الشرطيات يستعدن دورهن القيادي في عدن
في خطوة مهمة لاستعادة الدور الريادي للمرأة العدنية الذي تلاشى بسبب الحرب وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، خصوصًا في قطاع الأمن الذي كانت تشغل فيه مناصب قيادية ما قبل عام 1990م، اتجه أمن عدن نحو تفعيل دور الشرطيات بوصفه تجربةً ناجحةً تستحق أن تُعمَّمَ على مستوى البلاد. وتمثل ذلك في إنشاء مكاتب “شؤون حماية الأسرة” في عموم المديريات، ومنها شرطة مديرية التواهي، لاستعادة الدور القيادي للشرطيات في عدن.
ويهتم المكتب الذي يعمل تحت إدارة نسائية، بحل الخلافات الأسرية، وقضايا النساء والأطفال، مثل التحرش، والاغتصاب، والمشاكل الزوجية، وقضايا العنف. وأصبح اليوم حلقة وصل بين أفراد الأسرة المتخاصمين، حيث يعمل على تقريب الأفكار وإيجاد المعالجات، وتسهيل عملية التراضي وتجاوز المشكلات. ولا يمتلك المكتب العصا السحرية لحل جميع الخلافات، وإنما ساعد وجوده في عدم تفكك أغلب الأسر والوصول إلى حالة الطلاق وضياع الأولاد.
الحكمة اليمانية
ولا تسمح التقاليد اليمنية بتفتيش المرأة إلا من قبل امرأة أخرى، حيث تستغل بعض العصابات ذلك وتستخدم النساء لتهريب المخدرات والأسلحة، وفي محاولة لمعالجة ذلك، تنتشر الشرطيات في العديد من نقاط التفتيش في محافظة عدن، وفي مراكز الشرطة، وبعض المؤسسات الحكومية.
ويرجع العقيد أمجد الصبيحي، مدير شرطة التواهي، اختيار المرأة لإدارة مكتب شؤون الأسرة، لقدرتها على أن تكون قريبة من أحوال الناس، كما تستطيع تشجيع النساء والفتيات على الحديث عن مشاكلهنّ وما يتعرضن له من تعنيف من قبل ذويهن أو غيرهن، بينما يتحفظن على الحديث مع الرجال عن خصوصيات كثيرة قد تحدث لهن.
ويضيف الصبيحي: “كان لعاملات المكتب دور كبير في حل المشاكل وتقوية الروابط الأسرية، ونجاح هذا المكتب ساعدها في الاستمرار وكسبها ثقة المواطنين لما قدمت من حلول ومعالجات وعملت على إنقاذ الأسرة من الانهيار والتفكك”.
أريحية الإفصاح
وتؤكد المقدم نبيهة ناصر أحمد، مساعد مدير الشرطة لشؤون حماية الأسرة، أن المجتمع العدني تقبل عملهن في هذا الجانب، خاصة من النساء اللواتي أصبحن يذهبن إلى المكتب للكشف عن مشاكلهن بكل أريحية ودون خوف، تقول:” بدأت النساء تعرف أن هناك شرطة نسائية بعد أن كانت تتخوف من دخول الشرطة والتحقيق مع رجل، واليوم أصبحت أكثر راحة في الإفصاح عن مشاكلها؛ لأن التحقيق يتم في غرفة خاصة وسوف تتحدث مع امرأة دون خجل أو خوف”.
وبحسب المقدم نبيهة، يواجه المكتب عدد من التحديات أبرزها غياب الميزانية التشغيلية، وهذا ما يهدد استمرار عمله، فلم يتحصل على أي دعم غير ما قدمته مؤسسة “إنجاز للدراسات وحقوق الإنسان” من كراسي وطاولات. حيث يفتقر المكتب -رغم أهمية ما يقدمه من خدمات- إلى أبسط الضروريات وهي “الهاتف الأرضي” لمتابعة القضايا والتواصل مع أصحابها.
ازدياد الشكاوى
ويفتح مكتب شؤون حماية الأسرة، أبوابه يوميًا أمام القضايا المتعلقة بالأسرة، وترد الشكاوى عن طريق أصحابها، حيث تقوم المحققات بتقصي المشكلات التي تعرض عليهن ومعرفة أسبابها والعمل على علاجها، إلى جانب محاولة إعادة تهيئة الجو العائلي السليم الذي يكفل للأبناء حياة اجتماعية صالحة، وتعد المشاكل الزوجية أبرز القضايا التي تصل للمكتب.
وبحسب المحقق في قسم شؤون حماية الأسرة، عهود جمال، فقد بلغت عدد الشكاوى التي وصلت لقسم التحقيقات حتى نوفمبر 2023م، (87) شكوى من مديرية التواهي فقط، فيما بلغت في العام 2022م، (60) شكوى. ودعت جمال إلى “ضرورة تحسين مستوى التعليم، وضمان الرعاية الصحية، وتمكين النساء وتوفير فرص العمل لهن لتحسين المستوى المعيشي ورفع دخل العائلات؛ لأن أغلب مشاكل الأسرة أسبابها مادية، إضافة إلى دعم برامج البيئة التي تساهم في الحد من الفقر، ومنع زواج القاصرات، لتقليص المشاكل التي أنتجتها الظواهر المجتمعية الأخيرة”.
وتشيد سمية -اسم مستعار- بالمساعدة التي يقدمها في الحفاظ على التماسك الأسري، تروي: “جئت للمكتب أطلب المساعدة عشان مشكلتي مع زوجي على أمل ألاقي حل ونحافظ على علاقتنا عشان الجهال”، موضحةً أن إحدى قريباتها هي من دلَّتها على المكتب، بعد أن كان لها تجربة ناجحة فيه.
صورة نمطية
وقد نجد من يعارض دخول المرأة المجال الأمني، على الرغم من ضرورته الملحة، فهناك من شققن طريقهن في هذا المجال إما بالصدفة والبحث عن الوظائف، أو عن طريق الميل إلى الوظائف الأمنية. تقول المقدم نبيهة: “أنا -كغيري ممن يعمل في هذا القطاع- أجد صعوبة في إقناع المجتمع بأهميته، ومدى صعوبة ما نقوم به لحماية أبنائنا، أكاد أجزم أن أهمية عملنا تفوقت على غيرها من الوظائف في ظل هذه الظروف”. وتوافقها الرأي المحقق عهود، فلم يكن دخولها لهذا المجال سهلًا في البدء، إذ أنه يُعدُّ حكرًا على الرجال، ولا يوجد فيه تكافؤ في الفرص بين الجنسين، كما تقع على عاتقها مسؤولية ثقيلة تتمثل في الحفاظ على العلاقات الأسرية.
وتؤيد التربوية راقيه عبد المجيد، عمل المرأة في المجال الأمني مع مراعاة القيم الدينية والأخلاقية والمحافظة على تقاليد المجتمع، مشددةً على ضرورة توعية المجتمع بأهمية ذلك؛ نظرًا لأن اليمن مجتمع محافظ تربى على أن عمل المرأة ينحصر في الجانب التعليمي والصحي، والأهم هو أن يتم تأهيل العنصر الأمني النسائي بالشكل الصحيح.
ويرى أحمد عبد الرحمن، الشرطي في شرطة التواهي، أن الوضع الاقتصادي المتدهور أحد الأسباب الرئيسة في انخراط المرأة في العمل داخل المؤسسة الأمنية، فالاحتياجات الناشئة عن الظروف الاقتصادية والسياسية فرضت على الأهل تقبل انتساب المرأة للعمل في الأجهزة الأمنية مقابل الدخل المادي.
عودة للبدايات
وكان اليمن قد أقر فتح المجال أمام الفتيات للالتحاق بسلك الشرطة في العام 2006م، واقتصرت مهامهن على تفتيش السيدات في المطار والمقرات السيادية الحساسة، رغم معارضة رجال الدين والزعماء القبليين. وتوقف الالتحاق بسلك الشرطة النسائية وتعطل عمل الشرطيات خلال الحرب التي اندلعت أواخر العام 2014م، وأعاد توقف الحرب في عدن الروح لهذا المجال مجددًا، حيث استحدثت إدارة أمن المحافظة في مطلع العام 2022م، مكاتب لشؤون الأسرة تعنى بالتعامل مع قضايا المرأة، وجندت نساء مؤهلات للعمل في هذه المكاتب، في بادرة نوعية لتجاوز كثير من الإشكاليات التي كانت تواجهها النساء في أقسام الشرطة.
من ضمن الإيجابيات العديدة التي حققتها هذه التجربة للنساء في عدن، استعادة المرأة دورها الريادي ومواقعها بوزارة الداخلية والتي كانت حاضرة فيها بقوة قبل عام 1990م، والتي كانت تتولى حينها مناصب قيادية في جهاز الشرطة، وهو ما يستدعي تعميم هذه التجربة في جميع المحافظات.
أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية