وسائل النقل في اليمن | كابوس النساء اليومي
أصبحت المعاكسات لا تقتصر على الشارع العام بل تتعدى ذلك إلى الباصات التي تعد أهم وسائل النقل للجميع، وبذلك أصبحت وسيلة للالتقاء بين الذكور والإناث، حيث سهل من مهمة البعض في التطاول والتعدي على الآخر، سواءً بالكلام أو بالتحرش الجسدي، وهذا ما تتحدث عنه مروى خالد (اسم مستعار) حول ما حدث لها عند صعودها الباص في صنعاء للذهاب إلى زيارة صديقتها المريضة، لتفاجأ بيد تطالها من خلفها بلمسات تحرشية مما جعلها تفكر بطريقة ذكية وذلك بطعنه بخنجر متواجد في حقيبتها، الأمر الذي سبب له جرحًا بليغًا على إثره أوقف الباص وأسرع بالنزول. وتضيف مروى: “أنها دائمًا تحمل الخنجر في حقيبتها لسماعها قصص التحرش في وسائل النقل وهروب المتحرشين من العقاب”.
ربيع الجنيد، باحث اجتماعي لدى مركز ذاكرة للتوثيق والإعلام يرى أن ظاهرة التحرش بالباصات لا تختلف في أسبابها عن ظاهرة التحرش بشكل عام، فالأسباب عديدة ومتأصلة في الثقافة الجمعية للمجتمع، منها نظرة المجتمع للمرأة مما يجعل الكثيرين ينظرون إليها من زاوية الرغبة الجنسية فقط، ويجردونها من كل حقوقها الأخرى، وربما يعود ذلك إلى الكبت والحرمان الذي يعاني منه البعض مما خلق علاقة غير طبيعية بين الجنسين.
تأثيرات نفسية
وتتسبب المعاكسات في الباصات في إحداث شعور بالاضطراب والقلق لدى النساء، وقد تؤدي إلى تأثيرات نفسية سلبية مثل الخوف، وانخفاض الثقة بالنفس، والاكتئاب والعقد، وأيضاً الرهاب وهو ما حصل مع فتحية أحمد (اسم مستعار) التي تروي قصتها مع الباصات، تقول: “في أحد المشاوير تعرضت لتحرش في شارع بصنعاء، حدث ذلك عند ركوبها باص به عدد قليل من الناس وإلى منتصف الطريق أراد السائق أخذها مستغلًّا تواجدها بمفردها معه غير آبه بصرخاتها لإنزالها وقيادته بسرعة جنونية، مما أدى بها إلى التفكير برمي نفسها من الباص مما سبب لها كسورًا في يدها وخدوش في بعض ملامح وجهها، وتمكن السائق من الهرب، وبذلك لم تذهب فتحية للتبليغ عنه خوفاً من النظرة الدونية التي ستتكون لدى المجتمع عنها وعن أسرتها والتي قد تخلق العديد من القصص والإشاعات حولها وحول ما حدث”.
ويشير الدكتور صالح الحديدي، أستاذ مساعد التمريض النفسي، أن هذه التجارب مؤذية للصحة النفسية والعاطفية، ويمكن أن تؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد قد تصل إلى الانتحار، فيجب تشجيع النساء على التحدث عن تجاربهن ومشاركة مشاعرهن المرتبطة بالمعاكسات والتبليغ عن أي حالة تعرضن لها، كما يجب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للتعافي من تجاربهن حيث أن الأضرار قد تفقد المرأة ثقتها بنفسها، ولايمكن أن تكون عضو فاعل في بناء المجتمع.
وفي ظل المجتمع اليمني الذي تحكمه عادات وتقاليد تجبر الفتيات اللواتي يتعرضن لتلك التحرشات على السكوت حتى وإن تعرضن للموت الذي قد يكون أهون عليهن من الحديث عن ما تعرضن له! فالعيب أن تتحدث الفتاة الضحية وليس عيبًا أن يحاسب المجتمع والقانون من يقوم بتلك الأفعال.
وعلى ضوء ذلك يقول، ماجد الحرازي، مرشد تربوي، أن علاج الظاهرة يكمن في إحداث ثورة وعي وثقافة إيمانية تبدأ من الأسرة، والمدرسة، والجامعة، مع زيادة التوعية والتثقيف في كل الوسائل المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والمراقبة التامة على وسائل المواصلات وأخلاقيات سائقيها والتشهير بمن يتحرش بأي فتاة.
وأشارت تقارير صادرة عن مؤسسة وجود للأمن الإنساني في نهاية العام 2018م، شمل 9 محافظات يمنية، أن 90% من النساء يتعرضن للتحرش، كنوع من أنواع العنف المجتمعي. فلم تقتصر هذه الظاهرة على الأسواق ووسائل النقل فحسب، بل وصلت إلى الحرم الجامعي ومرافق العمل.
ونصت القوانين اليمنية على مواد تعاقب من يقوم بأي أعمال تطال الأنثى دون رضاها، حيث يقول المحامي فؤاد عبده الجعفري: “التحرش الجنسي من الأفعال المحرمة شرعاً وقانوناً في مجتمعنا اليمني المحافظ وبالأخص التحرش في وسائل المواصلات العامة والتي تندرج تحت قانون الجرائم والعقوبات اليمني، ونصت المادة رقم 274) من قانون العقوبات اليمنية الصادر عام 1992م على عقوبة الفعل الفاضح: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة، كل من أتى فعلاً فاضحاً علانية، بحيث يراه أو يسمعه الآخرون”.
ونصت المادة رقم (275) من نفس القانون على عقوبة الفعل الفاضح مع أنثى: “يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة، كل من أتى فعلاً فاضحاً مع أنثى بغير رضاها، فإذا كان الفعل عن رضى منها، يعاقب الاثنان بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بالغرامة المالية المناسبة.”
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية