ولاء دينيش .. فتاة مأربية صاعدة
بعلامات من الرضا، وكثير مِن القبول، وبكلِّ فخرٍ واعتزاز، تسردُ الشابة ولاء قصة نجاحها، وتضع حروفها بلكنةٍ بدويّةٍ ممزوجة بصوتها الإذاعي الذي اعتادت عليه بين أروقة الإذاعات المحليّة، وزوايا الفعاليات الجماهيريّة.
تعيش فتيات ونساء محافظة مأرب والمناطق المجاورة في حالة سلطة ذكورية حادّة، تحكمها العادات والتقاليد المتسلطة والممتهنة لحق الفتيات والنساء، وهي نتيجة للحياة البدوية، والبيئة الصحراوية القاسية في تلك المناطق اليمنيّة، لكنّ الفتاة المأربيّة ولاء دينيش (21 عاما)، وبنت مأرب الجسورة -كما يصفها الأصدقاء- برز نجمها بزمن قياسيّ، ونجاحٍ كبير، حققته في الوسط الإعلامي والمجتمع المدني، وفي ظلِّ مجتمعٍ يقزّم دور المرأة ويضع الفتيات على الهامش.
قدِمت من بين صحراء مأرب، وخيام وادي حريب (جنوب مأرب) لتنسج نجاحاتها الكبيرة والمتواصلة بكثير مِن الشغف، ومزيد مِن التحدّي، متسلحةً بالإصرار والعزيمة، وتشجيع الأهل وبعض الأقارب، لكسر كل الحواجز، واجتياز كل السياجات التي تقف عائقًا أمام الفتيات اليمنيات، وخصوصا في المناطق الريفية البدوية.
“ليست ولاء مَن كسرت الحاجز وحدها، بل كان معها مَن يسند ظهرها ويقوّي عزيمتها، رغم كل الانتقادات التي واجهتها في مسيرتها التعليمية والعملية، فهي فتاة مأربيّة، ومَن لديها سند وظهر تحتمي إليه قادرة على أن تصنع المستحيل”، هكذا تحدّثت ولاء دينيش عن نفسها.
وواصلت دينيش حديثها: “والدي كان سندي، ومَن له الدور الأبرز، وهو مَن شجّعني على كسر هذه الحواجز، وأن أحلّ في المكان الذي أتمنّاه، وأشتغل بكل سهولة وبدون اعتراض أو خوفٍ من التقاليد التي تنظر للمرأة نظرة قاصرة، فلا تمنحها إلا أن تكون ربة بيت، لتربّي الأطفال بعد الزواج”.
بداياتٌ كبيرة
كان لولاء سبق كبير وبداياتٍ طموحة منذ الصِغر، فقد ملكت روح القيادة، وكان لها دور بارز في الأنشطة المدرسية في سنوات عمرها الأولى، وقد تحدّثت بقولها: “وأنا صغيرة، كنتُ أشارك في كثيرٍ من الأنشطة المدرسية، وأتفوّق على زملائي في الصف، وهذا فتح المجال أمامي لطموح أكثر”.
التحقت ولاء بقسم الإعلام – جامعة إقليم سبأ – تخصص إذاعة وتلفزيون، وكانت هي وأختها أولى فتيات مأرب في هذا المجال، وكان ذلك امتدادا لطموحها الكبير في أن تصبح ذات يومٍ اسما كبيرا في مجال الإعلام وأن تكون صوت مَن لا صوت له في توصيل رسالة المجتمع، وتغيير الصورة النمطية الخاطئة عن الفتاة المأربيّة، على حدِّ تعبيرها.
لم يقف الأمر عند التحاق ولاء بقسم الإعلام فحسب، بل جعلت مِن طموحها واقعًا، على عكس كثير مِن مرتادي هذا القسم، فقد عملت بالتوازي مع دراستها الجامعية على صقل مواهبها واكتساب الخبرات وبناء العلاقات التي تجعلها قادرة على خوض الجانب العملي في المجال الذي أحببته، وفي هذا الصدد، تقول: “لم أنتظر التخرّج من الجامعة، بل سعيتُ كثيرًا، وليس للإنسان ما سعى، فكل مَن يريد النجاح يجب أن يبدأ خطوة خطوة”.
وتتابع دينيش حديثها: “صحيح أنّ الواحد لا يتفرغ تمامًا إلّا بعد التخرّج من الجامعة، لكن على الأقل يمكنه أن يتخرّج وقد صنع لنفسه اسمًا، أو شارك في أشياء بسيطة، قد تؤهله في سوق العمل، وتجلب له الفرص”.
محطات فارقة
كثيرةٌ هي المحطات التي تجعل من الفتيات الطموحات ينطلقنَ نحو مستقبل يسبق أعمارهنّ بسنواتٍ كثيرة، وخصوصا تلك الحالات النادرة التي ظهرت من بين ركام الحرب، أو من أوساط المجتمعات التي تحكمها العادات والتقاليد القاسية.
تواصل ولاء سرد تفاصيل حكايتها المثيرة للشجون بقولها: “العمل مع الإذاعات المحلية، كإذاعة مأرب وإذاعة الاتحادية إف إم، هو ما صنعني وصقل مواهبي في الجانب الإعلامي، بعد كل المشاركات والفعاليات التي كنتُ أُقيمها في أثناء دراستي الجامعية بين أروقة الأقسام وزوايا الكليات”.
وتحدّث الأستاذ محمد الجماعي مدير عام إذاعة الاتحادية إف إم في صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، مهنئا ولاء دينيش بتخرجها، ومشيدًا بدورها الفاعل، ونجاحها الباهر في الجانب الإذاعي، بقوله: “اليوم يا ولاء أنت مَن سيقوم بدور المؤمن بقدرات الآخرين، لكن مَن سيعوضنا إذا غادرت أثير الاتحادية؟!”. وواصل الجماعي حديثه، في صفحته الشخصية: “الفزعة يا فتيات مأرب، نريد ولاء واثنتين وثلاث بالمواصفات نفسها والقوة والدهشة والإبداع”، وأثنى على جهدها وإبداعها، واختتم منشوره، بقوله: “شكرا لولاء، وألف مبروك يا غالية”.
وحول عظمة وتضحيّة أبناء مأرب في سبيل النهوض بفتياتهنّ وإتاحة المجال لهنّ مؤخرًا للخوض في غمار الحياة، والاندماج بين أوساط المجتمع، رغم الصورة النمطية التي كانت راسخة عن هذه المجتمعات، تحدّثت الصحفية بشرى الجرادي، بقولها: “في الآونة الأخيرة برزت كثير من الأمور التي كانت غائبة، وتبيّن لنا أن المجتمع المأربي، باستطاعته أن يقدّم شيئا إذا توفرت لديه الوسائل والإمكانيات”، وتابعت الجرادي قائلة: “ولاء واحدة من الفتيات المأربيات اللاتي تجاوزنَ الصعوبات المجتمعية القبلية، واستطاعت أن تحقق أهدافها بالعزيمة والإصرار”.
مشاركات فاعلة
لم يقتصر الأمر على مشاركة ولاء في الأنشطة والمبادرات والفرص التدريبية على مستوى محافظة مأرب فحسب، بل شاركت في كثير من المؤتمرات والفعاليات، على مستوى محافظات اليمن، وقد فتحت لها المجال أمام نجاحها، وتحقيق جزء من طموحاتها. تقول ولاء: “اختياري من ضمن وفود مؤتمر نموذج محاكاة الأمم المتحدة الذي أُقيم في محافظة حضرموت، ممثلة عن دولة اليمن، كان بداية انطلاقة ومحطة تحول في حياتي”. وفي هذا الصدد، تواصل دينيش حديثها: “كذلك شاركتُ في الملتقى الشبابي التطوعي الدولي الذي أُقيم افتراضيًا، وهذا أيضًا فتح المجال أمامي، وأضاف إلى رصيدي كثيرا”.
ولأنّ الحظ كان مرافقًا لها في مسيرتها، كما قالت، واصلت ولاء حديثها، قائلة: “أصبحتُ اليوم مديرة إذاعة خيمة إف إم المجتمعية، بفضل الله أولًا، وكذلك الدعوات التي ترافقني دائمًا، والإذاعة تعتبر منحة مقدمة من إحدى المنظمات الدولية، بعد أن فزتُ بمسابقة أصوات مجتمعية، وكلما أشارك في مسابقات أو فرص، أشعر أنّ التوفيق حليفي”.
العمل التطوعي نجاح
بعد كلِّ المحطات التي مرّت بها ولاء، والنجاحات التي حققتها، عادت لتسرد الأمور التي غفلت عنها في بداية الحديث، لتتذكر أنّ كلّ العلاقات التي اكتسبتها، والخبرات التي تبادلتها حتى وصلت إلى هذا المستوى، كان نتيجة عملها التطوعي في المبادرات الشبابية والأعمال المجتمعية، ولخّصت الحديث بقولها: “أنا أرى أنّ العمل التطوعي له دور كبير في تعريف الناس بولاء”.
وتظلّ المرأة اليمنيّة قوية وقادرة، متى ما توفّرت لديها الإمكانات وأُتيح لها المجال، كما أشارت الصحفية بشرى الجرادي، رغم كل العوائق والسياجات التي تحيط بها من كل الجوانب، حتّى في المجتمعات البدوية التي يطغى عليها طابع السلطة الذكورية، يمكن للفتاة أن تواجه بإرادتها وعزيمتها وصبرها من أجل الوصول.