مصابات سرطان عنق الرحم في اليمن | معاناة وسط تنمر مجتمعي
“إنتي فيش مرض شوعه (قبيح) وعتخلي الكل يضحك علينا” عانت أحلام الأمرين، فبدلاً من وقوف زوجها وعائلتها داعمين لها، قاموا بإقصائها واتهامها أنها جلبت لهم العار فهذا المرض جديد عليهم إضافة إلى أنه في الجهاز التناسلي، ولا بد أنه نقل لها بسبب فعل مشين، هكذا تعامل زوج أحلام مع مرضها.
تواجه اليمنيات تعنتًا مجتمعيًّا كبيرًا؛ إذ يحظر عليهن مناقشة الصحة الإنجابية أو التوعية بشأنها لذا يجدن أنفسهن في مواجهة المرض والخوف من البوح به إن أصبن به جراء تلقيهن معلومات خاطئة حوله، فالبعض يعتبر إصابة المرأة بأي مرض يطال الجهاز التناسلي عيبا يستحق الازدراء والمعاملة السيئة، فتحرم النساء والفتيات المراهقات من إجراء الفحوص السريرية ولقاحات فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) والعلاجات لمرض سرطان عنق الرحم.
إقصاء و إتهام
في منطقة نائية من ريف محافظة عمران، شمال العاصمة صنعاء، شعرت أحلام (اسم مستعار) 35 عامًا بآلام حادة في أسفل بطنها ونزيف غير طبيعي، حاولت تجاهل الألم والتعايش معه بالمسكنات، لكن حالتها الصحية بدأت تتدهور بشكل متسارع حتى أغشي عليها فجأة، ليتم إسعافها لمستشفى الثورة في صنعاء، لينهال عليها الخبر المحزن هي وعائلتها بإصابتها بسرطان عنق الرحم في مرحلة متأخرة وعليها أن تجري عملية لإزالة رحمها.
صدمة كبيرة تلقتها أحلام تحكي بحزن “ما قد سمعت بذيه المرض من قبل ولا أحد كلمني عنه صح كنت أشعر بألم كبير في أسفل بطني ونزيف دايم استمر لمدة 4 شهور بس ما جزمت أقول لأحد وجلست أتألم سكته لجل زوجي لا يتزوج عليا بس أول ما عرف بمرضي والدكتورة شرحت له طلقني في المستشفى وقال “أنتي فيش مرض شوعه وعتخلي الكل يضحك علينا”
أسباب عدة
يعرف سرطان عنق الرحم بأنه أحد أنواع السرطان الشائعة الذي يصيب الإناث في منطقة عنق الرحم نتيجة وجود نمو غير طبيعي للخلايا المكونة لهذا الجزء، وفقًا لدكتورة صفية الحميدي أخصائية نساء وولادة بمستشفى الجمهوري بصنعاء. موضحةً أن لسرطان عنق الرحم أسباب عدة منها الإصابة بالتهاب فيروس الورم الحليمي البشري وإهمال النظافة الشخصية والإصابة ببعض أمراض نقص المناعة المكتسبة.
تظهر أعراض سرطان عنق الرحم عن طريق حدوث نزف مهبلي في أوقات تختلف عن أوقات الحيض المعتادة وحدوث إفرازات مهبلية مستمرة والألم أحيانا بمنطقة عنق الرحم أثناء الجماع والآلام في العظام أو أسفل البطن نقص الوزن إضافة لتعب عام.
ثقافة مجتمعية
عبد الكريم غانم دكتور علم الإجتماع يرى أن “الثقافة الإجتماعية التقليدية في اليمن تختزل المرأة في جهازها التناسلي، فأي إصابة للمرأة المتزوجة أو للفتاة العذراء في هذه المنطقة الحساسة من جسمها تجعلها فاقدة لأهليتها كزوجة حالية أو مستقبلية.” ويضيف غانم أن “هذه النظرة ترجع للنزعة الذكورية الطاغية في المجتمع، وما يرافقها من نظرة دونية للمرأة، ففي مجتمع تقليدي كاليمن ترتفع فيه نسبة الفقر، لاسيما في أوساط النساء يُنظر لسلامة الجهاز التناسلي للمرأة باهتمام وأولوية باعتباره مصدر إمتاع للرجل، وأداة ضرورية لوظيفة المرأة الإنجابية.
إنعدام الإحصائيات
لا توجد لدى السلطات الصحية إحصائيات دقيقة حول المصابات بسرطان عنق الرحم في اليمن حيث تواصلنا، مع مؤسسة مكافحة السرطان بصنعاء ومستشفى الجمهوري قسم السرطان حول الإحصائيات بعدد المصابات أو عدد الحالات التي تتلقَّى العلاج لديهم، إلا أنهم أجابوا بأن لا إحصائيات لديهم في حين قالت منظمة الصحة العالمية أن سرطان عنق الرحم يقتل أكثر من 300 ألف امرأة في العالم كل عام.
وفي البيان الذي أصدرته الصحة العالمية في الرابع من فبراير 2019م، أن هناك إمكانية للتعافي منه إن تم تشخيصه وعلاجه مبكرا.
د. اماني صالح هادي سعيد أخصائية علاج الاورام والعلاج بالإشعاع المركز الوطني للعلاج الأورام بعدن تشرح “يتم تشخيص سرطان عنق الرحم عن طريق الفحص السريري والتنظير المهبلي وفحص مسحة عنق الرحم مجهريا”. مضيفةً “غالبا قد يحتاج الطبيب لأخذ خزعة من خلايا عنق الرحم وفحصها مخبريًّا ومجهريًّا، فحص الدم.” موضحةً ” هناك طرق علاجية للمرض حسب مرحلة تقدمه كاستئصال الرحم، واستئصال الغدد الليمفاوية في منطقة الحوض، والمعالجة الإشعاعية، والمعالجة الكيميائية، مؤكدةً أن حالات التعافي كثيرة لمن التزمن بالعلاج.
كشفت دراسة لمجموعة من الباحثات حول (العوامل المرتبطة بالمعرفة والمواقف والسلوكيات المتعلقة بسرطان عنق الرحم بين النساء اليمنيات) المنشورة أونلاين المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية (NCBI) عن عينة 399 إمرأة للعام 2019م بـ 5 مستشفيات رئيسية في صنعاء أن العوائق الرئيسية للفحص المبكر لسرطان عنق الرحم في اليمن هي نقص الوعي والتعليم حول المرض فالعديد من النساء غير مدركات لأهمية الفحوصات الدورية وخجلهن من الفحص السريري كذلك عدم توافر اللقاحات الوقائية مثل لقاح HPV وغياب الأعراض إضافة لخوفهن من النتائج.
وأوضحت نتائج الدراسة الى أن 39.1 % فقط من النساء اليمنيات في مجموعة العينة غير المصابة بالسرطان و46% من المجموعة المصابة بالسرطان سمعن عن اختبار مسحة عنق الرحم وذلك ما يفسر غياب التوعية بين أوساط النساء.
اقتصاد منهار
الصراع القائم في اليمن منذ 9 أعوام فاقم الوضع الاقتصادي سوءًا وخلف انهيارًا في القطاع الصحي، فبحسب بيان لمنظمة الصحة العالمية فإن أكثر من 17 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات صحية، لتموت 9 نساء من بين 10 نساء بسبب سرطان عنق الرحم يعشن في البلدان الفقيرة.
إدخال فحص الكشف عن سرطان عنق الرحم لليمن جاء مؤخرا فقد تم افتتاح أول عيادة للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم في 2017م لتستقبل العيادات بكل فروعها في المحافظات اليمنية التابعة لمؤسسة سرطان عنق الرحم بين الفترة (2017م-2023م) وصل عدد النساء اللواتي قمن بفحص الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم لـ 3.602.438 يمنية فقط مقارنة بعدد اليمنيات بحسب التقارير السنوية للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان.
في إحدى قرى محافظة شبوة، شرق العاصمة صنعاء، عانت سلمى 42 عامًا، أم لأربعة أطفال من آلام شديدة في منطقة الحوض والتهابات في المهبل عبر خلطات وصفات شعبية كانت تسكن الألم لكنها لم تصمد طويلا إلى أن عجزت عن مجاراة الألم لتذهب لدكتورة نسائية طلبت منها عدة فحوصات وتحاليل لتكون النتيجة إصابتها بسرطان عنق الرحم لتشعر بالصدمة والخوف من مواجهة المجتمع.
لم تستطع سلمى أن تخفي مرضها لفترة طويلة فقد انتشر خبر مرضها في القرية وبدلاً من أن تتلقى الدعم والمساندة بدأت تواجه موجة من التنمر والمضايقات، تقول سلمى “كنت أسمع النسوان يتكلمن عليا ويقولن كيف جاء له سرطان بذيك المكان” حتى أن بعض الجيران بدأوا باجتنابها خوفًا من العدوى، لم تكن سلمى تعرف كيف تتعامل مع هذا الكم من التنمر والشائعات فقد كان الألم النفسي الذي تعانيه أكبر من ألم مرضها.
دعم وتقبل
منيرة النمر أخصائية نفسية بمستشفى الأمل تقول: “المصابة بسرطان عنق الرحم تواجه إصابتها بالمرض وتعتبر أنها ستموت وحياتها توقفت فتشعر بتوتر وخوف وقلق لذا هي بحاجة لدعم نفسي وتقبل من زوجها والوقوف بجانبها وحثها على العلاج لتستطيع التعافي خاصة وأن المرض تعافت منه نساء كثيرات أصبن به.
بمديرية التحيتا محافظة الحديدة صبرت فاطمة 32 عامًا عن الوجع اليومي الذي تشعر به ليل ونهار بسبب وضع زوجها الإقتصادي الذي بالكاد يؤمن لهم قوت الحياة اليومية عن معالجتها.
لكنها لم تصمد كثيرا حتى عجزت عن تحمل الآلام وذهبت برفقة جارتها لمستوصف صغير للفحص ظنا منها أن تعبها بسبب فقر الدم الذي تعاني منه مسبقا لكن المستوصف أخبرها أنها بحاجة لفحوصات أكثر دقة في مستشفى صنعاء خاص بالأورام لتأكد مما تعانيه. تمكنت أخوات فاطمة وجيرانها من جمع مبلغ بسيط للسفر إلى المدينة وإجراء الفحوصات اللازمة لتصدم بتشخيص الدكاترة لحالتها بأنها تعاني من سرطان عنق الرحم وعليها أن تبدأ بالعلاج الإشعاعي فورا.
على عكس أحلام وسلمى لاقت فاطمة دعمًا نفسيًّا كبيرا من أسرتها التي وقفت بجانبها في المضي بالعلاج والتعافي لتصدر قصة لكل المصابات بسرطان عنق الرحم أن العلاج النفسي جزء لا يتجزأ من العلاج، لذلك ينبغي أن تصل التوعية عن مرض سرطان عنق الرحم لكل النساء بشكل جاد وأن يخضعن لفحوصات للكشف المبكر عن السرطان لمعالجتهن في مراحله الأولى إن أصبن به.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)