يقطعن مسافات طويلة وجبال وعرة | فتيات في ريف عمران يبحثن عن مدارس إعدادية وثانوية
تقطع عشرات الفتيات في قرى نائية بمحافظة عمران مسافات طويلة في صباح كل يوم دراسي، مشياً على الأقدام، للوصول إلى مدارس إعدادية وثانوية، فيما أُخريات يكتفين بشهادة “سادس”.
تواظب الطالبة وفاء محسن التي تدرس في الصف التاسع الأساسي، وزميلاتها الذي يدرسن في المرحلتين الاساسية والثانوية والقادمات من عدة قرى بعزلة مرهبة، مديرية ذيبين، محافظة عمران، يومياً على السير لمسافات طويلة في الصباح الباكر، وصولا إلى مدرسة الوحدة الأساسية الثانوية، التي تبعد عن قراهن حوالي 5 كيلو.
تحلم وفاء وعشرات من زميلاتها بإكمال تعليمهن العام وصولا إلى الالتحاق بالجامعة، وتسهيل حصول مئات الفتيات في العزلة إلى التعليم كحق أساسي، خلال السنوات القليلة القادمة، عبر بناء مدارس أساسية وثانوية أو افتتاح صفوف دراسية للفتيات بعدد من القرى المتجاورة والقريبة من بعضها إن لم تكن بكل قرية، تخفيفا لمعاناتهن؛ وفق ما ذكرته لـ “طالب يمني“.
وفاء واحدة من بين 20 طالبة قادمات من قرى بعيدة، يدرسن في المرحلتين الأساسية والثانوية؛ حسب ما ذكره مدير مدرسة الوحدة الأساسية الثانوية علي ناجي مهدي لـ“طالب يمني“.
ويبلغ عدد الطالبات الذي يدرسن بمدرسة الوحدة الأساسية الثانوية بمركز مدارس مرهبة-مديرية ذيبين، محافظة عمران، للعام الدراسي 2023–2024م،281 طالبة في المرحلتين الأساسية والثانوية.
وأفاد مهدي أن الصعوبات التي تواجه تعليم الفتيات في المنطقة تتمثل بالاختلاط وبعد المدرسة عن القرى وانعدام الكادر النسائي من المعلمات.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد سكان محافظة عمران (تقع شمالَ العاصمة صنعاء، وتبعد عنها حوالي 50 كيلومتر تقريبًا)، خلال العام الجاري ٢٠٢٤ يصل حوالي مليون ومائتي شخصا، منهم نحو ٣٥ ألف شخص يسكنون في مديرية ذيبين، حوالي 17788 شخصا منهم في عزلة مرهبة، التي تقع غربي محافظة الجوف، نصفهم من الإناث؛ حسب موقع الإحصاء العالمي.
قرى دون مدارس إعدادية وثانوية
وتضطر أغلب الطالبات في قرى وعزل المحافظة التي يمثل فيها الريف النسبة الأكبر من مساحتها، إلى ترك المدارس والتوقف الإجباري عن التعليم بعد الصف السادس وقليلات من يواصلن إلى الإعدادية والثانوية، بسبب عدم وجود مدارس في قراهن أو على الأقل في قرى قريبة من مكان سكنهن، خصوصًا القاطنات بقرى بعيدة غالبيتها لا يوجد فيها مدارس إعدادية وثانوية، وهو ما يجعل إمكانية إكمال الفتيات دراستهن أمرًا غاية في الصعوبة، وربما مستحيلًا.
وتلتحق نصف عدد الإناث فقط بالمدارس الابتدائية، بينما اثنتين من كل ثلاث يمنيات يعتبرن أميات، وفقاً لإحصاءات “اليونيسيف”.
توقف إجباري بعد سادس
بصوت ممتزج بالبكاء ومختنق بالعبرات؛ تذكر تهاني أحمد صالح، 13عامًا، أنَّها توقفت عن الدراسة منذ سنتين بعد إكمالها الصف السادس الابتدائي؛ لأنَّها وزميلاتها غير قادرات على الانتقال إلى مدارس إعدادية بعيدة عن قريتهن؛ ما اضطرها وزميلاتها إلى ترك الدراسة نهائيًا، رغم رغبة وتشجيع أسرهن لإتمام دراستهن؛ وفق ما ذكرته لـ“طالب يمني“.
ومع كل صباح جديد تشعر تهاني بحسرة من رؤية طلبة وطالبات يتوجهون إلى المدارس، في حين هي اضطرت للتوقف الإجباري عن الدراسة، وتقول: “حين أنهيت الصف السادس كنت أرغب في إكمال دراستي، غير أن بعد المدارس الإعدادية عن قريتي، وعدم توفر معلمات، ومدارس خاصة بالبنات في قرى العزلة، جعلني أقرر الاكتفاء بشهادة الصف السادس”.
وأضافت: “لم أكن أرغب في ترك الدراسة والانقطاع عن المدرسة، فأنا أحب الدراسة والتعلم، كما أنني من أوائل الطلبة بمدرستي”.
مدرسة بنات واحدة
ويبلغ عدد المدارس التابعة للمركز التعليمي بعزلة مرهبة، مديرية ذيبين، 17 مدرسة أساسية وثانوية، بينها مدرسة واحدة للبنات فقط، فيما يبلغ عدد الطالبات 1415 طالبة؛ وفق ما ذكره التربوي عارف ناصر علي، مدير إدارة التربية والتعليم بمدارس مرهبة.
وقدر علي نسبة الطالبات المتسربات بعد إنهاء الصفين السادس والتاسع بنحو 50 في المائة، نتيجة لعدم وجود مدارس أساسية وثانوية بقراهن التي يسكن فيها (توجد فيها مدارس للصف السادس فقط)، إضافة إلى البعد الجغرافي للمدارس الإعدادية والثانوية عن قراهن، ونقص أعداد المعلمين البالغ عددهم 231 معلماً ومعلمة، منهم 138 معلم ثابت، و 3 معلمات، و 74 معلما متطوعا، و 16 معلمة.
معوقات تعليم الفتيات
وتتمثل معوقات تعليم الفتاة اليمنية في قلة عدد مدارس البنات وبعدها عن القرى ونقص عدد المعلمات واليأس من الحصول على وظيفة حكومية؛ حسب تقرير “معوقات تعليم الفتاة في اليمن وأثرها على الأسرة والمجتمع”، أعدته مؤسسة زدني للتعليم.
تأنيث التعليم بمراكز المديريات والعزل
وبشأن الحلول المناسبة لتشجيع فتيات الريف على الالتحاق بالمدارس؛ أكد زيد رطاس، مدير عام مكتب التربية والتعليم بالمحافظة على ضرورة “الدعم الحكومي للمناطق الريفية من خلال توسيع المدارس وتوفير تمويل للمعلمين المهاجرين إلى المناطق الريفية كي يستمر التعليم ويثمر بمخرجات لتغطية العجز وخاصة من المعلمات، والقيام بالتوعية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأهمية تعليم الفتاة، وتأنيث التعليم بمراكز المديريات والعزل، وإقامة دورات تأهيلية للمعلمات للنهوض بتعليم الفتيات في المناطق الريفية التي يتواجدن فيها، وحشد المجتمع للمساهمة الفاعلة في دعم استمرار الفتيات بالتعليم من خلال دفع مرتبات المعلمات وتعزيز استقرار العملية التعليمية”؛
فرص تمكين
وعن الفرص المتاحة لتمكين الفتيات الريفيات من الالتحاق بمدارس التعليم الأساسي والثانوي ومواصلة تعليمهن؛ ترى الدكتورة إلهام الرضا، أستاذ التنمية الشاملة بجامعة صنعاء، أن “فرص تعليم الفتيات في الريف اليمني ضئيلة جدا نتيجة بعد المدارس عن مواقع سكنهن، إضافة إلى سيطرة ثقافة الاكتفاء بالتعليم الابتدائي، وغياب الوعي المجتمعي والأسري بأهمية تعليم الفتيات، والزواج المبكر، وانقطاع رواتب المعلمين الذي هاجر معظمهم إلى المدن للعمل في مدارس أهلية”؛ودعت الرضا إلى تكثيف التوعية الإعلامية بأهمية تعليم الفتيات بشكل متواصل، وإقامة مشاريع مجتمعية من قبل أهالي المناطق الريفية، وتشجيع الفتيات على مواصلة تعليمهن من خلال توفير الكتب أو الحوافز للمعلمين من قبل بعض المنظمات المحلية والدولية، والتركيز على استمرارية عمل برامج محو الأمية وتعليم الكبار، مثل ما كان في الفترة الماضية.
ضمانة قانونية
ويضمن القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 سنة 1992، حق الفتاة في الحصول على التعليم بما يتّفق مع ميولها وقدراتها، وساوى بين الجنسين في الانتفاع بالفرص التعليمية، غير أن تطبيق القانون في الحضر والريف لايزال دون المستوى المأمول تحقيقه.
تعليم الفتيات وأهداف التنمية الألفية
ولاتسير اليمن نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي يكفل هدفها الرابع الحصول على التعليم الجيد وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع، وضمان أن تتمتّع جميع الفتيات والفتيان بتعليم إبتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيّد، وتحقيق نتائج تعليمية ملائمة وفعالة بحلول عام 2030م.
نموذج فاعل لتعليم الفتيات
وبالرغم من أن القيود المجتمعية في العزل والأرياف تبرز بشكل أكبر للحد من التحاق الفتيات بالتعليم الأساسي والثانوي، فضلًا عن الجامعي، إلا أن عزلة أهلا بالحسين بمديرية خمر، المجاورة، لعزلة مرهبة، تعد أنموذجا فاعلا في دعم تعليم الفتيات، إذ تتولى حافلة كبيرة نقل الطالبات من كافة قرى العزلة بعد ظهر كل يوم إلى مدارسهن؛ وفق ما أفاد حافظ البدوي، أحد وجهاء العزلة.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)