المطلقة والأرملة .. مخاوف وتحديات مجتمعية
لا يخفى على أحد ما تعانيه المرأة المطلقة أو الأرملة في اليمن، وقد نالت هذه القضية خصوصا حظا وافرا من الذيوع إلى حد لا يستطيع معه أحد أن يسوّغ ما يتعرضن له، ولكنها للأسف لم تأخذ حقها من الإنصاف.
أم محمد (25 عاما) تطلقت من زوجها بعد سنة وأربعة أشهر، وعقب طلاقها تعرضت لمعاناة حرمانها من طفلها، ولم يقف معها أحد أو يسندها أو يدافع عنها فيما تعرضت له من تعنيف وحرمان وفقد.
“طلبتْ مني عائلة الزوج أن أعطيهم ابني لتربيته لديهم، عندما وصلت أنا وزوجي إلى طريق مسدود كان يوحي أن طلاقنا حتميّ، وما هي إلا مسألة وقت، ولكنني رفضت ذلك أكثر من مرة، فخططوا أن يستدرجوني للسفر من تعز إلى صنعاء حيث يقيمون لتسوية بعض الأمور، وهنالك تفاجأت بما لم أكن أتوقعه”، بهذه الكلمات تلخّص أم محمد قصة حرمانها من طفلها.
وتابعت حديثها: “عندما ذهبتُ إلى صنعاء ووصلتُ إلى منزل عائلة زوجي، بدأت والدته بمعاملتي معاملة مهينة، وكانت تطلب مني تنظيف المنزل وشراء احتياجاتهم ورمي القمامة، ومنعتني من إرضاع طفلي، بالإضافة إلى منعها لي من الخروج برفقة طفلي، وكانت تغلق باب المنزل بالمفاتيح وتُخفي المفاتيح عني”، وتستطرد أم محمد في روايتها لهذه القصة التي رسم تفاصيلها مجتمع لا يرى للمرأة أي حق إنساني ويتعامل معها كما لو أنها فقط أنجبت أولادا ليكونوا حكراً للزوج وعائلته بقولها: “بدا لي تماما أنهم يحاولون أن يُنهوا علاقتنا الزوجية ويتخصلوا مني ويأخذوا الطفل إليهم، وهكذا تمّ لهم كل ما يريدون بعد أن أخذت والدة زوجي هاتفي، وفيه محادثة لي أنا وزميل كنتُ أعمل معه في منظمة وتربطني به علاقة عمل لا أكثر، واتهموني بخيانة زوجي، رغم علمهم أن لديّ حسابا على الفيس بوك، ولدي أعمالا، وهذا أمر طبيعي، ولكنهم كانوا يبحثوا عن سبب يختبئوا خلفه أمام المجتمع.
كثير من النساء اليمنيات المطلقات أو الأرامل يُحرمن من أطفالهن بتلك الطريقة أو عند تفكيرهن بالزواج مرة أخرى، وفي هذا يقول الأستاذ توفيق الحميدي: إن القانون اليمني ينص على أن الأولوية للأم بحضانة الأطفال، وهو حق قسري لا يسقط إلا بتنازل الطفل نفسه وذلك إلى سن ١٥.
ويضيف الحميدي، وهو رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، أن حق حضانة الأم للأطفال لا يسقط إلا في حالة عدم أهلية الأم، مثل سوء أخلاقها، وفي هذه الحالة تنتقل الحضانة لأم الزوج أو التي تليها بحسب الترتيب المنصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية، كما أنه لا يجوز لزوجها الجديد منعها من حضانة صغيرها.
وبالعودة لأم محمد تقول عن معاناتها: “أصعب أمر عشته في حياتي لحظة طردي من منزل عائلة الزوج من دون طفلي. لم يكن أمامي حينها سوى البكاء والنحيب. أعادوني إلى تعز في منتصف الليل من دون ولدي، ورغم محاولات أشخاص كبار من الحارة للتوسط في الأمر، إلا أن الزوج رفض تدخلهم رفضا قاطعا، وقال إن ولده سيعيش عنده، ولن يسلمه لي مهما حصل”.
تعرضت عائلة أم محمد لصدمة عندما علموا بما حدث، وحاولوا التحرك بعدها للتدخل، ولكنها تقول في هذا الشأن: “وصلت الأمور لدرجة أن الزوج قام برفع السلاح على إخوتي وتهديدهم بأنه سيجعل أولادهم أيتاما، ونحن عائلة ضعيفة، وليس لنا قدرة على المحاكم، فيما هو لديه سلطة ونفوذ، وللأسف ففي هذا البلاد يقف الجميع مع أصحاب المال”.
وتختتم حديثها: “أصعب شيء في هذا المجتمع أن البنت دائما تكون الضحية، ولا تجد مَن ينصفها، ومهما حاولت الحديث والدفاع عن نفسها، يظلّ الجميع ينظر لها أنها على خطأ، أتمنى أن أحتضن ابني وأنام معه وأن لا ينتزعه مني أي شيء سوى الموت”.
وعند تسليط الضوء على معاناة المرأة المطلقة أو الأرملة في اليمن، تتبين أنواع المظالم والتحديات والصعوبات التي تتعرّض لها، فعلى جانب آخر تحكي “س. ع. ث.” أنها أرملة ولديها ثلاثة أولاد، وتعاني من مشكلة عدم قدم سماح أهلها لها باستئجار بيت مستقل للعيش مع أولادها وتربيتهم، بحجة أنها ما زالت صغيرة، ومن غير اللائق أن تعيش وحدها، رغم أن لديها ثلاثة أولاد.
تقول الفتاة: “أواجه صعوبات في تربية أولادي بسبب عدم استقراري معهم في مكان خاص بنا أستطيع أن آخذ فيه راحتي ووقتي بتربيتهم وتوجيههم، فنحن الآن لا نستطيع أن نأخذ راحتنا حتى في غرفة واحدة، ولا يسمح لي بأن أعيش بمنزل مستقل بسبب نظرة المجتمع وخوف أهلي من كلامهم”.
وتتابع حديثها: “تقدّم لي رجل للزواج، فاضطررت إلى الموافقة لكي أصبح حُرّة ويصبح لدي بيت مستقل، ولكن للأسف استنكر الجميع ذلك، وأخبروني أنه ليس من حقي أن أتزوج بحجّة أن لديّ أطفالا هم أحق بالاهتمام والرعاية، ولكنني عارضت ذلك وأصررتُ على الزواج؛ لكي أهرب من نظرة المجتمع بأني أرملة؛ فهذه النظرة وتلك المعاملة هي التي أجبرتني على الزواج مع أني لم أكن أرغب بذلك، وكنت أحلم بأن أكمل تعليمي”.
معاناة مختلفة
تعاني المرأة المطلقة أو الأرملة من نظرة المجتمع الخاطئة التي تظل تلاحقها، وفي تقرير نشر في الجزيرة نت عام 2019م وجّهت المخرجة العربية ومنتجة الأفلام الوثائقية التلفزيونية ابتسام مراعنة أسئلة لعدد من المطلقات، وكان من بينها: هل يخاف المجتمع منك؟ فأجابت إحداهن: نعم، أنا بالنسبة لهم متمرّدة، ويرونني مصدر تهديد لأسقف بيوتهم. وتقول مراعنة في السياق نفسه: إن مجتمعاتنا تُلقي كل وزر الطلاق على المطلقة وحدها، وكأن الزوج معفيّ من هذه المسؤولية تماما، فالمطلقة هي المتمردة أو الفاشلة، وهي سبب فشل العلاقة وكان عليها أن تصبر وأن تتحمل وتصمت.
ومن المفارقات أن الرجل حين تموت زوجته أو تفشل علاقتهما وتصل إلى حدّ الطلاق، لا يكاد يمر وقت حتى يتزوج، بل إن مجتمعه هو من يبدأ بحثّه على الزواج وتشجيعه عليه، فيما لو فعلت المرأة ذلك، لاتهمت بالخيانة وعدم الوفاء، هذا إذا لم تُمنع من الأساس.
وفي هذا تقول المفكرة الإسلامية والباحثة في الفقه الأستاذة عابدة العظم في حديث لها مع برنامج ميدان التلفزيوني: في عهد الصحابة كان الموت هو أكثر ما يُفرق بين المرء وزوجه. ولكن هناك قصص كثيرة لصحابيات تطلّقن، مثل أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، التي قُتل زوجها في غزوة مؤتة، فتزوجها الزبير بن العوام، ثم لم تصبر على غيرته، فطلبت طلاقها وتزوجت بعده، وتُضيف الأستاذة عابدة: “في ذلك الزمان، كانت المرأة تتزوج فور انتهاء العدة بلا حرج”.