فرض الزواج من أبناء القبيلة| عبء اجتماعي يعيق حياة الفتيات في اليمن
فرض الزواج من أبناء القبيلة: عبء اجتماعي يعيق حياة الفتيات في اليمن
في المجتمعات القبلية التي لا تزال تشكل جزءًا كبيرًا من التركيبة الاجتماعية في اليمن، يعد الزواج من أبناء القبيلة أمرًا غير قابل للتفاوض بالنسبة للعديد من العائلات. هذه العادة التي تُفرض على الفتيات منذ الصغر، تضعهن أمام خيارات محدودة وأحيانًا مستحيلة، حيث يُجبرن على اختيار شريك حياتهن من دائرة ضيقة للغاية وهي دائرة أبناء القبيلة فقط، حتى وإن كان ذلك على حساب حياتهن العاطفية أو الاجتماعية. تظل العادات القبلية حاكمة على معظم جوانب حياة الفتيات، فالعروس يجب أن تكون من نفس القبيلة، وهذا يعني أن فرصهن في الزواج من خارج هذه الحدود تكون شبه معدومة، حتى وإن اضطرتهن تلك القوانين الاجتماعية إلى العيش في حياة العزوبية أو العنوسة.
العادات القبلية: فرض الزواج على الفتيات
في العديد من القرى والمناطق الريفية في اليمن، يُعتبر الزواج من خارج القبيلة محرمًا بل ويُعد عيبًا اجتماعيًا. تقول فاطمة (20 عامًا) من محافظة إب: “منذ أن كنت صغيرة، كان والدي يتحدث عن ضرورة الزواج من شخص من نفس قبيلتنا. لم أكن أستطيع أن أتخيل أنني قد أجد نفسي في موقف يُطلب مني الزواج من شخص آخر خارج القبيلة”. هذه النظرة المجتمعية تجعل الفتيات في وضع حرج، حيث يُجبرن على قبول واقع فرض عليهن، ويتم حرمانهن من حرية الاختيار في شريك الحياة.
العواقب الاجتماعية والنفسية
يترتب على هذا النظام الاجتماعي المفروض العديد من العواقب النفسية والاجتماعية على الفتيات. تقول هند (24 عامًا) من محافظة تعز: “لقد كبرت وأنا أسمع عن هذه القوانين العائلية، وأصبحت لا أرى أي فرصة لي في الزواج سوى من أبناء قبيلتي. والآن وأنا في هذا العمر، أجد نفسي في حالة من العنوسة بسبب أنني لا أرى فيمن حولي من أبناء القبيلة ما يناسبني”. هذه القيود تؤدي إلى شعور الفتيات بالعزلة، حيث يتعذر عليهن تكوين علاقات خارج إطار القبيلة، مما يزيد من فرص تأخر الزواج أو العيش في عزوبية مستمرة.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه الممارسات لا تتوقف عند حدود الفتيات اللاتي يعانين من العنوسة، بل تشمل أيضًا أي محاولة للتغيير أو تحدي هذه العادات. تقول مريم (22 عامًا): “إذا حاولت التفكير في الزواج من شخص من خارج القبيلة، سأواجه رفضًا شديدًا من عائلتي وحتى من المجتمع. غالبًا ما يعتبرونني قد أسأت إلى شرف العائلة وسمعتها”. مثل هذه العواقب الاجتماعية تؤثر على الفتيات بشكل كبير، وتحد من قدرتهن على اتخاذ قرارات حرة في حياتهن العاطفية.
الضغط العائلي والتقاليد التي تفرض القوانين
في المجتمعات القبلية، غالبًا ما تكون الضغوط العائلية والقبلية هي العامل الأساسي في اتخاذ قرارات الزواج. تقول سارة (18 عامًا) من محافظة الحديدة: “إذا لم أتمكن من الزواج من شخص من قبيلتي، سأواجه انتقادات شديدة من عائلتي. الجميع في القبيلة يتوقعون مني أن ألتزم بهذه القواعد”. هذا الضغط العائلي يجعل الفتيات في وضع صعب، حيث يتم تقييد حريتهن في اختيار شريك الحياة، وتصبح العائلة وأعراف القبيلة أكثر أهمية من رغباتهن الشخصية. وتضيف سارة: “أشعر أحيانًا أنني ضائعة بين رغباتي الشخصية وما تريده قبيلتي لي”.
التأثير على فرص التعليم والعمل
هذه القيود لا تقتصر على الزواج فقط، بل تؤثر أيضًا على فرص التعليم والعمل. فغالبًا ما يُنظر إلى الفتاة التي ترفض الزواج المبكر من أبناء القبيلة على أنها خارجة عن المألوف، ما يؤدي إلى تهميشها في بعض الأحيان أو وضعها في موقف اجتماعي معقد. تقول سلمى (19 عامًا) من محافظة مأرب: “حلمي أن أعمل في مجال الإعلام أو التعليم، لكن كلما حاولت السعي وراء ذلك، كنت أواجه انتقادات من المحيطين بي. الزواج المبكر من أبناء القبيلة كان دائمًا في مقدمة أولوياتي في نظر عائلتي”. مثل هذه التحديات تجعل الفتيات يواجهن صراعًا داخليًا بين طموحاتهن الشخصية وبين الضغوط الاجتماعية التي تطالبهن بالتقيد بالتقاليد.
العنوسة كخيار مؤلم
لعديد من الفتيات، يصبح خيار العنوسة خيارًا مريرًا نتيجة لرفضهن أو عجزهن عن التوافق مع هذه الأعراف. تقول يمنى (26 عامًا) من صعدة: “لقد وصلت إلى مرحلة من حياتي حيث أصبحت أسأل نفسي: هل سأظل عازبة طوال حياتي فقط لأنني لا أستطيع الزواج من أحد أبناء قبيلتي؟”. بعض الفتيات يواجهن خطر العنوسة ليس بسبب عدم قدرتهن على إيجاد شريك مناسب، بل بسبب القيود التي تفرضها أعراف المجتمع القبلي، والتي تجعل من الصعب عليهن اختيار شريك حياتهن بحرية.
دعوات إلى التغيير والتوعية
رغم هذه التحديات، تزداد الدعوات لتغيير هذا النظام الاجتماعي القاسي الذي يفرض الزواج من أبناء القبيلة فقط. تنادي بعض المبادرات الحقوقية والمدنية بضرورة توعية المجتمع بأهمية حق الفتاة في اختيار شريك حياتها بحرية. تقول هالة سعيد، ناشطة حقوقية: “يجب أن نعمل على تغيير هذه العادات التي تقيد حياة الفتيات وتمنعهن من اتخاذ قراراتهن بحرية. الفتاة يجب أن تكون قادرة على اختيار شريك حياتها بناءً على الحب والاحترام المتبادل، وليس فقط وفقًا لانتمائها القبلي”.
فرض الزواج على الفتيات من أبناء القبيلة فقط، وعدم السماح لهن بالزواج من غيرهم حتى وإن اضطرهن ذلك إلى العنوسة، هو قيد اجتماعي صارم يعوق حرية المرأة اليمنية ويقيد خياراتها في الحياة. إن هذا النظام لا يضر فقط بحياة الفتيات العاطفية، بل يحد أيضًا من فرصهن في التعليم والعمل. لكن مع زيادة الوعي الاجتماعي والحراك النسائي، قد تبدأ الخطوات نحو تغيير هذه الممارسات التي تعيق تقدم المرأة في المجتمع، ويأمل الكثيرون أن تتحقق تلك التغييرات قريبًا.