”زوجوه يعقل“… معتقدات اجتماعية تفاقم العنف ضد النساء
في 6 أكتوبر 2021، تمكنت مرام محمد (25 عاماً) من الهرب من منزل زوجها في محافظة الجوف، ولحظة وصولها مساءً إلى منزل أهلها في مدينة صنعاء، بدت مضرجة بدمها، وآثار الاعتداء ظاهرة على جسدها، فأسعغت فوراً إلى مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، الذي قرر إجراء عملية استئصال لرحم مرام التي صارت غير قادرة على الإنجاب نتيجة تعرضها لاعتداءات جسدية وجنسية من قبل زوجها المريض نفسياً.
تقول مرام لـ“يمن سايت”: “ظننت أنني سأعيش ككل النسوة، وسأحظى بشريك حياة أتقاسم معه الحب والسعادة، لكن كل ظنوني وأوهامي تلاشت، فقد اكتشفت بعد أسبوعين من الزواج، أني زوجت برجل يعاني من حالة نفسية”.
مرام محمد (اسم مستعار) واحدة من آلاف النساء تعرضن لعنف أسري بسبب اضطرابات نفسية لدى أزواجهن، فبدلاً من معالجة الشبان المضطربين نفسياً، يتم تزويجهم عملاً بـ“زوجوه يعقل”، وهو قول شعبي تتوارثه الأجيال، ما يؤدي إلى مفاقمة العنف ضد النساء.
أفكار رجعية
يقدر قضاة وقاضيات ومحامون، التقتهم معدة التقرير، نسبة قضايا العيب بسبب الجنون، بحوالي 10% من إجمالي القضايا المعروضة أمام محاكم الأحوال الشخصية. وتعطي المادة 47 من قانون الأحوال الشخصية، لكل من الزوجين طلب الفسخ إذا وجد بزوجه عيباً منفرداً، سواء كان العيب قائماً قبل العقد، أو طرأ بعده، ويعتبر عيباً في الزوجين معاً الجنون والجذام والبرص، ويعتبر عيباً في الزوجة القرن والرتق والعفل.
يرى أستاذ التشريع الجنائي بجامعة صنعاء الدكتور عبدالمؤمن شجاع الدين، أن الأساس في تشريع الخطبة الإسلامية هو التعارف بين المقبلين على الزواج، وتبين شخصية أحدهما للآخر، والتحاور في ما بينهم، والذي يجعلهم في نهاية الأمر يعرفون وجهتهم من هذا الزواج، إلا أن “الأفكار الرجعية” السائدة داخل المجتمع اليمني، مازالت تمنع تواصل الرجل والمرأة قبيل الزواج، وفي فترة الخطبة، وتعده عيباً يمس شرف الأسرة، حسب قوله.
في الفترة ما بين عام 2019 وحتى منتصف العام الجاري، نظرت محكمة شمال الأمانة الابتدائية في صنعاء لوحدها في 1200 قضية فسخ زواج بسبب عيب جنون في الزوج، بحسب إحصائية حصلت عليها معدة التقرير، منها 900 قضية لزوجات لم يبلغن بعد سن الثامنة عشرة، فيما بلغ عدد النساء اللاتي تقدمن بدعاوى فسخ مقرونة بالتعويض عن ضرر جسدي، 150 امرأة.
يؤشر هذا الرقم إلى اتساع ظاهرة الزواج من مرضى نفسانيين، وهو ما يؤكده لـ”يمن سايت” المحامي هاشم العزي. مشيراً إلى أن هذا يحدث “برغم أن الكثير من النساء لا يعلمن أن القانون يعطيهن الحق في فسخ هذا الزواج بسبب عيب الجنون”، حسب قوله.
فحص ما قبل الزواج
نهاية يونيو الماضي، أقرت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إلزام مواطنيها بإجراء فحوصات طبية قبل الزواج، إلا أن الفحوصات المقرة من وزارة الصحة والسكان لا تشمل الأمراض النفسية، لذلك يقترح شجاع الدين إضافة فحص طبي نفسي أيضاً.
يقول شجاع الدين لـ”يمن سايت”: “لا يعقل أن يتورط شخص بزواج شريكه إذا تبين له مرضه النفسي، فبدلاً من خوض تجربة زواج فاشلة يصدم فيه الزوجان بالحالة المرضية لأحدهما، فإنه يستحسن السؤال المتكرر، وجعل التواصل بين الشريكين أولوية”.
تشرح مرام كيف كان زوجها يعاملها كلما أصيب بنوبة، قائلة: “كان يضربني ضرباً مبرحاً، حاولت إبلاغ أحد أفراد أسرتي بما أتعرض له من زوجي، عبر الهاتف، لكن أهل الزوج أخذوا هاتفي مني، وأطبقوا عليَّ الخناق، وأخبروني بصريح العبارة: الولد مريض نشتيك تهتمي فيه وتعقليه وإلا ما فائدتك؟!”.
وفي محاولة لإخفاء حقيقة إصابة زوج مرام بمرض عقلي، أخبرتها عائلته أن سحراً قد أصابه. “كانوا يحاولون إخفاء مرضه النفسي الذي ظهر لي جلياً حين ضربني ذات مرة بقطعة خشب”؛ تقول مرام.
وعندما حاولت مرام العودة إلى منزل أهلها في صنعاء، تعرضت للضرب من أسرة الزوج “حبسوني في غرفتي، وظل زوجي يعتدي عليَّ جنسياً وبدنياً بطريقة وحشية، بعدها حملت منه، لكنه استمر في الاعتداء عليَّ حتى وأنا حامل، لكنني لم أستطع إنقاذ الطفل الذي في بطني، كونه تهجم عليَّ، مما جعلني أفقد وعيي، لتأتي الصدمة لاحقاً بأن ما تعرضت له من عنف وضرب من زوجي المريض النفسي وأسرته، لم يسلبني فقط طفلي الأول، بل فقدت الشعور بالأمومة نهائياً”.
جنون تحجبه الأدوية
نهلة سعيد (24 عاماً) فتاة من منطقة بعدان، محافظة إب، قادها حظها العاثر بعد وفاة والديها إلى الارتباط بزميل لأخيها العامل في المملكة العربية السعودية.
لم تكن نهلة تدرك أن الرجل الذي تزوجته يعاني من حالة نفسية، إلا بعد مهاجمته لها بعد شهرين من الزواج “بدأ يفقد صوابه، ويكلم نفسه، ويعتدي عليَّ بالضرب، ثم يدخل إحدى الغرف، ويحبس نفسه، ويمنع أي أحد من الدخول لساعتين أو ثلاث، وحين يخرج من الغرفة يبدو إنساناً طبيعياً، ويستمر على هذا الحال أسبوعاً، بعدها يعود لما كان عليه من قبل”؛ تقول نهلة لـ”يمن سايت”.
في أحد الأيام، عثرت نهلة على أدوية في حقيبة زوجها، تُستخدم لعلاج حالات الانفصام النفسي. وعندما واجهته بها كانت ردة فعله مزيداً من الضرب، ما أدى إلى إصابتها بكسر في الكتف، وإصابات متفرقة على جسدها، حسب قولها.
ولئن انتهت حياة نهلة الزوجية بالتقدم بدعوى طلب الفسخ أمام المحكمة المختصة، إلا أن طلاق مرام تم باتفاق بين الأسرتين، دون الذهاب إلى المحكمة، مقابل تنازل أسرة الزوجة عن التعويض المادي.
إجبار على التحمل
آية الزهيري (24 عاماً)، طالبة في كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء، تروي لـ”يمن سايت” كيف أن والدتها تحملت مرض والدها الذي تبين بعد الزواج أنه يعاني من مرض نفسي.
تقول الزهيري: “حاولت أمي العودة إلى منزل أهلها، لكن عودتها قوبلت بالرفض، لقد أرغموها على العودة، وتحمل ما تعانيه، قائلين لها: لا أحد سيقبلك، وإن قبلناك كيف سنقبل طفلك ابن زوجك المجنون، ومن سينفق عليه. برغم أنهم من قاموا بتزويجها دون أخذ رأيها”.
وبحسب شجاع الدين، فالعادات والتقاليد الظالمة التي يعتنقها المجتمع، هي المتهم في استمرار هذه الظاهرة. فعلى الرغم من أن القانون وضع حلولاً، وأعطى المرأة الحق في فسخ هذا الزواج، “لكن ما يقوم به المجتمع من إخفاء أمر المرض النفسي، وعدم مصارحة أهل الزوجة بالأمر، يجعل الأمر أكثر صعوبة”.
جنون مجتمعي
القاضية تهاني الوليد، قاضية الأحوال الشخصية في محكمة جنوب غرب أمانة العاصمة صنعاء، تقول لـ”يمن سايت”، إن “زواج المجنون قانونياً لا بد أن يقترن بإذن من القاضي قبل الزواج، كون القاضي يقدر المصلحة في تزويج المجنون، ولكن هذا لا يحدث غالباً، فهذا النوع من الزواج يتم خفية، بحيث لا يعلم أهالي الزوجة بجنون الزوج، والذي قد يكون بصورة جنون متقطع، أو حالة نفسية لا يعلم بها إلا المحيطون به، الذين يعملون على إخفاء مرضه، ولذلك أعطى القانون الحق للمرأة بالفسخ في أي وقت تحقق علمها بجنون الزوج بمختلف أنواع المرض النفسي، سواء كان جنونه قبل العقد أم طرأ بعد العقد، فلا يسقط حقها في الفسخ.
ووفقاً للقاضية الوليد، فإن محاربة هذه الظاهرة تبدأ من الأسرة، ثم بالعمل على تفعيل القانون، فلا يقدم أحد على تزويج ابنته من شخص لا يعلم عقله من جنونه، لكي يتدارك الأخطاء التي قد تقع مستقبلاً، فبدلاً من البحث عن نجاة مشروطة من القضاء عبر إثبات حالة المرض النفسي، والذي يعد نوعاً من الجنون، عبر عرض الشخص على لجنة طبية، وإثبات جنونه، ثم طلب تعويض عن الحق الشخصي والمعنوي الذي مس المرأة بهذا الزواج، فمن المستحسن عدم تزويج الفتاة قبل التحري عن الزوج وعن حالته النفسية.
أستاذة علم النفس في جامعة صنعاء، إيمان البكاري، تؤكد وجود تأثير نفسي يلحق بالزوجات نتيجة اضطرابات الزوج النفسية، موضحة لـ”يمن سايت” أن هذا التأثير قد يصل في حالات كثيرة إلى إصابة الزوجة بجنون جزئي، كانفصام حاد أو تعدد في الشخصيات، أو الجنون الكلي، “فالمرأة تتأثر نفسيتها بسبب هذا الزواج، حتى وإن لم يصاحبه اعتداء جسدي، لأن المرأة بطبيعتها تحتاج إلى من يسندها”؛ تقول البكاري.
ووفقاً للبكاري، فإن “الاعتداء الجسدي والتعنيف والضرب، وما يصاحبه من إتلاف بعض الأعضاء أو تشويه الجسد، الذي تتعرض له المرأة بسبب هذا النوع من الزواج، لا يخلق إلا مزيداً من المرضى النفسيين.