انتحال الهوية: معاناة النساء في العصر الرقمي في اليمن
تحت تأثير انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، تزايدت حالات انتحال الهوية وانتهاك الخصوصية، خاصةً للنساء في اليمن والعالم. يعكس هذا الوضع ما تواجهه العديد من الفتيات، لاسيما في ظل الثقافة المحافظة والخصوصية المجتمعية السائدة في اليمن، حيث يقوم البعض بسرقة صور الفتيات الشخصية، وإنشاء حسابات وهمية باستخدام صورهن وأسمائهن. يحكي هذا التقرير قصص انتحال بعض الأشخاص لشخصيات الفتيات والصحفيات اليمنيات وتأثير ذلك على حياتهن الشخصية والاجتماعية.
تواصلنا مع 13 ضحية لجريمة الانتحال، إلا أن ست حالات فقط وافقت على الحديث معنا. لم يكن الحديث مع الفتيات اللواتي تعرضن للانتحال أمراً سهلاً، حيث رفضن الحديث في هذا الموضوع لأسباب شخصية، بينما قرر آخرون عدم الرد علينا خوفًا من الفضيحة نتيجة العادات والتقاليد والأسرة، أو خوفًا من عدم الثقة في حساباتهن الحقيقية.
وطأة الابتزاز الإلكتروني على الفتيات في اليمن شديدة جدا، وتصل إلى حد الانتحار حسب تقرير سابق للمشاهد عن الموضوع نشر في نوفمبر 2023. وحسب التقرير فإن إحدى المبادرات المدنية المتخصصة في فضح المبتزين تستقبل ما يصل إلى عشر حالات يوميا.
كانت البداية من صفية، 23 عاماً، وهي صحفية لديها حساب على الفيس بوك بصورتها الشخصية. تقول: “المنتحل استخدم صورتي كوني صحفية، حيث أقوم بنشر صور تعريفية لي على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، وأيضًا من خلال بعض المقابلات التي أظهر فيها، بالإضافة إلى حصولي على تكريم. كل ذلك ساهم في نشر مجموعة من صورتي”.
وتشير صفية إلى أن شخصًا ما قام باستخدام إحدى صورها على منصة تويتر تحت اسم مستعار، حيث كان ينشر أخبارًا سياسية تهم بعض الجهات المعنية. وقد تعرضت صفية جراء ذلك لمجموعة من التعليقات غير اللائقة من قبل أشخاص يناصرون تلك الجهات وتهديدات، مما أدى إلى تصنيفها لصالح طرف سياسي معين، في حين أنها لا تُعبر عن انتماء لأي حزب سياسي أو طرف من أطراف الصراع في اليمن.
لم ينته الأمر هنا، بل وصلت صفية العديد من الرسائل عبر حسابها الشخصي تُفيد بأن هناك حسابًا يستخدم صورها، مما يستدعي منها ضرورة إيقافه، نظرًا لأن الاسم الذي يتخذه ينتمي لقبيلة يمنية معروفة. وكانت التحديات التي تواجهها أكبر، إذ تعيش في صنعاء حيث تتجه معظم المنشورات ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين). وقد عبّرت عن مخاوفها من إمكانية استهدافها والوصول إليها، معتقدين أن الحساب يعود إليها، ومع أنه تم الإبلاغ عن الحساب الأول، ولكن سرعان ما تم إنشاء الحساب الثاني بنفس الاسم والصورة، وقام المنتحل بحظر صفية حتى لا يتم الإبلاغ عنه مجددًا.
ولم تكن صفية وحدها في هذه المعاناة، فقد تعرضت روان الأثوري لنفس المشكلة، حيث قامت بسرد تجربتها للمشاهد نت: “أخذوا صورتي ونشروها على صفحة باسم مستعار على فيسبوك، وقد كانت الصورة تابعة لي من خلال هذه الصفحة. تم تداول محتوى مسيء وشتائم وعبارات أخرى كثيرة تتعلق بالحكومة وبشخصيات عامة والجرحى، مما تسبب لي في مشكلات متعددة وتهديدات وبلاغات”. وتقول روان إنها تعرضت لبلاغات رسمية كذلك، وأنها أيضًا تعرضت لحادثة قطع طريق في الشارع بين المنزل والعمل. وتضيف روان أنها نشرت أكثر من مرة أن الصفحة لا تخصها، إلا أن الكثير من الناس يتحدثون أنها صاحبة الصفحة وأنها هي من تنشر ذلك المحتوى.
روان الأثوري: أخذوا صورتي ونشروها على صفحة باسم مستعار على فيسبوك، وقد كانت الصورة تابعة لي من خلال هذه الصفحة. تم تداول محتوى مسيء وشتائم وعبارات أخرى كثيرة تتعلق بالحكومة وبشخصيات عامة والجرحى، مما تسبب لي في مشكلات متعددة وتهديدات وبلاغات”
دوافع الانتحال
تقول الأخصائية الاجتماعية الدكتورة ذكرى العريقي قصتها، حيث تذكر أن إحدى صديقاتها أخبرتها بحادثة غريبة. فقد قامت تلك الصديقة بالإشارة إلى أنها تعرفت على شخص جديد (يُدعي أنه أنثى باستخدام حساب وهمي) كان قد تواصل معها بهدف التعارف. وأثناء حديثهما، كانت المفاجأة عندما أرسلت تلك الفتاة صورة للدكتورة ذكرى العريقي، مدعية أنها هي نفسها، أي أنها قامت بانتحال شخصية الدكتورة. وعندما علمت الدكتورة بهذا الأمر، قامت بتقديم بلاغ على تطبيق فيسبوك.
وتساءلت الدكتورة ذكرى عن كيفية حصول تلك الفتاة على صورتها الخاصة، على الرغم من أنهما ليستا أصدقاء على منصة فيسبوك. كانت هذه الحادثة تدعو للتفكير حول خصوصية المعلومات والصور الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.
الدكتور فوزي الشامي، متخصص في العلوم الاجتماعية، يوضح أن ظاهرة انتحال الهوية تنطوي على مجموعة من الدوافع، حيث يقوم الشخص المنتحل بهذا الفعل بهدف جذب الانتباه والاهتمام من الآخرين، خصوصًا إذا كان الحساب باسم النساء حيث يكون التفاعل أكثر، أو لتحقيق التفاعل الاجتماعي المطلوب.
ويضيف الشامي أن وراء هذا الفعل رغبة في الهروب من واقعه الشخصي، إذ يختار الشخص أن يعيش تحت هوية جديدة وشخصية مختلفة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الظاهرة قد تتضمن أبعادًا أخرى مثل الاحتيال على الآخرين، أو حتى الانتقام من الشخص الذي تم انتحال هويته. وأخيرًا، يشير إلى أن الفضول أو الرغبة في التسلية قد تكون من العوامل المحفزة لذلك السلوك أيضًا.
الدكتور فوزي الشامي: ن وراء هذا الفعل رغبة في الهروب من واقعه الشخصي، إذ يختار الشخص أن يعيش تحت هوية جديدة وشخصية مختلفة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الظاهرة قد تتضمن أبعادًا أخرى مثل الاحتيال على الآخرين، أو حتى الانتقام من الشخص الذي تم انتحال هويته”
يعتقد كل فرد أن لديه أسباباً تبرر سلوكياته واستخداماته المتنوعة، وغالبًا ما تكون لديه قناعة تامة تجاه هذه الأفعال. وتتكون هذه القناعات من مجموعة من الأسباب التي تدفع الشخص لتبني هذا السلوك. من بين هذه الأسباب، يبرز الصراع المرتبط بالهوية، حيث يعاني البعض من عدم الرضا عن هويتهم الشخصية أو من الرغبة في الحصول على القبول الاجتماعي. هذا الأمر قد يدفعهم للجوء إلى هوية تعتبر مقبولة على نطاق واسع في المجتمع، وذلك بحثًا عن الانتماء وتقليل الخوف من الرفض. كما يمكن أن يشعر الأفراد بالملل أو يرغبون في استعراض مهاراتهم وقدراتهم، مما قد يدفعهم لتقمص شخصيات أخرى كوسيلة للتعبير عن أنفسهم أو لإظهار جوانب مختلفة من شخصيتهم.
يعاني الأفراد الذين يقومون بانتحال الشخصيات من مجموعة من المشكلات النفسية، أبرزها الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى اضطرابات في الشخصية. تتعدد العوامل التي تساهم في تعزيز ظاهرة انتحال الشخصية، وأحد هذه العوامل هو الضغط الاجتماعي الذي يفرض عليهم الظهور بمظهر ناجح ومتميز.
أما بالنسبة للتبعات النفسية التي يتعرض لها الضحايا، فإنها تشمل مشاعر الخوف والاكتئاب النفسي، وقد تتفاقم الحالة إلى حد التعرض لصدمة نفسية، خصوصًا في الحالات التي يقوم فيها المنتحل بتصرفات تسيء إلى صاحب الهوية الحقيقية أو تشوه سمعته. وقد يؤدي ذلك إلى مشاعر الخجل والعار، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يستدعي هذا الوضع تهديدات وتحديات فورية، بل ويؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية للضحايا.
ويُلاحظ أن المشاكل النفسية تختلف بحسب النوع الاجتماعي، حيث تزداد المعاناة لدى النساء بسبب التأثيرات البيئية والاجتماعية والثقافية المحيطة بهن.
مواجهة المنتحلين والمبتزين
لا يوجد أي تشريع قانوني يضمن حماية الخصوصية من انتحال الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي في اليمن، لذا، يجب على الأشخاص اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أنفسهم والدفاع عن خصوصياتهم بمفردهم.
المحامية والناشطة الحقوقية تهاني الصراري تقول إن موضوع الصفحات المنتحلة التي تم إنشاؤها على منصات التواصل الاجتماعي، يركز غالبًا على فتيات من مختلف شرائح المجتمع. وأكدت أنه يتم العمل على قضايا الحماية بشكل عام دون الحاجة إلى التعرف على هوية الفتاة أو المرأة التي تعرضت للعنف أو الابتزاز أو التشهير. وأشارت إلى أنه في حال رغبت الفتاة في الاحتفاظ بسرية اسمها، فإن ذلك لا يشكل أي مانع. كما بينت الأستاذة تهاني الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها حماية صور الفتيات من التعرض للتشهير.
أولاً، يتم التواصل مع الشخص الذي يقوم بالابتزاز في محاولة للتوصل إلى حل ودي للمشكلة، أو يمكن التواصل مع أحد أقاربه للمساعدة في حل الوضع. من الخيارات المتاحة أيضًا حذف الحسابات أو الصور التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أن يشمل ذلك حذف المحتوى بشكل عام ليختفي تمامًا من الفضاء الرقمي.
إذا كان هذا الشخص معروفًا، يمكن اتخاذ خطوات إضافية مثل تقديم بلاغ رسمي ضده، خاصة في محافظة عدن، حيث يجب أن يتم تقديم البلاغ بشكل سري للغاية. من المهم أن يتم أخذ أقوال المبلّغ من قبل محققات نساء وليس رجال، وذلك لحماية خصوصية الأفراد المعنيين ولتفادي أي انتهاكات قد تتعرض لها النساء في مثل هذه المواقف.
رابعًا، نلجأ أحيانًا إلى نشر صورة المبتز كوسيلة للردع، خصوصًا في حالات عدم استجابة أسرته أو عدم تفاعل الجهات الأمنية. ولكن في الآونة الأخيرة، أصبح من الضروري أن تكون الفتاة المعنية أو من يمثلها حاضرةً لتقديم بلاغ رسمي، وذلك من أجل اتخاذ أي خطوات قانونية ضرورية.
المحامية تهاني الصراري: نلجأ أحيانًا إلى نشر صورة المبتز كوسيلة للردع، خصوصًا في حالات عدم استجابة أسرته أو عدم تفاعل الجهات الأمنية. ولكن في الآونة الأخيرة، أصبح من الضروري أن تكون الفتاة المعنية أو من يمثلها حاضرةً لتقديم بلاغ رسمي، وذلك من أجل اتخاذ أي خطوات قانونية ضرورية.”
توضح الأستاذة تهاني أن مفهوم الأخلاق يتفاوت بين شخص وآخر، حيث يمكن أن يتعرض الأفراد لعمليات ابتزاز تتخذ أشكالاً متعددة، مثل الابتزاز المادي، أو العاطفي، أو الجنسي، أو المالي، وحتى السياسي. كما يُمكن أن يكون الدافع وراء هذا الابتزاز هو تشويه سمعة الشخص المستهدف بهدف تدميره، وذلك ناتج عن خلافات شخصية بوجه عام. يتباين أسلوب وأهداف المبتزين من شخص لآخر، مما يعكس تنوع التجارب الإنسانية في هذا السياق.
خطوات للحماية
بالنسبة لموضوع الخصوصية والحماية، هناك بعض النقاط الأساسية التي يجب أخذها في الاعتبار. أولاً، من المهم استخدام التطبيقات الرسمية فقط، وتجنب استخدام التطبيقات المعدلة التي قد تعرض بياناتك للخطر. يجب أيضًا الاعتماد على وسائل حماية إضافية، مثل التحقق بخطوتين لضمان أمان حساباتك.
علاوة على ذلك، ينبغي عدم فتح أي روابط دون التأكد من مصدرها، حيث إن الروابط التي تأتي من مصادر غير موثوقة قد تؤدي إلى تعرضك لمخاطر أمنية. يجب عليك توخي الحذر وعدم الانجراف وراء الروابط التي تدعي أنها مسابقات أو عروض مشابهة، فغالبًا ما تكون هذه الروابط محتالين يسعون إلى استغلال بياناتك. وأخيرًا، يُفضل تجنب فتح حسابات على تطبيق سناب شات أو أي برامج أخرى غير مؤمنة، كما ينبغي أن تكون حذرًا عند إضافة أشخاص مجهولين إلى قائمة أصدقائك، حيث إن ذلك قد يعرض خصوصيتك وأمانك لخطر كبير.
من المهم تجنب إنشاء حالات تعتمد على نظام الكلوز، حيث إن ليس الجميع يتمتع بالثقة الكافية، ولا يمكن ضمان سلوكيات جميع الأفراد. إضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن أي شخص قد يتعرض للاختراق في كثير من الأحيان. لذلك، يُنصح بعدم إرسال الكود أو أي رقم سري إلى أي شخص، وذلك كإجراء لحماية الهاتف المحمول بشكل مستمر.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)