مواد غرفة أخبار الجندر

16
نوفمبر

صدمة الواقع | اكتئاب تعاني منه اليمنيات العائدات من دول الخليج العربي

 ميديا ساك

تواجه الفتيات اليمنيات اللواتي نشأن في دول الخليج وقررن العودة إلى اليمن، بعد أن طالتهن صدمة الواقع التي تقلب حياتهن رأسًا على عقب، تحديات نفسية واجتماعية ضخمة. فالعديد من هذه الفتيات ولدن في دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر، وعاشوا فيها لسنوات طويلة، حيث نشأوا في بيئة تعليمية وصحية واجتماعية تختلف عن تلك التي تعرفها معظم فتيات اليمن. ومع ذلك، فإن رفع رسوم الإقامة في دول الخليج مؤخرًا كان السبب الرئيسي وراء اضطرار بعض العائلات اليمنية للعودة إلى وطنهم الأم، لتواجه الفتيات صدمة مؤلمة عند العودة.

الضغوط النفسية: قصة “منى”

من أبرز الصدمات التي يعاني منها هؤلاء الفتيات هو الاختلاف الثقافي والاجتماعي بين ما عاشوه في الخليج وبين واقعهم الجديد في اليمن. تأخذنا قصة “منى”، وهي فتاة يمنية ولدت ونشأت في دبي، حيث كانت تعيش حياة مليئة بالفرص والحرية. تقول منى: “كانت حياتي في دبي مختلفة تمامًا عما أعيشه الآن في مدينة المكلا باليمن، كانت المدرسة توفر لي كل ما أحتاجه من دعم، وكانت أصدقائي من ثقافات مختلفة. أما هنا في اليمن، فكل شيء يبدو محاصرًا بالقيود، ولا أستطيع ممارسة نفس الأنشطة التي اعتدت عليها.”

هذا الاختلاف الثقافي يجعل التكيف صعبًا، حيث تجد الفتيات صعوبة في التأقلم مع مجتمعات تشدد على القيم والتقاليد التي قد تكون صارمة بالنسبة لهن.

الصراع الثقافي والاجتماعي

في المجتمع الخليجي، يتعرض الأطفال والفتيات بشكل خاص لتأثيرات ثقافية متنوعة، حيث يسود الانفتاح والتنوع. وعندما تعود الفتيات إلى اليمن، يواجهن تحديات اجتماعية ترتبط بتغيير بيئتهن. تصبح تلك الفتيات، اللواتي نشأن في بيئة تتسم بالتنوع الثقافي والتسامح، في مواجهة مجتمع يميل إلى التقليدية في مواقفه تجاه المرأة، مما يزيد من شعورهن بالعزلة.

تقول “أمل”، وهي فتاة من عدن، إن العودة إلى اليمن كانت بمثابة صدمة ثقافية حقيقية. “كنت أتوقع أنني سأجد نفسي بسهولة في اليمن، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا. لا أستطيع الخروج مع أصدقائي كما كنت أفعل في الخليج، وحتى طريقة الملابس والعادات كانت مختلفة.” هذا الصراع الثقافي يخلق حالة من الاغتراب النفسي، حيث تحاول الفتيات التكيف مع مجتمع يرى فيهن “الغريبة” رغم أنهن من نفس الوطن.

التعليم والفرص المحدودة: أزمة “هدى”

من أكثر ما يسبب الألم للفتيات العائدات من دول الخليج هو الفرق الكبير في مستوى التعليم. كانت “هدى” قد أنهت دراستها الثانوية في السعودية، وكانت تطمح إلى دخول الجامعة هناك، ولكن مع العودة إلى اليمن، تجد نفسها أمام واقع مرير من حيث الفرص التعليمية. تقول هدى: “في الإمارات، كانت الفرص لا حصر لها، لكن في اليمن، لا توجد الكثير من الجامعات التي تقدم التخصصات التي كنت أطمح إليها. والشعور بأنني ضاعت عليّ الفرص كان مؤلمًا جدًا.”

هذه الفجوة في التعليم تجعل الفتيات يواجهن تحديات كبيرة في تحقيق طموحاتهن التعليمية والمهنية، مما يسبب لديهن شعورًا بالإحباط واليأس.

الاختلاف في الحقوق والحرية الشخصية

من خلال تجربتها في قطر، كانت “سارة” قد اعتادت على قضاء وقتها بحرية وممارسة هواياتها من دون قيود. ولكن عند عودتها إلى اليمن، اكتشفت أن الكثير من هذه الحريات مفقودة. تقول سارة: “كنت أمارس الرياضة يوميًا، وأخرج مع أصدقائي في أوقات فراغي في قطر. أما في اليمن، فكل شيء يبدو مقيدًا، ولا يمكنني فعل الكثير من الأشياء التي كنت أتمتع بها هناك.”

الاختلاف في الحقوق والحرية الشخصية يُعد من أكبر التحديات التي تواجه الفتيات العائدات، حيث يجدن أنفسهن في مجتمع يفرض قيودًا اجتماعية أكثر صرامة على المرأة، مما يشعرهن بالتقييد.

التكيف مع البيئة الاقتصادية الصعبة

تعتبر البيئة الاقتصادية في اليمن من العوامل الرئيسية التي تعزز صدمة الواقع لدى الفتيات العائدات. فالحياة في دول الخليج كانت توفر لهن مستوى معيشيًا أفضل، مع فرص تعليمية وصحية متطورة. أما في اليمن، فإن التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، فضلًا عن صعوبة الوصول إلى الخدمات الاجتماعية، تجعل الحياة أكثر تعقيدًا.

تتذكر “نادية”، التي نشأت في الكويت، كيف أن الوضع الاقتصادي في اليمن قد أثّر على حياتها بشكل سلبي بعد العودة. “كانت حياتنا في السعودية أكثر استقرارًا، وكانت عائلتي تستطيع تحمل تكاليف التعليم والخدمات الصحية بسهولة. لكن هنا في اليمن، الوضع مختلف تمامًا. غلاء الأسعار يجعلنا نواجه صعوبة في تلبية احتياجاتنا الأساسية.”

العودة إلى اليمن بعد سنوات من العيش في دول الخليج تُعد بمثابة صدمة كبيرة للفتيات اليمنيات، حيث يواجهن تحديات متعددة تتراوح بين الصعوبات النفسية والاجتماعية إلى التحديات الاقتصادية. رغم أن بعضهن قد ينجحن في التكيف مع الوضع الجديد بعد فترة من الزمن، إلا أن الواقع الذي يواجهنه يتطلب دعمًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا، بالإضافة إلى إتاحة فرص تعليمية ومهنية تساعدهن على تجاوز الصعوبات وتحقيق طموحاتهن.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية