نساء على الحافة .. رصد لمعاناة المرأة اليمنية خلال فترة الحرب
الرابعة والنصف فجراً، موعدٌ اختارته “حفيظة محمد” للخروج إلى شوارع المدينة بحثاً عن “الكراتين” و”علب البلاستيك” وعليها تعتمد بشكل رئيسي في طبخ الطعام وإيقاد النار داخل منزلها المتواضع الذي انتقلت إليه مؤخّراً.
يُلخّص وضع “حفيظة” النازحة فِراراً من سوء الأوضاع المعيشية وتواصل الصراع في مدينة “المخا” وضع كثير من النساء اليمنيات اللائي أُجبرن على النزوح والخروج إلى الشارع للعمل ومحاولة التأقلم مع سوء الأوضاع التي أفرزتها الحرب.
تشكو النازحة المُنتقلة إلى صنعاء حديثاً شظف العيش والحاجة قائلةً إن “أوضاع البلاد تكسر النساء وتتجاوز قدرتهن على التحمّل سيما النازحات منهن”.
يقدّر “صندوق الأمم المتّحدة للسكّان – UNFPA” في تقريره الصادر عام 2023 عدد النازحين في اليمن بـ 4.5 مليون نازح تشكّل النساء والأطفال ثلثي هذا الرقم، وتؤكّد المديرة التنفيذية للصندوق “نتاليا كانيم” أن “الحرب في اليمن خلّفت دماراً هائلاً كما تركت عواقب وخيمة على النساء والفتيات”.
وعن سبب خروجها المبكّر لجمع “الكراتين” و”علب البلاستيك” توضّح “حفيظة – 45 عاماً” أن عدداً كبيراً من النساء يخرجن لذات المهمة فيما يعني خروجها المبكر تقليل المنافسة معهن وتوفير القدر الكافي من النار طوال اليوم دون حاجة للخروج مساءً فـ “الكل جياع” كما تعقّب.
المعلّمة تجمع البلاستيك أيضاً:
تُرافق معلّمة اللغة العربية “سيسبان ناصر” مؤخّراً “حفيظة” في رحلة البحث هذه.
وضع المعلمة لا يقلّ سوءاً عن صديقتها الجديدة، فمنذ مطلع عام 2017 لم تتحصّل “سيسبان” المعلمة الحكومية في إحدى مدارس الأمانة على “راتب منتظم” وهو ما كان مصدر عون كبير لربِّ الأسرة.
عن ذلك تقول “منظمة اليونيسف – UNICEF” راصدةً أوضاع المعلمين في اليمن خلال فترة الحرب إن “أكثر من ثلثي المعلمين أي ما يقرب من 172,0000 معلم ومعلمة لم يحصلوا على رواتبهم بشكل منتظم منذ عام 2016” أو “أنهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى”.
الأوضاع المالية للمعلمة اليمنية “سيسبان – 35 عاماً” معقّدة للغاية إذ تشكو عدم مقدرتها على شراء أسطوانة الغاز التي لا يتجاوز سعرها الرسمي في منطقتها (12 دولاراً) سيما وأنها ملتزمة أيضاً بمشاركة الزوج دفع إيجار البيت من عوائد مالية بسيطة تتحصلها مقابل تدريسها لبعض الطالبات في منزلها.
توثّق نتائج دراسة موسعه نشرها “برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي – UNDP” في ديسمبر 2023 حرمان آلاف الأسر اليمنية من الحصول على “وقود الطهي” وبمعدل وصل إلى 72.1 % ضمن نسب الفقراء غير المقيدة لعام 2021م“.
كما وتشير نتائج الدراسة التي تناولت موضوع “الفقر متعدد الأبعاد في اليمن” إلى أن الحرب أفرزت “تأثيرات سلبية على مستوى معيشة الأفراد والأسر”، مؤكّدةً أن اليمن يشهد مستويات عالية من الفقر والحرمان مع وجود العديد من التحديات أمام الحصول على الخدمات الأساسية والفرص”.
تودّع “سيسبان” صديقتها “حفيظة” عند السابعة صباحاً حاملة على رأسها ما يكفي من “الكراتين” و”البلاستيك” كوقود للطهي وتتجه صوب منزلها حيث تعيش رفقة 3 من فتياتها وتقاتل من أجل عدم تسربهن عن التعليم.
حفصة لا تريد ترك التعليم:
تعمل الطفلة “حفصة ناظم” في أحد الأسواق المركزية بائعةً للخضروات.
تخرج الطفلة يومياً لمساعدة تُجار السوق على نقل بضاعتهم مقابل القليل من تلك البضاعة قبل أن تتجه لبيعها بمبلغ بسيط لا يتعدى دولاراً واحداً.
تستميت “حفصة – 14 عاماً ” في العمل صباحاً من أجل مساعدة أسرتها وتلبية احتياجاتها الأساسية وتتمكن من الالتحاق بالمدرسة في فترة الظهيرة كلّما سنحت الفرصة فهي لا تريد ترك التعليم كرفيقاتها.
يقول تقرير لمنظمة اليونيسف سعى لرصد تداعيات التسرب عن التعليم نشرته المنظمة في مارس \ 2024 إن “طفلاً من كل أربعة أطفال في اليمن لا يذهبون إلى المدرسة” كاشفاً عن تسربٍ كبيرٍ للفتيات اليمنيات نتيجة عوامل عدّة منها الاضطرار للعمل ما يضع عديد التساؤلات عن طبيعة المستقبل الذي ينتظرهن.
رفيقات “حفصة” اللواتي يعمن معها في بيئة ذكوريةٍ محضة لم يتمكّن من العمل والدراسة فصرن أول ضحايا مشكلة “التسرب عن التعليم” والتي تعاني منها آلاف الفتيات اليمنيات سيما خلال فترة الحرب.
الشقيقتان “نصّار”.. دوام ليلي وإعالة كاملة للأسرة:
اضطرت الشابة “أمينة نصّار – 19 عاماً ” رفقة شقيقتها الكبرى “عبير – 28 عاماً” للقبول بفترة عملٍ ليلة والخروج إلى العمل ليلاً كلّ يوم في أحد مصانع إنتاج “البفك” مقابل أجرٍ زهيد لا يتجاوز 60 دولاراً شهرياً.
مبلغ تحرص الفتاتان على جمعه لتلبية احتياجات الأسرة الأساسية وإعالة 7 أفراد آخرين.
جلعت الحرب والأزمة الاقتصادية الحادة النساء اليمنيات من مختلف الأعمار مُجبراتٍ على الخروج إلى سوق العمل أيّاً كانت طبيعته.
فـ 70% من إجمالي الأسر تعيش حالة حرمان جراء الأوضاع الكارثية التي أفرزتها الحرب وفقاً لـ نتائج دراسة برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي فيما يقول تقرير نشرته “المنظمة الدولية للهجرة – IOM” نهاية عام 2023 إن أكثر من 80% من اليمنيين يعيش الآن تحت خط الفقر”.
هذه الأوضاع أجبرت عدداً من النساء والمراهقات على تحمّل مسؤوليات إعالة أسرٍ كاملة سيما مع غياب الرجل كمعيل رئيس للأسرة أو اضطرارهن لمشاركة الرجال دور الإعالة.
استغلال كارثي للمرأة العاملة:
يبدو وضع الشقيقتان “أمينة” و”عبير” أفضل حالاً من ” زينب العدل – 38 عاماً” وهي المرأة العاملة في إحدى المكتبات المركزية الحكومية بدوام يمتد لخمس ساعات يومياً مقابل “دولار واحدٍ”.
تضطر زينب للعمل مقابل هذا الأجر الزهيد بنظام الساعات – 100 ريال يمني عن كلّ ساعة – على أمل أن يتمّ تثبيتها في وظيفة حكومية وهو ما ظلّ لفترة طويلة مصدر عزائها الوحيد.
عزاء بدأ بالتبدد خلال الفترة الأخيرة سيما مع ازدياد مسؤولياتها الأسرية وصرف 6 أعوام من حياتها على أمل الحصول على الوظيفة الحكومية دون جدوى.
تشهد اليمن خلال الفترة الأخير غياباً تاماً للمؤسسات الرقابية ما يدفع الكثير لاستغلال عمالة النساء الباحثات عن أيّ فرصة متاحة للعمل وهو ما تؤكّده زينب التي تتقاضى في الشهر الواحد مبلغاً لا يتجاوز 30 دولاراً في أحسن الأحول.
وضع كارثي للمرأة على أكثر من صعيد:
وفقاً لمؤشّرات المنظمات الدولية لا تبدو المرأة اليمنية في أحسن أحوالها وعن ذلك يقول تقرير صندوق الأمم المتّحدة للسكّان الصادر مطلع فبراير\ 2023 إن ثمّة ” 12.6 مليون من النساء والفتيات بحاجة الى الدعم المنقذ للحياة في اليمن”.
و”تحتاج 7.1 مليون من النساء وصولاً عاجلاً لخدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي” كما تحتاج “5.5 مليون من النساء والفتيات في سن الإنجاب الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية”.
و”تعاني 1.5 من النساء الحوامل والمرضعات من سوء التغذية الحاد” فيما ” تشكل النساء والأطفال ثلثا الـ 4.5 مليون نازح في اليمن”.
يحدث ذلك في وقت تزداد معه معاناة المرأة وظهورها بشكل كثيف في شوارع مختلف المدن اليمنية بأدوار التسول والعمل بمهن مسح السيارات وبيع المياه ما يعرضهن للمخاطر.
(تمّ إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفّذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية).