تعرضن للعنف مرتين.. ضحايا نشر الخصوصيات بمبرر المناصرة
“فضحوني، وشوهوا سمعتي وأصبحت ضحية في مجتمع لا يرحم وجلست أبكي، أثروا على أسرتي وأصبح الناس ينظرون لنا نظرة دونية واحتقار”، بهذه الجمل اختزلت الضحية الشابة فاطمة (اسم مستعار) قصتها مع نشر خصوصياتها في مواقع التواصل الاجتماعي.
تعرضت فاطمة لاعتداء جنسي، ونشرت تفاصيل ما تعرضت له في مواقع التواصل الاجتماعي مع صورها واسمها ومكانها؛ لتصبح بعد ذلك ضحية لاعتداء من نوع آخر، أكثر ضررا وخطرا، وهو نشر خصوصياتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتداول متصفحي المواقع لخصوصياتها وتفاصيل الاعتداء الذي تعرضت له.
الاعتداء الجنسي الأول الذي تعرضت له فاطمة كان يعلمه عدد بسيط من الناس الذين حولها، أما بعد نشر ما تعرضت له مع خصوصياتها في مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الجميع يعرف ما تعرضت له، بالإضافة إلى أن ما نُشر وتداوله الناس في مواقع التواصل يبقى محفوظا إلى ما لا نهاية.
شعور بالخجل
يقول قريب أحد الضحايا “الفرد يشعر بالخجل من نشر المعلومات الشخصية للنساء، وأثناء تناول الناس لقضية الفتاة التي تقرب لي في وسائل التواصل الاجتماعي شعرنا بالضعف والخيبة”، “شعور بالغضب من المجتمع والبلد الخالي من الأمن العام والإلكتروني”، “عانيت وما زلت أعاني على مدى عامين من اكتئاب حاد، وتدمرت حياتي الاجتماعية تماما، ولا أرضى أن يعايرني أحد، وما حدث لا يعطي الحق لأي شخص بمعايرتي” اختزلت سارة (اسم مستعار) قصة معاناتها مع نشر خصوصياتها في مواقع التواصل الاجتماعي.
ما بين وقت وآخر يتم تداول على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي خصوصيات فتيات تعرضن للعنف، ونظرا للجهل بمخاطر نشر الخصوصيات يعتقد المتفاعلين أنهم ينصرون الضحية، لكنهم بالحقيقة يجعلونها ضحية لعنف جديد، وهو إخبار كل الناس بما تعرضت له من عنف، لتتحول بعد ذلك إلى وصمة عار تلاحق الضحية؛ لأننا في مجتمع تقليدي.
ضحايا جدد
زادت مؤخرا عدد النساء والفتيات اللاتي تعرضن للعنف ونُشرت أخبارهن في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، مما عرّض حياتهن وسمعتهن للخطر، وبلغ عدد النساء اللاتي سجّلهن اتحاد نساء اليمن بمحافظة أبين (جنوب اليمن) 21 فتاة وامرأة، وفقا لأمين عام اتحاد نساء اليمن بأبين عديلة أحمد خضر.
بعض الناشطين والصحفيين ينشرون في الانترنت على أساس مناصرة الضحايا، لكنهم في الوقت نفسه يجرحون ويعنّفون المرأة بنشر خصوصياتها للعالم تضيف عديلة، ما يؤكّد غياب التوعية بخطورة نشر الخصوصيات في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
الدودحية التاريخية
لا يزال اليمنيون يتذكرون حكاية الدودحية منذ زمن طويل، وهي حكاية عن فتاة أحبت ابن عمها وهو شاب فقير، إلا أن أباها رفض زواجهما، ليقيما بعد ذلك علاقة وتحبل منه وتُجرّم،
وانتشر خبرها في كل أرجاء اليمن بالأشعار الشعبية، إلا أن الأمر المؤلم أن قبيلة الدودحي غيرت اسمها واختفت بوادي “بَنا” ليحمل أفرادها ألقاباً غير ألقابهم بسبب الإعلام الذي أساء إليهم، وأصبحوا يحملون ألقاباً أخري إلا فيما ندر وفقا للكاتب منير طلال
“مش أنتي اللي قبل فترة حصلت لك مشاكل في اليمن؟”، “على سبيل المثال، مثل هذه الأسئلة تظل تلاحق الواحد لما يموت” تختصر الناشطة إحسان جمال تبعات نشر خصوصيات فتيات ونساء تعرضن للعنف في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام.
غياب الثقافة الرقمية
يتفق من تحدثنا معهم في أن غياب الثقافة الرقمية وقلّة التوعية بمخاطر نشر الخصوصيات في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أحد الأسباب الكبيرة الرئيسية خلف نشر خصوصيات من تعرضن للعنف وبشكل مستمر.
خلال تتبعنا لضحايا عنف نشرت خصوصياتهن في مواقع التواصل الاجتماعي، وجدنا عددا من الإناث الصغار اللاتي تعرضن للعنف نشرت خصوصياتهن بشكل مهول، ما يعرض حياتهن للخطر والأضرار النفسية، وهناك نصوص في قوانين رعاية الأحداث وقانون الطفل تمنع حتى من نشر التجاوزات القانونية للأحداث (الأطفال في مساس مع القانون)، كذلك إن كان موقعهم القانوني هم الضحايا فوضعت التشريعات القانونية شروطا ومعايير للنشر، منها على سبيل المثال الإشارة للضحية أو الناجية من العنف باسم وهمي أو عدم ذكر اسمها إلا بالأحرف الأولى وتمويه الصور، وعدم نشرها بتاتا لأنها توصم مستقبلا، واعتبر قانون رعاية الأحداث وقانون الطفل في المادة 39 أن الجنح والمخالفات التي يأتي بها الأطفال في مساس مع القانون ليست من جرائم العود (يقصد بها إذا ارتكب الحدث جنحة أو مخالفة لا تسجل بصحيفته الجنائية ولا يعتبر من أصحاب السوابق)
تحدّث لنا مصدر مطلع على قضية طفلة تعرضت لعنف وانتشر ما تعرضت له من عنف في الإنترنت، عن عزم أسرتها تقديم بلاغات بكل من نشر خصوصيات طفلتهم ومحاكمتهم، لأن الطفلة تشوهت سمعتها.
قوانين تمنع
تنص المادة (٤٢) من قانون رعاية الأحداث اليمني النافذ على أنه “يحظر نشر اسم وصورة الحدث أو نشر وقائع المحاكمة أو ملخصـها في أية وسيلة من وسائل النشر”، وتحظر المادة 103 من قانون الصحافة والمطبوعات اليمني نشر ما يمس كرامة الأشخاص والحريات الشخصية بهدف الترويج والتشهير الشخصي وتشويه سمعة الأشخاص، فيما يؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على احترام حقوق الآخرين.
تجاوز الإعلام
تؤكد أستاذة الإعلام، سامية الأغبري أنه عادة ما تُخترق الخصوصيات بشكل كبير جدا في الإعلام، لمن يتعرضون للعنف، وأنه يفترض من الناشطين والصحفيين عندما ينشرون عن قضايا الفتيات، أن يدركوا أننا في مجتمع محافظ وينظر للمرأة نظرة دونية وقاصرة.
وتشدد الأغبري على عدم نشر أي خصوصيات سواء للمرأة أم الرجل في الإعلام تمس من كرامتهم أو مكانتهم في المجتمع، خصوصا خصوصيات المرأة لأنها ستتعرض لمضايقات كثيرة من أهلها أو المجتمع، وحتى المعلومات التي لا تمس كرامة الأشخاص يجب أخذ موافقتهم قبل نشرها.
نحن مجتمع محافظ وقبلي، فمثلا في أي دولة أخرى إذا نشرت صورة فتاة وشعرها ظاهر وهي ليست متحجبة قد يعتبر أمرا عاديا، لكن عندنا في اليمن بسبب العادات والتقاليد إذا نشرت صورة فتاة حتى وهي محجبة، قد يؤدي ذلك أحيانا إلى القتل، ونعرف حالات تعرضت للقتل، بسبب نشر صورهن وبعض القبائل تعتبر هذا الشيء عارا كبيرا على الأسرة ويقومون بقتل البنت حتى لو كانت ضحية، وفقا للناشط في الحقوق الرقمية فهمي الباحث.
غياب جهة الاختصاص
أما عن نشر الخصوصيات، فيقول فهمي الباحث في الوضع الاعتيادي بباقي الدول هناك جهات أمنية مختصة في الجريمة الإلكترونية، وهي مَن تقوم بمتابعة هذا الأمر، والتواصل مع المواقع التي نشرت، ويستطيعون إخراج بيانات الاشخاص وتتبعهم أمنيا، لكن نحن في اليمن للأسف لا يوجد أي جهة حكومية مسؤولة أو مختصة لديها القدرات التقنية اللازمة لتتبع مثل هذه القضايا.
محاذير النشر
تشدد الصراري التي تشغل أيضا رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، على ضرورة مراعاة عدم النشر بالاسم أو الصور والالتزام بالمعايير التي يتّخذها المسار القانوني في أي واقعة أو دعوى، وهكذا يقاس عليه في قضايا العنف الأسري المتعلق بالناجيات الفتيات والنساء، وينبغي مراعاة الخصوصية للضحية وأسرتها ومراعاة الأعراف والقيم والعادات المجتمعية، بسبب الآثار السلبية الناتجة عن النشر والتشويه، مؤكدة على ضرورة تفعيل آليات حماية النساء الناجيات من العنف وتفعيل دور المؤسسات الرسمية.
عند نشر خصوصيات فتيات أو نساء غير موافقات على تعريض خصوصياتهن للنشر والإعلان، فيحق لهن رفع شكوى النيابة في قضية تشهير، وهذه جريمة يعاقب عليها في قانون الجرائم والعقوبات اليمني.
يتوجب على الناشطين والصحفيين مراعاة خصوصية قضايا العنف ضد النساء والفتيات في مجتمعاتنا، لما لها من خصوصية بالغة، والمضي بالإجراءات القانونية كمرحلة أولى والتقيد بالسرية مراعاة لخصوصية الضحايا وأسرهن ووضعهن الاجتماعي، وتوعية الضحايا بالآثار المتعلقة بنشر خصوصياتهن.
توصي الصراري بضرورة إنشاء مكاتب تتولاها النساء في مراكز أقسام الشرط، لتلقي البلاغات والشكاوى المتعلقة بقضايا العنف الأسري ضد النساء والفتيات، وتطوير قنوات وخدمات الإحالة وإنشاء الخط الساخن للحالات التي لا تستطيع الحضور لمراكز أقسام الشرط وتعاني صعوبات.
يشير فهمي الباحث إلى أنه في حال نشرت حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع إلكترونية خصوصيات لضحايا، فعلى الضحايا أو ذويهن القيام بمراسلة الناشرين وطلب منهم حذف ما نشر.
أضرار نفسية
عن الأضرار النفسية التي تتعرض لها ضحايا عنف نشرت خصوصياتها في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، يشير الاختصاصي والاستشاري النفسي صخر طه إلى وجود أضرار نفسية وخيمة، وهو الشعور بالنقص وعدم تقبل الضحية لنفسها وذاتها وشعورها بوصمة العار، ورغبتها بالابتعاد والانطواء من الناس، ودخول الضحايا في اكتئاب وحالات نفسية شديدة قد ربما توصلها إلى الانتحار.
للنشر أيضا مخاطر اجتماعية، منها وصمة عار للضحية مدى الحياة تجعل الضحية دائما غير واثقة من نفسها، وغير مندمجة مع العالم، وعدم تقبل العالم لها أو نظرة الناس لها نظرة الرحمة أو الازدراء، وفقا لصخر، وقد دعا جميع وسائل الإعلام للاحتفاظ بخصوصيات الضحايا وأن لا نكون نحن جناة على الضحايا أكثر من الجناة الأولين.
تقارير دولية
يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى ارتفاع العنف ضد المرأة بنسبة 63% في المئة منذ تصاعد الصراع في اليمن، فيما تشير منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير ” اليمن احداث عام 2019″، إلى أن النساء في اليمن قبل النزاع واجهن تمييزًا شديدًا في القانون والممارسة، وأدت تصرفات الأطراف المتحاربة إلى تفاقم التمييز والعنف ضد النساء والفتيات، واتهمت أطراف النزاع النساء بالدعارة والاختلاط والفجور باستخدام مصطلحات مهينة كجزء من تهديداتهن العلنية ومضايقاتهن ضد المعارضين.
مستوى متدنٍ عالميا
تحتل اليمن المرتبة 160 من 189 دولة في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين، من ضمن أوجه عدم المساواة بين الجنسين في اليمن قد تخضع المرأة لتقييد حركتها وقد تخضع في طفولتها إلى تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) أو الزواج القسري، بالإضافة الى العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفقا لبرنامج الامم المتحدة الإنمائي.
وتُعد الإناث المحتجزات قانونيا مذنبات، ويُحتجزن بدون محاكمة ولا يمكنهن الاتصال بمحام، ومن المحتمل أن تخضع السجينات لحراس ذكور للإشراف عليهن، وقد يواجهن كثيرا من انتهاكات لحقوق الإنسان، كما أنه من المعتاد أن تتخلّى أسر السجينات عنهن، خصوصا أولئك اللاتي ارتكبن جريمة أخلاقية تتعلق بالشرف.