مواد غرفة أخبار الجندر

12
نوفمبر

الفصل العنصري في المدارس: مصير الفتيات في بعض المناطق

 ميديا ساك

في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية التي تمر بها اليمن، يعاني قطاع التعليم من العديد من التحديات التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الأطفال، وخاصة الفتيات. في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين، يواجه التعليم تحديات إضافية تتمثل في الفصل العنصري على أساس الجنس في المدارس. وهذا يشمل تمييزًا صارخًا في المعاملة والتربية، يؤثر على فرص التعليم والنمو الشخصي للفتاة اليمنية، ويحد من إمكانياتها المستقبلية.

الواقع القاسي: التفرقة بين الفتيات والفتيان
نورا (اسم مستعار)، طالبة في إحدى المدارس التي تقع في مدينة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تجسد معاناة العديد من الفتيات في تلك المناطق. تقول نورا: “نحن نواجه تمييزًا واضحًا في كل شيء، بدءًا من طريقة تدريس المواد إلى أسلوب التعامل معنا من قبل المعلمات، فالطلاب الذكور لهم مكانة أعلى، وحين نتحدث عن فرص الأنشطة التعليمية أو الرياضية، نرى أن معظم هذه الفرص موجهة لهم فقط”.
هذه الشهادة ليست استثنائية، فالكثير من الفتيات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يعانين من تمييز مستمر في مدارسهن. يتم الفصل بين الفتيات والفتيان في العديد من المدارس، بل يُفرض على الفتيات ارتداء زي موحد يعكس التوجهات الأيديولوجية للحوثيين، بينما يتمتع الفتيان بمرونة أكبر في هذا الجانب. إضافة إلى ذلك، غالبًا ما تُستثنى الفتيات من بعض الأنشطة التي يُنظر إليها على أنها “غير لائقة” بالنسبة لهن، كالمشاركة في الألعاب الرياضية أو الفعاليات الثقافية.

التعليم كأداة للفصل بين الجنسين
في كثير من الحالات، يمتد الفصل إلى المناهج التعليمية نفسها. تقول هند (26 عامًا)، معلمة في إحدى المدارس في صنعاء: “نحن مضطرون إلى تدريس مواد تعزز الفكر الطائفي والفكري الذي تروج له جماعة الحوثيين، وهو ما يترجم في كثير من الأحيان إلى فرض قيود على الفتيات. تركز المناهج في بعض المواضيع على تقديم صورة معينة للمرأة، كما يتم تقديم دورها في المجتمع بشكل ضيق للغاية، بحيث تُصور فقط كأم أو زوجة، دون أي تطرق لمجالات أخرى يمكن أن تعمل فيها النساء”.
في هذه المدارس، يُفرض على الفتيات تعلم سلوكيات معينة تتماشى مع الأيديولوجية الحوثية، حيث يُشدد على القيم التقليدية المتعلقة بالمرأة، مما يساهم في ترسيخ مفاهيم الفصل بين الجنسين منذ مراحل الطفولة المبكرة.

أثر الفصل العنصري على الفتيات اليمنيات
لا يقتصر الفصل العنصري على تقييد حرية الفتيات في اتخاذ القرارات المتعلقة بتعليمهن فقط، بل يمتد ليؤثر على تطورهن النفسي والاجتماعي. تقول فاطمة (24 عامًا)، إحدى الفتيات اللاتي تخرجن من مدارس تحت سيطرة الحوثيين: “شعرت أنني مجبرة على السير في مسار معين من أجل تحقيق توقعات المجتمع والعائلة، دون أن يكون لديَّ حق في اختيار مستقبلي. هذا الفصل العنصري جعلني أشعر بأنني لست كفؤًا كالفتيان في مجتمعي”.
هذا الفصل ليس مجرد تمييز في قاعات الدراسة، بل يُترجم إلى تأثيرات نفسية واجتماعية دائمة على الفتيات، حيث يُرسخ لديهن إحساس بعدم الكفاءة وعدم القدرة على اتخاذ قراراتهن الخاصة في المستقبل. كما يعزّز هذا الفصل التفرقة المجتمعية بين الجنسين، ويقلل من فرص النساء في المشاركة الفعالة في المجتمع.

الآثار النفسية والاجتماعية: بناء حاجز نفسي
العديد من الفتيات اللواتي تعرضن لهذا الفصل العنصري يعانين من اضطرابات نفسية بسبب الشعور الدائم بالعجز وعدم الجدوى. تقول الناشطة الحقوقية ليلى سعيد: “من خلال متابعتنا مع الفتيات اللواتي تعرضن لهذا النوع من الفصل في المدارس، نلاحظ تزايدًا في حالات الاكتئاب والشعور باليأس. إن هذه الممارسات التمييزية تخلق لديهم فكرة أنهن أقل قيمة من الفتيان، مما يعزز فقدان الثقة بالنفس ويؤثر بشكل خطير على تطورهن الشخصي والمهني”.

التغيير يبدأ من التعليم
على الرغم من أن الظروف السياسية والاقتصادية تجعل من الصعب تغيير هذه الممارسات في الوقت الحالي، فإن الحل الحقيقي يكمن في توعية المجتمع المحلي والعالمي بهذه الانتهاكات. في بعض المناطق، بدأت بعض النساء في السعي من أجل تغيير الوضع في المدارس، حيث تقول سعاد (31 عامًا): “في البداية كان الحديث عن حقوق المرأة في التعليم محظورًا، لكن بمرور الوقت بدأنا نرى تغيرًا طفيفًا في بعض المناطق، حيث بدأ الآباء في الاعتراف بحق بناتهم في التعليم دون تمييز”.

حاجة إلى دعم أوسع
إن التغيير في هذا السياق يتطلب تحركًا من المجتمع الدولي، إلى جانب جهود المنظمات الحقوقية التي تسعى لدعم حقوق الفتيات في التعليم داخل المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين. يجب أن يكون هناك ضغط مستمر على الجهات المعنية من أجل إزالة هذه الأنماط العنصرية وتحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين في المدارس. إن تغيير هذه الثقافة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تعزيز القيم الإنسانية الأساسية التي تضمن للجميع حق التعليم دون تمييز.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية