| في ظلِّ حياةٍ مليئة بالمتاعب والحرمان، والقيود المجتمعية التي تنتقصُ من كيانها وأدوارها، وتحرمها من معظم حقوقها في العيش والعمل والغذاء والدواء، فإن المرأة الريفيّة في اليمن عالقة بين قبضة العُنف الاجتماعي وكماشة الإهمال، وبحسب البيانات الصادرة من مركز الإحصاء الصادر عام 2006م (نظرًا لغياب الإحصاءات الرسمية المحدّثة) تعيش 52 في المائة من النساء اليمنيات في المناطق الريفيّة.
لقاحات كورونا حكرٌ على الرجال في أرياف اليمن
مع إعلان منظمة الصحة العالمية إيصال لقاحات كوفيد-19 إلى مختلف مناطق اليمن بين وقتٍ وآخر، ظلّت تلك اللقاحات حكرًا على الرجال في أرياف اليمن، لتزيد من تفاقم معاناة المرأة الريفيّة؛ لأنها تفتقر إلى أدنى مستويات الرّعاية والاهتمام الصحي والتوعوي.
كثيرٌ من النساء الريفيّات ضحايا عُنف اجتماعي، ومنسيّاتٌ بين زوايا الحرمان والتمييز الجنساني الصارخ. سمية علي (27 عاما) (ليس اسمها الحقيقي) أم لطفلين، وتشتكي من التقاليد المجتمعية التي حرمتها من حقّها في الرعاية الصحية، وحالت دون أخذها للقاح كوفيد-19، تقول: “كنتُ أودّ الحصول على اللقاح، لكن زوجي منعني من الذهاب الى مركز التلقيح؛ بحجة عدم وجود محرم في الوقت الحالي لمرافقتي إلى المركز؛ لأنه غير موجود، ولا يمكنني الذهاب بدون محرم”. وتتابع سمية: “بالرغم من أن واحدة من الجيران أصيبت بكورونا، وأصبح لدينا كثير من المخاوف من الإصابة بالوباء، لكن الواقع الذي نعيشه لا يسمح لنا بالحصول على الرعاية والاهتمام الصحي”.
ما بين جهلٍ باستخدام الوسائل التقنية، وبُعد مراكز التحصين المتخصصة للقاحات كوفيد-19، ومنعها من السفر بدون محرم لأخذ اللقاحات، أو عدم مقدرتها على دفع تكاليف المواصلات، انحسرت المرأة الريفيّة، وأذعنت لأمر واقعها مغلوبةً على أمرها، مستسلمةً لوباء ينهشُ ما تبقى لديها من صحةٍ، ويؤرّق ما صفى لها من عافية، في بلدٍ يعاني من أسوأ أزمةٍ إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة، نتيجة الحرب الدائرة في اليمن منذُ ما يزيد على سبع سنوات.
أثناء نزولنا إلى مستشفى “محمد الدّرة” الريفيّ، في مديرية “جبل حَبَشي” بمحافظة تعز جنوب اليمن، وقفنا لفترةٍ من الزمن أمام بوابةِ قسم التحصين في المشفى، نحاول الدخول إلى أروقةِ المشفى، للبحثِ عن أسباب عزوف النساء الريفيّات عن لقاحاتِ الوباء، وجدنا القسم مكتظا برجال يتهافتون على أخذِ اللقاح من مختلف المناطق، مع وجود عدد محدود من النسوةٍ اللاتي تتوارى خلفِ أستارِ المشفى، حياءً وخجلًا من القدوم إلى مركز التحصين، وهو ما أكّدته الشابّة الريفيّة “نور محمد” عندما وجّهنا إليها بعض الأسئلة، حيث تحدّثت: “أنا هنا لأخذ لقاح كورونا بعد كثير من المحاولات مع أسرتي لإقناعهم بضرورة أخذ جرعة اللقاح، وهذا يُعدّ انتصارا لنفسي على الموروثات المجتمعية التي تحرم المرأة من حقها في الصحة والتعليم”.
وبوصفها قناعة راسخة في أذهانهنَّ بأنّ اللقاحات حكر للرجال، نتيجةً لموروثات متجذِّرة في الأرياف، واصلت “نور” حديثها: “ليس مِن حقّنا، بوصفنا نساء، أخذ جرعات التلقيح، لكنني مضطرة لأخذه؛ لأني طالبة وأختلط بكثيرات من زميلاتي الطالبات، وقد أصررتُ على أسرتي كثيرًا بالسماح لي”، وتابعت حديثها: “وكان للمثقِفة الصحيّة دورٌ أيضًا في إقناع أهلي وأسرتي”.
في هذا الصدد تحدَّثت الدكتورة “نجيبة عبد الله” وهي مثقِّفة صحيّة، وممرضة في مستشفى “الدرّة” الريفي، بقولها: “عملنا جاهدين من أجل تثقيف الناس وتوعيتهم بأهمية أخذ لقاحات كورونا، وخصوصا للمرأة، لأنها تعاني من إهمال في الرعاية الصحيّة، وكانت استجابة النساء ضئيلة جدًا مقارنة بالرجال”.
وواصلت الدكتورة “نجيبة” حديثها، قائلة: “من خلال نزولنا الميداني إلى معظم القرى الريفيّة، وجدنا بأنّ بعض المسائل التي تخص المرأة معقّدة، لأنها أصبحت متجذّرة في العادات والتقاليد، ومن الصعب جدًا تغيير بعض هذه القناعات، التي يعدّونها مهمّة، حتى إن كانت على حساب صحة المرأة الريفيّة”.