أحلام الدُّبَعي.. نجاح استثماري وُلد من رحم المعاناة ليقهر التحدّيات الكبرى
بعد خوضها ماراثونا في المحاكم وأروقة السلطات القضائية بصنعاء استمرّ لأكثر من عام كامل، خرجت سيدةُ الأعمال اليمنية أحلام كمال الدُّبَعي قبل أيام، منتصرة على كل التحدّيات الكبرى، لتستأنف كتابة قصة نجاح في مجال ظلّ محصورا على الذكور، ليس في اليمن وحسب، بل على مستوى الوطن العربي.
اقتحمت أحلام القطاع التجاري بقوة باستيراد السيارات، وبيع وصيانة مختلف أنواع المركبات، وتقديم خدمات ذات صلة بالسيارات، وحققت في الثلاث السنوات الأولى من افتتاح معرضها في صنعاء الذي حمل اسم “كار كير” نجاحا لافتا، رغم كل التحديات والمصاعب التي رافقت تجربتها التجارية، قبل أن تجد نفسها ومعها عشرون سيدة أخرى هُنّ شريكاتها في المشروع الوليد، أمام إشكالية قانونية كان بطلها صاحب العقار؛ إذ حاول ممارسة الغش والتدليس في عقد إيجار العقار “عمارة المعرض” وتحويله من عقد مدّتُه عشر سنوات إلى عامين فقط، بعد أن أنفقت أموالا طائلة في إصلاح وتجهيز المكان، وقد غُيّرت بنود العقد قُبيل توقيعها عليه بعفوية وحُسن نية.
حاولوا استغلال طيبتها والاستيلاء على أموالها ونسف مشروعها تحت مقولة “القانون لا يحمي المغفلين”، لكنها أبدت صمودا أسطوريا واستعانت برجال القانون وأوصلت مظلوميتها إلى أعلى المستويات في السلطة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومختلف الوسائط المتاحة، لتثبت للجميع خطأ هذه المقولة وأن القانون وُجِد في الأساس لحماية “المغفّلين” ولصيانة الحقوق، ولكي يضع حدّا لكل من يسعى للاستيلاء على حقوق الآخرين بطرق ملتوية ووسائل غير شرعية.
النصر القضائي.. نجاح آخر
الانتصار القضائي الذي حقّقته أحلام الدبعي كان ثمرة جهد دؤوب بذلته لعام كامل في مواجهة خصوم من ذوي الأموال والنفوذ والعلاقات والواسعة، وتقول المحامية حسناء عقلان: “أثبتت أحلام الدُّبَعي للجميع أن الحق لا يضيع وراءه من يطالب به ويستميت في الحصول عليه”.
استطاعت هذه الفتاة الوحيدة وسطَ مجتمع ذكوري تتحكم به عقليات قَبَلية تقليدية من تحقيق انتصار حاسم أصبح، كما تقول المحامية والناشطة الحقوقية حسناء عقلان في حديثها لـ”غرفة أخبار الجندر”، مصدر فخر وإلهام لكثير من نساء اليمن؛ إذ خلقت رأيا عاما، وأوصلت صوتها إلى أعلى المستويات السياسية في صنعاء، وحصلت على حقّها بطرق قانونية لتواصل مسيرتها في مشروعها ” كار كير” الذي يُعدّ أول معرض لبيع وصيانة السيارات على مستوى اليمن والوطن العربي في ظروف بالغة التعقيد بسبب الحرب المتواصلة منذ سبع سنوات وما خلّفته من تداعيات طالت بآثارها أوضاع النساء في البلاد، وأثرت بشكل مباشر على مستوى حضورهن الضئيل أصلا في سوق العمل.
وتوضح سماح عبد الله وهي إحدى شريكات مشروع “كار كير” أنها والأخريات المساهمات في المشروع عِشن في الأشهر الماضية أوقاتا عصيبة وفقدنَ الأمل في الإنصاف، نظرا لضعف موقف أحلام بعد توقيعها على العقد من دون انتباه منها لتغيير بنوده، لكنها خاضت صراعا ونضالا حقيقيا على كلّ المستويات القضائية والإعلامية، حتى انتصرت بانتزاع حقها وحقوق الشريكات، ليستأنف المشروع نشاطه، لذلك هي بحق فتاة مثابرة ومصدر إلهام لملايين اليمنيات ممن يعشنَ ظروفا صعبة ويتطلّعن لقهر كلّ التحديات والمصاعب مِن حولهن والانطلاق لتغيير حياتهن إلى الأفضل.
تداعيات الحرب
تُعدّ نسبة حضور المرأة اليمنية في سوق العمل من أدنى المعدلات على مستوى العالم، والحرب طال أمدها أضافت تأثيرات أخرى على هذا الواقع. ويوضّح مختصون وخبراء اقتصاديون أن الحرب دفعت كثيرا من النساء إلى سوق العمل في صور وأنماط جديدة وغير معهودة، فاضطرت المرأة إلى اقتحام مهن وحِرَف كانت حكرا على الذكور، وفي بعض الحالات باشرن في إنشاء مشاريع جديدة تُدار من منازلهن غالبا للتغلب على الأزمة الاقتصادية أو لفقدان الرجل المُعيل. ويشير الباحث الاجتماعي أمين المَشْوَلي إلى أن الحرب فرضت قيودا إضافية على مشاركة المرأة المنخفضة أصلا في سوق العمل.
كانت أحلام الدُّبَعي واحدة من ضحايا الحرب، وقد وفقدت، كما تقول، وظيفتها؛ إذ كانت تعمل مشرفة إدارية لدى شركة تعدين إماراتية، لكنها أصبحت فجأة بلا عمل وبلا مصدر تعتاش منه، لتعمل بعد ذلك متطوعة في معرض لتأجير سيارات ثم متدربة لدى شركة صرافة محلية، لكن ما كانت تحصل عليه لا يفي باحتياجاتها واحتياجات أسرتها الأساسية، فقررت خوض تجربة افتتاح معرض سيارات خاص بها بمساهمة 20 فتاة، فكان مشروع “كار كير” الفريد من نوعه تحت إدارة امرأة، وإذا بها أول فتاة يمنية تقتحم مجال بيع وشراء السيارات مع خدماتها، التي تشمل تنظيم دورات لتعليم قيادة السيارات للسيدات بكادر من مدربات متميزات ذوات خبرة وكفاءة عالية، لكن هذا النجاح بحسب أحلام في حديثها لـ”غرفة أخبار الجندر” لم يكن مفروشا بالورود، بل جعلها تخوض حرباً شنّها عليها المنافسون من الرجال، لكن خبرتها السابقة جعلتها تجابه الجميع لأجل بقائها في ساحة الأعمال بكفاءة وثقة. ولا تزال تواجه كثيرا منها وخاصة من بعض المتنفذين ممن لا يستسيغون وجود امرأة في معرض سيارات.
فلسفة أحلام
تقول أحلام التي قرّرت الاقتران بشريك الحياة مؤخّرا إنها تعلمت من هذه التجربة القصيرة في عمر مشروعها الممّيز كثيرا من الدروس والتجارب التي جعلتها أكثر نضجا وخبرة في مواجهة مصاعب الحياة، وتُشير إلى أن أبرز تلك الدروس هي أنه “على كل شخص أن يؤمن بنفسه، وأن ينتزع خوفه من الداخل لكي يؤمن به الجميع، فالإيمان بالنفس من أسباب النجاح” وتضيف: “كل تجربة صعبة في حياة الإنسان تضيف المزيد في رصيده العملي، وتجعل منه أكثر قوة وتفهّما لما ينبغي أن يقوم به في مواجهتها والتغلب عليها مستقبلا”، وتوجّه أحلام نصيحة لكل نساء اليمن بأن يتخلصن من مخاوفهن من الداخل وسيجدن أبواب النجاح مشرعة أمامهن.
هذه هي فلسفة أحلام كمال الدُّبَعي في الحياة والتي جعلت منها مصدر إلهام لملايين اليمنيات في بلد يواجه أسوأ أزمة إنسانية في العالم بسبب الصراع المتواصل.