3%). ونلاحظ أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي تراجع عدد الإناث الملتحقات بالتعليم؛ فما زالت نسبة التحاق الفتيات متدنية مقارنة بالذكور. فنسبة التحاق الإناث إلى في العام 2012-2013م متدنية بالمقارنة مع الذكور الذين بلغت نسبة التحاقهم (%77.6) بالمائة لدى. وبلغ معدل الالتحاق الإجمالي للطلاب في المرحلة الثانوية (38.8%) لكلا الجنسين، حيث كانت النسبة للذكور(%45.1) وللإناث (32.1%).
ومن خلال هذه الإحصائيات، وهي لفترة ما قبل الحرب التي نعيشها منذ لسبع سنوات، نرى نسب تسرب الفتيات من التعليم تنذر بالخطر ناهيك عن أن الفتيات يعانين من تمييز مجحف وحرمان من حقوقهن في التعليم. كان الوضع هكذا قبل الحرب أما وضع التعليم حالياَ ينجرف نحو الهاوية مع تدمير المدارس وانعدام الأمان وعوامل أخرى لا مجال للتعرض لها هنا.
هل من سبيل إلى وعي مجتمعي ورسمي؟
العمل الفني لـ ماريا العجيلي
ما أود الإشارة له في الجزء المتبقي من المقال هو ضرورة الوعي والعمل على حماية حق الفتاة القانوني في التعليم خاصة في الحالات التي يحرم فيها أولياء أمورهن من الذكور من إتمام تعليمهن.
فهل يستطيع القانون ردع ولي أمر الفتاة في منعها من هذا الحق؟ وللإجابة سألت المحامية نهى ناصر عن دور القانون، فكانت الإجابة صادمة حيث أخبرتني أن القانون يحفظ ذلك الحق لكلا الجنسين، إلا أنها لم تواجه قضية واحدة تطلب فيها الفتاة حقها في ممارسة التعليم إذا منعها ولي أمرها من ذلك.
وعي الفتيات بحقهن في التعليم متدنٍ بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى طبيعة التنشئة الاجتماعية التي تُعِد تعليم الفتاة خطراً على الأعراف والتقاليد أو ترفاً لن تستفيد منه في حياتها، بما في ذلك تنشئة أطفالها لاحقاً. وينتج عن هذه الثقافة عزوف الكثيرات من الفتيات عن مواصلة تعليمهن.
لكن الكارثة تكمن في أن تمنع الفتاة من ذلك الحق وهي راغبة في مواصلة تعليمها؛ فالفتيات الراغبات في مواصلة تعليمهن لا يملكن الدعم الاجتماعي للجوء إلى القانون. بل إن مجرد الاعتراض على قرارات أولياء أمورّهن قد يعرضّهن للعنف بأشكاله المختلفة وهو ما يمنعهن من المطالبة بحقوقهن.
وفي الواقع هناك الكثير من القصص التي تسردها الكثيرات من الفتيات عن رغبتهن في مواصلة التعليم التي يصادرها أولياء أمورّهن، الذين يقضون على أحلامهن باسم الوصاية والدين. ومن المؤسف أن يستغل أولياء الأمور الوصاية التي يعنى بها بالأساس الحفاظ على حقوق الطفلات وليس حرمانّهن من الأساسيات كالتعّليم. أخبرتني إحدى الفتيات عن رغبتها الكبيرة في مواصلة التعليم، وأنها تطمح بأن تصبح طبيبة، إلا أن والدها قرر إنهاء ذلك الحلم متعذرا بأن حياة الفتاة الحقيقية ليست في التعليم وإنما في الزواج والمطبخ.
فهل يمكن جعل القانون اليمني الملجأ الآمن لعدم تدخل ولي الأمر في تعليم الفتاة؟ حين تحرم الفتاة من حق التعليم؛ فإنها تحرم الكثير من الحقوق التي تجعلها عالة، غير مستقلة، وغير قادرة على الاعتماد على نفسها، فتكون محتاجة، طيلة حياتها، لمعيل دائم قد لا تجده، وقد تلجأ مضطرة للبحث عن قوتها عبر أنشطة غير أخلاقية أو عن طريق التسول.
لقد كفل القانون اليمني حق الفتيات في التعليم؛ فلا يحق لأي شخص حتى لو كان ولي الأمر أن يسلبها ذلك الحق الذي يحميها ويحفظ كرامتها. إن تعليم الفتاة ليس مجرد قضية عادية أو مستهلكة؛ فالتعليم هو الخطوة الأولى لنهضة أي مجتمع، والمرأة هي النصف لذلك المجتمع الذي تربي نصفه الآخر.