مواد غرفة أخبار الجندر

20
نوفمبر

الأدب النسوي في ذمار ..إنتاج متجدد وحضور رغم الحرب

 صقر أبوحسن

 

“في زمن الحرب نحاول التمسك بالحياة من خلال استمرارنا بالكتابة”، هكذا ترى الأديبة حنان أحمد الحداء واقع الأدب بعد سبع سنوات من الحرب التي تعصف باليمن.

الشاعرة حنان أحمد، واحدة من الأديبات في مدينة ذمار اللواتي وضعن لهن بصمات في الساحة الأدبية من خلال إصدار مؤلفات في توقيت انصرف الكثير من ميدان الأدب والفعل الثقافي إلى ميادين أكثر جدل.

وتصف تجربتها في الكتابة كـ “حياة أخرى تعيشها وتعيشك”، وتعتقد أنها ما تزال دائما في “حالة بداية وتجدد”.

نكتب لنقاوم الموت

تقول: كانت تجربة إصدار كتاب تحت ظل وضع قهري من جميع الجوانب العامة والخاصة لها أثر ايجابي في نفسي، ونكتب لنقاوم الموت والحزن والعوائق الكثيرة يوميا للبقاء على ناصية أحلامنا وأهدافنا الراحلة والقادمة.

بفعل الحرب، تقلصت الأنشطة الثقافية والأدبية في ذمار لكنها لم تختفِ، تقول حنان، وتضيف: مع الأسف النشاط الثقافي صار محدود جدا في جميع المحافظات، وذمار كذلك الآن لم تعد تقام فيها فعاليات ثقافية كما السابق، ولم يعد للمشهد الأدبي ذاك الحضور المريح الخارج عن المحسوبية والتقييد.

حنان أحمد، تدرس في سنتها النهائية بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، تمارس هوايتها الكتابة بشكل متواصل في منصات اجتماعية، وتحضّر لإصدار كتاب جديد بعد سنوات من إصدارها كتابين “عزف” و”حين من القهر”.

الشاعرة حنان أحمد

يعاني الأدب النسوي في البلد من “التقييد أكثر من ذي قبل” وتُعيد ذلك الى ظروف الحرب التي “تمكنت من خلق فجوة تتسع ما بين توجه الناس الى ثقافة الحرب وثقافة الحرف”.

تقول: قبل الحرب كان المجال متسع أكثر للجميع، وفرصة النساء في الحضور والمشاركة بالمشهد الأدبي كان يتزعم الحركة الثقافية ويقودها إلى الكثير من الإبداع والتجارب والتطور، أما الآن وقد بلغنا أعواما من الحرب فقد زالت الكثير من ملامح الحضور النسوي في المشهد الثقافي.

وتستطرد بالقول: صار الوضع مجملا وتفصيلا مؤثرا في نفوس وتوجه النساء فهن الأكثر معاناة في هذا الوطن وفي ظل حرب وأزمات. أضف إلى ذلك ” تضاؤل الجهات المعنية بالدعم للأديبات اليمنيات”.

ويعيد محمد العومري مدير مكتب وزارة الثقافة بمحافظة ذمار، سبب خفوت وهج “الفعل الثقافي في ذمار” إلى ظروف الحرب التي “استهدفت كل شيء حتى الأدب”.

محمد العومري مدير مكتب الثقافة بمحافظة ذمار

ويشرح، قبل الحرب، عمل المكتب – مكتب الثقافة- على إنشاء عدد من المنتديات والروابط والجمعيات الثقافية وكان هنالك تنافس وحماس في إقامة الأنشطة والفعاليات، وفي الوقت نفسه كان للمكتب برنامج خاص ينفذه بشكل دوري “أسبوعي ونصف شهري” بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات الثقافية برز من خلال هذه الفعاليات الكثير من المواهب والإبداعات في جميع المجالات الثقافية والإبداعية.

لكن بعد اشتعال فتيل الحرب لم يصمد المشهد الثقافي كثيراً، وقال العومري: استمر هذا النشاط والتفاعل الثقافي ثلاث سنوات في ظل الحرب بشكل متقطع حتى وصلنا إلى شبة توقف نظرا للأوضاع والإمكانيات التي تعتبر مفقودة حاليا، وانعدام المصادر التي كانت تدعم المؤسسات المجتمعية بشكل ذاتي وشخصي. 

يشير محمد العومري إلى زاوية، “يغفل عنها الجميع” وهي ” القدرات المالية للمثقف والمبدع”. وأضاف: المبدع والأديب والشاعر والفنان في حاجة إلى دعم حتى يتمكن من مواصلة إبداعه على الأقل مصدر لتغطية المعيشة.

وفق العومري، يُعد نادي كتاب القصة، وجمعية الشعراء وجمعية المسرح والمنشدين، هي حالياً من تتصدر المشهد الثقافي والأدبي في ذمار، وتعمل تلك المؤسسات بجهود وإمكانيات ذاتية وشخصية، وقال: يعتبر النشاط النسوي المتصدر للمشهد الثقافي في ذمار منها مجال القصة والفن التشكيلي والشعر. ويأمل مدير مكتب وزارة الثقافة بمحافظة ذمار أن يعود ذلك الزخم الثقافي في محافظة ذمار، كما كان سابقاً وأكثر.

شجاعة البوح:

تتذكر جيداً القاصة سلمى الخيواني بدايتها في مجال كتابة القصة القصيرة، ووصولاً الى فوزها بأرفع جائزة في اليمن في مجال الأدب.

القاصة سلمى الخيواني

وقالت: التحاقي بكلية التربية جامعه ذمار، كانت نقطة التحول بالنسبة لي وتعرفت على الروائي الغربي عمران وحينها بدأت رحلتي مع القراءة، حيث كانت أهم مقومات الكتابة الأدبية هي الثراء اللغوي، وتوالت قراءتي حتى تقنن فهمي وحددت الجنس الأدبي الذي سأكمل فيه كتاباتي وهو القصة القصيرة.

الخيواني هي قاصة ذمارية، وحصلت على جائزة رئيس الجمهورية للشباب – جائزة الدولة – في مساق القصة القصيرة العام 2014.

وتشير إلى أن مدينة ذمار في بداية الألفية الثالثة كانت “مجتمع محافظ على نسيجه القبلي”، وقالت: بالفعل واجهنا أنا وزميلاتي – الرعيل الأول – أقسى وأعنف موجه انتقادات وتشهير، فالسباحة عكس التيار لها ضريبتها.

وترى أن مجموعة قصصية الأولى ” دوائر الماء” كانت بمثابة ردة فعل “على الضغوط والتهميش الذي كانت تتعرض له المرأة في المجتمع”، تالياً طورت سلمى الخيواني من أدواتها المعرفية والأدبية وبدأت كتاباتها “تتخذ شكلا أكثر تكثيف وتحمل هما عام وقضايا متنوعة لتتوج تجربتها بحصدها جائزه رئيس الجمهورية للشباب عن مجموعتها الثانية “حلم على الشاحنة”.

وتعتقد أن الأدباء والكتّاب في زمن الحرب هم أكثر شجاعة في البوح، وأضافت: جيل الثمانيات من الكتاب وقف مذهول من الانحطاط والدمار الذي أنتجته الحرب، بينما جيل التسعينات من الكتّاب الجدد كانوا أكثر شجاعة ووصفوا الحرب وتداعياتها في نصوصهم وكتابتهم ببراعة وحرفية.

وتطرقت في حديثها إلى “نادي كُتّاب القصة” باعتباره “منبرا لاستمرار الفعاليات والقراءة في زمن الحرب”، وتابعت: واجهت الكثير من الأزمات والمحاولات لإيقاف وهجه وأتمنى أن تصمد إدارة النادي وتكمل مسيرتها التنويرية. تؤمن “سلمى الخيواني” كغيرها من الأديبات في ذمار، بإن الكتابة رسالة، “سنكتب ونحكي قرأوا أو لم يقروأ، سمعوا أو لم يسمعوا”. قالت.

طوال سبع سنوات، حضر نادي القصة في توقيت تلاشت فيه الكثير من المكونات الأدبية والفكرية في ذمار، بفعل ظروف الحرب، وطوال تلك الفترة نظم النادي فعاليات متنوعة ما بين (أمسية، صباحية، ورشة، توقيع، مهرجان، مسابقات) قالت نبيه محضور رئيس النادي بذمار.

القاصة نبيهة محضور تحتفي بمجموعتها “يوم في برواز”

وأضافت: استطاع النادي إقامة فعاليات ثقافية على قدر كبير من الانتظام وإقامة المسابقات القصصية السنوية والرمضانية لخلق منافسة بين كُتّاب القصة وإبراز المبدعين منهم، إضافة إلى إقامة الورش التدريبية في مجال السرد القصصي بهدف الارتقاء بمستوى السرد القصصي في المحافظة، وكذلك تنظيم الأمسيات والصباحيات القصصية والاحتفاء بإصدارات قصصية، إلى جانب تنظيم المهرجانات القصصية، وإستضافة كُتّاب من خارج المحافظة.

إنتاج متجدد

وتنظر إلى الإنتاج الأدبي النسوي في ذمار بأنّه إنتاج متجدد”، وقالت: هناك الكثير من كاتبات القصة من الرائدات اللواتي لهن إصدارات ومن هنا من الجيل ما بعد الألفين وعشرة ولهن حضورهن، ورغم ظروف الحرب إلى هناك عدد من الإصدارات النسوية، ولكن بشكل ضئيل، نتيجة تدني الوضع الاقتصادي بصورة عامة على المجتمع.

نبيه محضور ترأست نادي كتاب القصة بمحافظة ذمار في العام 2013 وصدرت لها مجموعتها القصصية الأولى في زمن الحرب حملت عنوان “يوم في برواز” تستعد حالياً لطباعة مجموعتها الثاني، ورواية أخرى سترى النور قريباً “تدور أحداثها عن زمن الحرب وتداعياته على المجتمع ” وفق تأكيداتها.

وتعيد سبب “اختفى الكثير من الوجوه الأدبية النسوية والتي كان لها حضورها” الى خفت النشاط الأدبي النسوي في ذمار كما كان عليه قبل الحرب.

وقالت: الحرب كان لها تأثيرها النفسي والاقتصادي والاجتماعي فكانت مُعيقة للبعض ومحفزة للبعض لأن الحرب من وجهت نظري أوجدت أرضا خصبة للكتابة من خلال إفرازها للكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية يمكن للكُتّاب والكاتبات استغلالها في إنتاج أعمال أدبية تتسم بالواقعية.

ضوء مدجج بالدهشة

“الحضور الأدبي النسوي في ذمار تميز بظهور أديبات أثبتن وجودهن بجدارة في المشهد الثقافي بالمحافظة في اتجاه تعزيز مكانتهن الأدبية بين أديبات الجيل الجديد” ملخص لحديث طويل لرئيس اتحاد الأدباء والكتاب بمحافظة ذمار وأمين مكتبة البردوني العامة عبده الحودي.

عبده الحودي رئيس اتحاد الادباء والكتاب بذمار

وأضاف: يكفي أن نلقي نظرة على برامج المؤسسات الثقافية في ذمار قبل وخلال سنوات الحرب، لنجد ذلك الحضور الأدبي النسوي المدجج بالضوء والدهشة في مختلف الفعاليات ذات الصلة بتنظيم الصباحيات والأمسيات الشعرية والسردية القصصية، إلى تنظيم فعاليات التوقيع والاحتفاء بالإصدارات القصصية والشعرية الجديدة.

وخلال سنوات الحرب تمكنت مجموعة من أديبات وشاعرات ذمار من إصدار الحرف في زمن الحرب، أمر يراه الحودي” الضوء في زحمة العٌتمة”.

بالنسبة لمكتبة البردوني العامة والتي احتضنت أغلب الفعاليات والأنشطة الأدبية كان “الحضور القوي واللافت للأدب النسوي” يؤكد أمين عام مكتبة البردوني. ويضيف: الحضور الأدبي في ذمار، استمد قوته من ديمومة برامجه الثقافية والعمل الثقافي المؤسسي القائم على التعاون والتنسيق المشترك بين المؤسسات الثقافية الرسمية والمدينة بالمحافظة، ومن توالي حركة النشر والطبع للمجموعات الأدبية القصصية والشعرية وظهور أعمال أدبية نسوية متميزة، استحقت وبجدارة أن يتناولها النقاد كحضور جديد في المشهد الثقافي اليمني والعربي.

القاصة اسماء المصري في احدى الفعاليات الأدبية

في العام 1999 تم انتخاب د. أمة الخالق مهراس كأول رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب في ذمار، كأول إمرأة تصل الى هذا المنصب، وهذا بحد ذاته يؤكد “الحضور الأدبي النسوي قبل سنوات طويلة “وفق الحودي، وتابع بقوله: فرع الاتحاد بذمار، كان وما يزال يؤدي دوره الأدبي والثقافي نحو جيل الريادة الأدبية، خلال سنوات الحرب تم قبول عضوية مجموعة من أديبات وشاعرات ذمار ليصبحن ضمن قائمة الأعضاء العاملين والفاعلين. وأشار إلى أن الهيئة الإدارية الحالية للاتحاد تتولى الأديبة أسماء المصري منصب نائب رئيس فرع الاتحاد.

في العام 2018 توقفت برامج الاتحاد ” نتيجة لإنشغال أعضاء الاتحاد بقضية الإعتداء والسطو على المقر المملوك للاتحاد في مدينة ذمار”. ويؤكد رئيس اتحاد الأدباء الكتاب بذمار أن ظروف الحرب، وتوقف الدعم المالي للمؤسسات الثقافية في البلد، وتضائل فرص الرعاية للأنشطة الثقافية” حجم من البرامج الأدبية والثقافي في ذمار.

لتكون حتمية الاستمرار حاضرهً بالنسبة للحودي ولقطاع واسع من الأدباء والأديبات في محافظة ذمار، وهو ما تُرجم على قدرة المشهد الثقافي في ذمار على “مواجهة ورفع تحديات الحرب من خلال استمرار الفعاليات الأدبية والثقافية المتنوعة”.

 

لمتابعة التقرير المصور على الرابط التالي

 

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية