عمليات التجميل في اليمن | بين الهوس والضرورة
لم تكن شيماء نبيل (25 سنة) التي تعيش في مدينة صنعاء مقتنعة بشكل أنفها المسطح. تقول: “إنه كان يجعل مظهرها أقل جمالًا لذا فقد خضعت لإجراء عملية رفع الأنف من خلال إضافة غضاريف والتي كلفتها أكثر من 500 الف ريال يمني في صنعاء، ما يعادل 1000 دولار أمريكي. على الرغم من معارضة أسرتها في بداية الأمر، إلا أنها استطاعت إقناعهم بذلك، وبعد أن أجرت شيماء العملية شعرت بارتياح كبير وأصبح شكل أنفها أفضل وأصبحت جميلة أكثر من ذي قبل حسب قولها”.
انتشرت مراكز التجميل في اليمن بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وبالرغم من قلة البيانات والإحصائيات حول تاريخها، إلا أن الاستشاري في جراحة التجميل، الدكتور يحيى السياغي، يؤكد أن هذه المراكز بدأت منذ سنوات، وكان معظمها في البداية متخصصًا في عمليات التجميل الجراحية لعلاج تشوهات ناتجة عن الحوادث، مثل حوادث السير والسقوط من مرتفع والحروق. شملت هذه العمليات زراعة الجلد ونقل الأنسجة وتعديل الأنف والشفة، بالإضافة إلى عمليات لإصلاح التشوهات الولادية مثل الشفة الأرنبية وسقف الحلق.
وبعد أن كانت العمليات التجميلية ومركز التجميل مقتصرة على علاج تشوهات الحوادث والعمليات الضرورية؛ أصبحت الآن تُجرى على مستوى المظهر الخارجي للنساء، إذ شهدت السنوات العشر الأخيرة انتشارًا ملحوظًا لمراكز التجميل التي تجري عمليات تجميلية جديدة، مثل شفط الدهون وزراعة الشعر وتكبير الأرداف وغيرها، وإلى جانب تلك العمليات والمراكز انتشرت مراكز عمليات التجميل غير الجراحية التي تعتمد على استخدام الليزر، وتُعدّ هذه العمليات من أسهل وأسرع الوسائل العلاجية في التجميل، حيث تعتمد على استخدام جهاز يطلق أشعة ضوئية تحت حمراء مركزة في شعاع ضيق، قادرة على اختراق طبقات الجلد، وتتوفر أجهزة ليزر مختلفة تناسب كل حالة، حسب قول الدكتور يحيى السياغي
بعد أن فشلت كل محاولات ريهام محمد (اسم مستعار) في التخلص من الحبوب والندوب الظاهرة على وجهها قررت اللجوء لعمليات التجميل وذلك بعد أن استشارت صديقاتها ومختصين ودراسة جيدة للوضع، إذ قامت بتخصيص مبلغ من راتبها لأشهر وجمعه بالإضافة إلى ما استلفته من صديقاتها من أجل تغطية تكاليف العملية، ولم تستطع إخبار أهلها بالموضوع بسبب معارضتهم الشديدة لعمليات التجميل إذ قررت إجراءها بشكل سري بعد أن عرفت أنها بسيطة وسريعة حسب قولها.
تقول ريهام: “العملية تمت في مركز تجميلي وعلى يد طبيبة متخصصة، ولها سمعة طيبة في صنعاء وكانت العملية عبارة عن جلسة استمرت حوالي نصف ساعة باستخدام جهاز الليزر والتي كلفتها حوالي 52 ألف ريال (100 دولار) بالإضافة إلى ما قررته الطبيبة من علاجات بقيمة 30 ألف ريال (57 دولار أمريكي) والتي ظلت تستخدمهم حوالي الشهر.
بعد أيام قليلة اكتشفت ريهام أن العملية لم تنجح إذ نتج عنها حروق وآثار أعمق من التي كانت تريد اخفاءها، إذ تبين فيما بعد أن الطبيبة لم تكن على دراية كافية بحساسية بشرتها وأن درجة حرارة الجهاز لم تتناسب مع حالتها، الأمر الذي أفشل العملية، مما سبب لها قلقًا نفسيًا وجعلها تشعر بالإحباط والندم حسب قولها.
وبعد فشل العملية اكتشفت أسرة ريهام إقدامها لإجراء تلك العملية ما جعلهم يمارسون العنف اللفظي عليها بشتى أنواعه، كما هددها والدها باستخدام أساليب أخرى لمعاقبتها ومنعها من الخروج من المنزل لأيام، وبقت محطة استهزاء للآخرين من أفراد الأسرة، وبالإضافة إلى الأوجاع النفسية التي عانت منها بسبب فشل العملية أصبحت تعاني من عقوبات الأسرة.
وتُجرى الجراحات التجميلية عادةً لأغراض وظيفية أو جمالية، بما يتناسب مع تنسيق التوازن بين جزء معين وأجزاء مجاورة في جسم الإنسان. وبصرف النظر عن كونها شيئًا مهمًا لإعادة بناء نقاط التشوهات الخلقية أو الناتجة عن حوادث معينة، ثمة أسلوب آخر تلجأ إليه النساء من أجل إضافة مظهر جمالي معين. وفي الحالة الأولى، قد تبدو هذه العمليات مقبولة إلى حدٍ ما عند كثير من اليمنيين، لكن يعترض البعض على النوع الثاني من العمليات؛ ويعود ذلك إلى الأعراف والخلفيات المجتمعية التي تعيب ذلك.
نقص الأدوات
وعلى الرغم من اقتصار عمليات التجميل في اليمن على معالجة بعض التشوهات الخلقية، ونحت الجسم، وتكبير أو تصغير بعض المناطق، وتصحيح الأخطاء الناتجة عن عمليات سابقة، إلا أن معظم الجهات التي تُجري هذه العمليات لا تزال تفتقر إلى بعض الأجهزة الضرورية، حسبما أكدت الدكتورة ابتسام الحاج، المختصة في التجميل.
وتشير الدكتورة الحاج إلى أن عمليات التجميل غير الجراحية هي الأكثر انتشارًا في اليمن، وذلك لسهولة إجرائها وتوفر الأجهزة والمعدات اللازمة. كما أن أخطاء هذه العمليات لا تكون كارثية بالشكل الذي قد يحدث عند النوع الآخر.
وفي ظل عدم وجود معلومات وإحصائيات دقيقة حول عمليات التجميل وأنواعها في اليمن، قمنا بالتواصل مع عدة مراكز تجميل في صنعاء لمعرفة عدد الحالات وأنواعها، تبين أن إحدى مراكز التجميل الغير جراحية تجري أكثر من 20 عملية أسبوعيًا، بينما يقوم مركز تجميل جراحي آخر بتنفيذ حوالي 15 عملية في الأسبوع، لم نتمكن من الحصول على معلومات بشأن العمليات التي قد تفشل، وفي السياق يشير السياغي إلى أن عمليات التجميل قبل نحو عشر سنوات كانت قليلة لأنها كانت مقتصرة على بعض المستشفيات فقط، بالإضافة إلى عدم وجود العمليات الغير جراحية بشكل كامل .
ومع الانتشار الملحوظ لمراكز التجميل في صنعاء في الآونة الأخيرة تواصلنا مع وزارة الصحة بشأن إيجاد إحصائية حول عدد مراكز التجميل الحديثة في اليمن، غير أن الوزارة لم تكن لديها إحصائية او بيانات واضحة إذ علق الموظف المسؤول عن ذلك بأن البيانات لم تحدث في الوزارة منذ أعوام.
مخاوف مجتمعية
وفي حال فشل عمليات التجميل لا تستطيع المرأة فعل أي شيء خوفًا من وصمة العار التي يطلقها المجتمع بسبب ذلك، غير أنها تصاب بالكثير من الأضرار النفسية إذ تقول المختصة النفسية إيمان البريهي: “أن فشل تلك العمليات قد يؤدي إلى انخفاض ثقة المرأة بنفسها، وشعورا كبير بالحزن والذي قد يسبب الاكتئاب، بالإضافة إلى القلق والضغط النفسي الذي سيؤثر على حالة المرأة النفسية بشكل عام”.
من جانب آخر، تعود زيادة إقبال النساء في اليمن على عمليات التجميل في الفترة الأخيرة إلى تعرضهن لصور المظهر الجمالي المثالي عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وتأثرها بالعالم الآخر، وهو ما شجع النساء إلى السعي وراء تحقيق هذا المظهر من خلال عمليات التجميل، بالإضافة إلى زيادة الوعي بأهمية الجمال، وفقًا لما ذكرته البريهي. وتشير البريهي إلى أن النساء في اليمن يتعرضن أيضًا لضغوط اجتماعية أو ثقافية تدفعهن إلى السعي وراء المظهر الجمالي المثالي، الأمر الذي يدفعهن بقوة إلى عمليات التجميل من خلال تقاليد محددة أو توقعات المجتمع.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية)