مواد غرفة أخبار الجندر

14
أغسطس

إجحاف حقوق المرأة في نفقة أطفالها بعد الطلاق: واقعٌ مؤلم وتحديات قانونية واجتماعية

 هدى أحمد

إجحاف حقوق المرأة في نفقة أطفالها بعد الطلاق: واقعٌ مؤلم وتحديات قانونية واجتماعية

في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي يعاني منها المجتمع اليمني، تجد المرأة المطلقة نفسها في مواجهة تحديات كبيرة بعد انفصالها عن زوجها، وخاصة فيما يتعلق بنفقة أطفالها. على الرغم من أن النفقة حقٌ شرعي للأطفال، فإن الواقع الملموس يكشف عن فجوات كبيرة في القانون اليمني، حيث تُحدّد النفقة بمبالغ زهيدة لا تكفي لتغطية احتياجات الأطفال الأساسية، مما يُعدّ إجحافًا بحقهم وبحق الأمهات. هذه الأوضاع تفرض عبئًا ثقيلًا على المرأة، التي تجد نفسها مضطرة لتحمل مسؤولية حياة أطفالها دون دعم كافٍ من القانون أو المجتمع.

التحديات القانونية والاجتماعية في حق النفقة

أحد أبرز التحديات التي تواجه المرأة اليمنية بعد الطلاق هو قضية النفقة. فالقانون اليمني، الذي ينظم حقوق الأطفال بعد انفصال الوالدين، يعاني من قصور في تقدير النفقة وتنفيذها. حيث تُحدّد المبالغ التي يُفترض أن تُنفق على الأطفال بمبالغ زهيدة، لا تفي حتى باحتياجاتهم الأساسية من غذاء. فما بالك بالمصاريف الأخرى مثل التعليم والعلاج والملابس؟ ومع استمرار ارتفاع الأسعار وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، يصبح توفير هذه الاحتياجات أمرًا مستحيلاً للعديد من الأمهات.

نظرة المجتمع السطحية إلى حقوق المرأة المطلقة

إضافة إلى القصور القانوني، تعاني المرأة اليمنية من نظرة المجتمع السلبية لها عندما تطالب بحقوق أطفالها، وخاصة النفقة. كثيراً ما يُنظر إلى المرأة التي تطالب بنفقة أطفالها على أنها تستغل الرجل، أو على أنها غير قادرة على أن تكون أماً صالحة. وتنتشر فكرة مجتمعية مفادها أن الرجل دائماً على صواب، حتى وإن كان ذلك على حساب حقوق أطفاله. إذ يعتقد البعض أن الرجل إذا لم ينفق على أطفاله لا يُعدّ شخصًا سيئًا أو مقصرًا، بل يُعتبر ذلك حقًا له. بينما في الشريعة الإسلامية، يعتبر الإنفاق على الأطفال واجبًا على الأب، ومن حق المرأة المطالبة بهذا الحق إذا امتنع الأب عن دفعه.

لكن في المجتمع اليمني، يتم النظر إلى الرجل الذي يلتزم بدفع النفقة على أنه يقدم “إحسانًا” استثنائيًا، بينما تُعتبر المرأة التي تسعى للحصول على نفقة لأطفالها متطفلة أو مستغلة. هذه النظرة تسهم في تعزيز الظلم الواقع على المرأة وتجعلها تواجه ضغوطًا اجتماعية وقانونية تؤثر في قدرتها على المطالبة بحقوق أطفالها.

ضغوط إضافية على المرأة بعد الطلاق

إضافة إلى التحديات القانونية والاجتماعية، تضطر المرأة اليمنية المطلقة إلى العمل في عدة وظائف شاقة ومجهدة لتتمكن من تلبية احتياجات أطفالها. ورغم العمل المضني، تواجه نظرة المجتمع التي تُصوّرها كامرأة فاشلة ومقصرّة بمجرد وقوع الطلاق. ففي مجتمع لا يزال يقدر الرجل بشكل بالغ، يُنظر إلى المرأة المطلقة على أنها تحمل عبءًا ثقيلًا، وكأن الطلاق هو خطؤها فقط. تتعدد النظريات المجتمعية التي تبرر هذه النظرة، مثل مقولة “الرجال ما يعيبه إلا جيبه”، وفي بعض الأحيان “حتى جيبه ما يعيبه”، مما يجعل من الصعب على المرأة أن ترفع صوتها للمطالبة بحقوقها وحقوق أطفالها.

آثار هذا الإجحاف على المرأة والأطفال

زيادة العبء على الأمهات: عندما تُحدد النفقة بمبالغ زهيدة لا تكفي لتغطية احتياجات الأطفال الأساسية، تضطر الأمهات إلى تحمل مسؤولية تربية أطفالهن بشكل كامل. وهذا يشمل التكاليف التي كان من المفترض أن يتحملها الأب، مما يزيد من عبء المرأة ويجعل حياتها أكثر صعوبة.

تدهور حياة الأطفال: نقص النفقة يؤدي إلى بيئة اقتصادية غير مستقرة للأطفال، مما يؤثر على صحتهم وتغذيتهم وتعليمهم. وقد تجد الأمهات أنفسهن في صراع مستمر لتوفير الأساسيات، مما ينعكس على رفاهية الأطفال في مختلف جوانب حياتهم.

الضغوط النفسية على الأمهات: هذه الضغوط تخلق عبئًا نفسيًا كبيرًا على الأمهات اللواتي يجدن أنفسهن في مواجهة مستمرة مع تحديات الحياة، دون أي دعم من المجتمع أو النظام القضائي. تصبح المطالبة بحقوق الأطفال عبئًا إضافيًا على المرأة بدلًا من أن تكون عملية قانونية طبيعية.

أسباب هذا الإجحاف

غياب التشريعات الحديثة: القوانين المتعلقة بالنفقة في اليمن قديمة وغير محدثة لتتناسب مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. هذه التشريعات لا تأخذ بعين الاعتبار ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة الحديثة.

التأثير الاجتماعي: في بعض المناطق، لا يزال المجتمع يحمّل المرأة المطلقة المسؤولية الكاملة عن رعاية أطفالها، مما يقلل من موقفها في المطالبة بحقوقها. هذه النظرة تؤثر على قدرتها في الحصول على الدعم المطلوب من الجهات القضائية والمجتمعية.

ضعف آليات التنفيذ: حتى عندما تُصدر المحاكم أحكامًا بالنفقة، تواجه النساء صعوبات كبيرة في تحصيل النفقة بسبب تهرب بعض الآباء من دفع المبالغ المستحقة، وعدم وجود آليات صارمة لتنفيذ الأحكام القضائية.

الحلول المقترحة

تعزيز الوعي القانوني والمجتمعي: يجب العمل على توعية المجتمع حول حقوق المرأة المطلقة وأهمية النفقة في ضمان حياة كريمة للأطفال. يجب أن يتفهم الجميع أن النفقة ليست منّة من الرجل، بل هي حقٌ للطفل يتوجب دفعه لضمان رفاهيته.

تطوير القوانين: من الضروري تحديث القوانين اليمنية المتعلقة بالنفقة، بحيث تتناسب مع الوضع الاقتصادي الحالي ومتطلبات الحياة. يجب أن تتضمن هذه التعديلات تحديدًا دقيقًا لمبالغ النفقة وتسهيل الإجراءات القانونية لتمكين الأمهات من الحصول على حقوق أطفالهن بسهولة.

دعم الأمهات الحاضنات: من الضروري تقديم مساعدات اجتماعية للأمهات اللواتي يواجهن صعوبة في تغطية احتياجات أطفالهن. يمكن توفير دعم مالي أو خدمات اجتماعية لتخفيف الأعباء على الأمهات وتوفير بيئة أفضل للأطفال.

إن حقوق الأطفال بعد الطلاق يجب أن تتحملها الأسرة ككل، ويجب أن تكون النفقة على الأب مسؤولية أساسية لضمان حياة كريمة ومستقبل آمن للأطفال. في ظل التحديات القانونية والاجتماعية التي تواجه المرأة في اليمن، يتعين تعزيز الوعي بأهمية هذه الحقوق وتحديث القوانين بما يتماشى مع الظروف الاقتصادية الحالية. يجب على المجتمع ككل أن يعي أن نفقة الأطفال ليست عبئًا على الأب، بل هي حقٌ مشروع لأطفاله، وأن التفاعل الإيجابي بين الأفراد والمؤسسات يعزز العدالة الاجتماعية ويسهم في تحسين وضع المرأة والطفل في المجتمع.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية