مواد غرفة أخبار الجندر

05
ديسمبر

تحريم الفنون ونظرة المجتمع | سببان يجبرن الفنانات التشكيليات على ترك الرسم

 شهاب عبدالهادي

في اليمن، حيث تتشابك العادات والتقاليد مع المعتقدات الدينية والاجتماعية، تجد العديد من الفنانات التشكيليات أنفسهن في مواجهة صراع داخلي وحواجز اجتماعية صعبة بسبب ممارستهن لفن الرسم. هذا الفن الذي يُعد وسيلة تعبيرية قوية، يصبح في كثير من الأحيان محط انتقاد ورفض، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنساء. تقول فاطمة، فنانة تشكيلية يمنية تبلغ من العمر 32 عامًا في شبوة: “كنت أعيش في حالة من الخوف الدائم من نظرة المجتمع إليّ. كنت دائمًا أسأل نفسي: هل يمكن أن يقبلوا بي كفنانة في مجتمع تقليدي مثل مجتمعنا؟”

التقاليد الاجتماعية: قيود على الإبداع

تعد اليمن واحدة من الدول التي تتسم مجتمعاتها بالكثير من التقاليد والقيود التي تفرضها على المرأة. ففي مجتمع يرى أن للفن مكانة محدودة، وقد يصل في بعض الأحيان إلى اعتباره محرمًا، تصبح المبدعات في مجال الفن التشكيلي عرضة للكثير من الانتقادات. تقول سلوى، فنانة تشكيلية من صنعاء: “عندما قررت دراسة الفن، لم يكن المجتمع يقبل فكرة أنني أكون فنانة. كانوا يرون أن المرأة يجب أن تلتزم بأدوار محددة في البيت والعائلة، وليس أن تُبدع وتعرض أعمالها للجمهور.”

الفن بين الدين والتحريم

من العوامل التي تؤثر بشكل كبير على حياة الفنانات التشكيليات في اليمن هو التحليل الديني للفن. بعض الآراء الدينية المتشددة ترى أن الرسم، وخاصة الصور البشرية، يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي. تقول هالة، فنانة تشكيلية في تعز: “عندما كنت أشارك في معارض محلية، كنت أواجه تعليقات تقول إن الرسم حرام، أو أنه يتنافى مع قيم الإسلام. كان هذا الأمر يؤلمني، لأنني كنت أؤمن أن الفن يمكن أن يكون وسيلة لتوثيق الجمال والتعبير عن القضايا الاجتماعية دون أن يتعارض مع الدين.”

الضغوط العائلية والمجتمعية: تقليد ثقافي يعوق الإبداع

إلى جانب التحليل الديني، تبرز الضغوط الاجتماعية والعائلية كأحد الأسباب التي تعيق الكثير من الفنانات عن المضي قدمًا في مجالهن. تقول مريم، فنانة تشكيلية في المكلا: “كان عائلتي ترفض بشدة فكرة أن أكون فنانة. كانوا يعتقدون أن هذا ليس مستقبلاً جيدًا للمرأة، وأنه لا يتماشى مع قيم مجتمعنا. لقد حاولوا مرارًا ثنيي عن هذا الطريق، وحتى عندما قررت مواصلة الرسم، كانوا ينظرون إليّ بحذر.”

الفن النسائي: نظرة المجتمع والأحكام المسبقة

في مجتمع مثل المجتمع اليمني، حيث يُنظر إلى المرأة في كثير من الأحيان على أنها يجب أن تلتزم بأدوار محددة، يكون للفن النسائي موقف متردد. فقد يتعرض العمل الفني للفنانة التشكيليّة إلى النقد من قبل الرجال والنساء على حد سواء. تقول رقية، فنانة تشكيلية من عدن: “عندما بدأت عرض أعمالي في المعارض المحلية، تعرضت للكثير من الانتقادات. البعض كان يرى في أعمالي تهديدًا للثقافة المحلية، والبعض الآخر كان يتساءل عن جدوى ما أفعله، متهمًا إياي بالانشغال فيما لا يفيد.”

التحديات النفسية: عندما يصبح الفن عبئًا

تُظهر تجارب العديد من الفنانات التشكيليات في اليمن أن هذه القيود الاجتماعية لا تؤثر فقط على حياتهن المهنية، بل تمتد إلى الجانب النفسي. تقول فاطمة من مدينة تريم بحضرموت: “كلما تعرضت لانتقادات بشأن عملي الفني، كنت أشعر بالكثير من الضغط. كان ذلك يؤثر على نفسيتي ويجعلني أشك في قدرتي على الاستمرار. الشعور بالعزلة كان يتسلل إليّ، خاصة أنني لم أكن أجد من يدعمني.” وتضيف: “أحيانًا كنت أشعر أنني مضطرة للاختيار بين شغفي بالفن وبين قبول المجتمع لي.”

التغيير يبدأ من الداخل: دعم المرأة في مجال الفن

رغم هذه التحديات، هناك أمل في تغيير النظرة الاجتماعية تجاه الفن والفنانات التشكيليات في اليمن. تقول الناشطة الاجتماعية والصحفية مريم سعيد: “لا بد من تغيير العقلية المجتمعية التي ترى في الفن عبئًا أو تهديدًا. يجب أن يتم تشجيع الفتيات على ممارسة هواياتهن الفنية، وتوفير الدعم لهن في هذا المجال.” وأكدت سعيد أنه في حال توفر الدعم من العائلة والمجتمع، فإن الفنانات يمكن أن يحدثن تغييرات كبيرة في البيئة الثقافية والفنية في اليمن.

الفن كوسيلة للتحرير والتعبير

بالرغم من القيود والضغوط، تبقى بعض الفنانات التشكيليات في اليمن متمسكات بإبداعهن، وهن يرون في الفن وسيلة للتمرد على القوالب الاجتماعية الجاهزة. تقول هالة: “الفن بالنسبة لي ليس مجرد مهنة، بل هو وسيلة للتعبير عن مشاعري وأفكاري. أنا أؤمن أنني أستطيع من خلاله أن أغير العالم، ولو قليلاً. لن أسمح لأي ضغوط اجتماعية أو دينية أن توقفني عن تحقيق حلمي.”

المستقبل: أفق أوسع للفن التشكيلي النسائي في اليمن

يبقى السؤال: متى ستتغير نظرة المجتمع اليمني تجاه الفنانات التشكيليات؟ تقول مريم سعيد من المخا: “التغيير سيحدث عندما يتم تكريس ثقافة قبول الفن والتقدير لمساهمة المرأة في هذا المجال. قد يستغرق الأمر وقتًا، لكن في النهاية، الفن النسائي سيجد مكانه في المجتمع، وسوف يُنظر إلى الفنانات كجزء من الحركة الثقافية التي تساهم في تطور المجتمع.”

وبالرغم من التحديات الاجتماعية والدينية التي تواجهها الفنانات التشكيليات في اليمن، فإن شغفهن بالفن يظل قويًا. يمكن لهذا الشغف أن يفتح الطريق للتغيير ويعزز من دور المرأة في التعبير عن نفسها من خلال الفن. قد يحتاج المجتمع إلى وقت طويل ليتقبل هذا الواقع، لكن التغيير يبدأ دائمًا من الداخل، ومن خلال دعم الفنانات وتمكينهن من ممارسة فنهن بحرية.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية