اليمن قانون الأحوال الشخصية |ظلمٌ يلاحق المرأة من المهد إلى اللحد
تواجه النساء اليمنيات تحدياتٍ جمة، تضاف إليها قيود قانونية تعيق مشاركتهن في المجتمع وتعّرضهن لشتى أنواع الانتهاكات. تُعد المواد 16، 54، 139 من قانون الأحوال الشخصية اليمني الصادر في 1992 وتعديلاته في 1999، أحد أهم هذه المواد القانونية المثيرة للجدل، حيث يُنتقد لاحتوائه على نصوص تعتبر تمييزية ضد النساء.
يُؤدّي هذا التمييز إلى انتهاكات جسيمة لحقوقهن، بدءًا من حرمانهن من حقّهن في التعليم والعمل، وصولًا إلى تعرّضهن للعنف الزوجي والطلاق التعسّفي.
في هذا التقرير نسلط الضوء على الانتهاكات التي تواجه النساء اليمنيات في ظل قانون الأحوال الشخصية والتناقضات والتمييز ضد النساء في مختلف بنود القانون. كما يقدّم التقرير شهادات حيّة لنساء تعرّضن لانتهاكات بسبب القانون.
قانون يُجبر نساء على دفع مقابل مظلوميتهن
مواهب على (اسم مستعار)، طفلة في الخامسة عشرة من عمرها، تعيش في منطقة ريفية بمديرية المخادر بمحافظة إب.
تُوّجت عروسًا في صغرها
بشهر يونيو 2017، وسكنت مع زوجها المسن في بيته. كان يعاملها بطريقة قاسية ويضربها بقوة. ومع تطور المشاكل الأسرية بينهما، وعدم تقبلها للعيش مع زوجها ولخوفها منه، كانت تهرب من بيته دائمًا لتعود إلى بيت أهلها لتشتكي لهم عدم قدرتها على تحمل ما تلاقيه من معاناة ومعاملة قاسية منه.
تحكي قصتها فتقول: “قامت أسرتي بإجباري على الموافقة على الزواج من رجل كبير بالعمر. وكوننا نعيش في منطقة ريفية بمديرية المخادر، فإن الأهل لا يأخذون رأي الفتاة بالزواج، وإنما يتم إجبارها بالقوة وغصباً عنها بسبب العادات والتقاليد، وكذلك بسبب أننا من أسرة فقيرة. فقد كانت رغبة والدي بزواجي من أجل أن يقوم العريس بخدمته ويعطيه المال.”
تُضيف: “تزوجت، وبدأت المشاكل بيننا. كان يعاملني بقسوة ويضربني بشكل شبه يومي. كنت أهرب منه دائمًا إلى بيت والدي، فيقوم والدي بإهانتي وضربي وإعادتي إلى زوجي. حدث ذلك عدة مرات. كانت حالتي النفسية والصحية متعبة جدًا، ولم أستطع التحمل أكثر. لم أنجب منه، ولذلك قررت أن أطلب الطلاق. هددت أهلي بأنني سأنتحر إذا لم يطلقني، فاشترط زوجي إعادة المهر مقابل الطلاق. قمت ببيع كل مدخراتي ومجوهراتي ووفرت له المبلغ والبالغ 800 ألف ريال كي أتخلص من هذا الزواج، لأن المحكمة حُبُلها طويل، وفي نهاية المطاف سأدفع ذلك المبلغ.
وقصة أخرى:
لـ تغريد محمد (اسم مستعار) قرابة عام ونصف وهي تناضل في المحكمة للدفاع عن قضية خلع رفعتها ضد زوجها. تقول تغريد أنّه على مدى تسع سنوات عانت معه أصنافاً متنوعة من العنف الأسري، وسوء المعاملة، وعدم الاحترام والذل. وبرغم كل الوثائق والأدلة التي تدعم قضيتها، إلا أنّها ظلت طوال هذه المدة تنتظر أن ينطق زوجها بعض كلمات لتعتق حياتها القاسية. وبرغم كل ذلك، إلا أن القضاء حكم لها واجبرها على دفع مبلغ لزوجها لينطق بكلمة “أنت طالق”. وكأنها مكافأة حكم بها القاضي للزوج مقابل قيامه بالضرب والإهانة وسوء المعاملة لزوجته طوال التسع سنوات. بعكس الزوج، فهو لا يحتاج كل هذا الشقاء لفك رباط الزوجية، فقط سوى التلفظ بكلمة الطلاق ويتركها تُدبر حياتها. فيتوجب على المرأة قانوناً اللجوء إلى المحكمة لطلب فسخ الزواج، مهما كانت تملك من مبررات ومسوغات منطقية.
تقول تغريد، وهي أم لأربعة أطفال (3 ذكور وبنت): “خلال حياتي الزوجية، كان إذا قلت له أريد الخروج من منزلنا مع الأولاد لتغيير جو، يرتفع صوته عالياً ويخترع مشاكل لا وجود لها، ويعايرني بأهلي ويشتمهم ويسبني، ويمد يده لو رديت عليه بكلمة “لماذا؟”.
وتابعت بنت تغريد قصتها: “لكن ما عاد قدرت، كرهني بحياتي، هربت عند أهلي، لم يتحملني أهلي مع أطفالي في ظل هذه الظروف، تركتهم وسكنت بمنزل متواضع وأعيلهم بقدر ما أحصل من مبلغ زهيد جراء عملي في إحدى العيادات الطبية.”
بصوت حزين تقول تغريد: “ماذا نفعل؟ أنا مجرد امرأة في نظر القانون وهو رجل.”
وتقضي المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية اليمني بأنه “إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية، وجب على القاضي أن يتحرى السبب، فإن ثبت له، عين حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهلها للإصلاح بينهما، وإلا أمر الزوج بالطلاق، فإن امتنع، حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر. ,وأنه “لا يفسخ الزواج إلا بحكم قضائي”.
تناقضات غير منطقية
ترفع الناشطة نهى بن سهيلان، المديرة التنفيذية لمؤسسة “عدالة” للتنمية القانونية، صوتها ضد قانون “الولاية” في الزواج.
تؤكد بن سهيلان على تناقض هذا القانون الصارخ مع القانون المدني اليمني الذي يعرّف الزواج كعقد مدني يشترط فيه الإيجاب والقبول من الطرفين وعدم الإكراه ووجود الشهود.
وتشير إلى أن المادة 16 من قانون الأحوال الشخصية تحوّل “الولاية” إلى أداة للتحكم في حياة المرأة، مما يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوقها وكرامتها.
وتتساءل: “كيف يمكن للمرأة أن تعيش كوصية على ولدها حتى سن 15 من عمره، بينما تصبح في نفس الوقت خاضعة لولاية ولي أمر يتحكم في قرارات حياتها المصيرية؟”
وتضيف: “أليس من المفارقات الغريبة أن تكون المرأة قاضية، أو وزيرة أو سفيرة أو رئيسة جامعة، بينما لا يُسمح لها باختيار شريك حياتها؟”
وتؤكد بن سهيلان على أن قانون “الولاية” يعرض المرأة لخطر التعددية، حيث يمكن لوليها أن يزوجها بدون علمها وتتفاجئ بقدوم زوجها لاخذها لمنزلهم، مما يؤدي إلى تفكك الأسرة وضياع مستقبلها.
يُناقش الدكتور في القانون معتز الصلوي، تناقض قانون الأحوال الشخصية مع القانون المدني اليمني. يُشير إلى أن الزواج عقد مدني يُبنى على الرضا، بينما يُمنح الولي في قانون الأحوال الشخصية سلطة مطلقة على المرأة، بما في ذلك زواجها دون موافقتها.
يُسلّط الصلوي الضوء على تناقضات محددة: وهي أن المرأة وصية على ابنها حتى سن 15، ثم يصبح ولي أمرها ويُسيطر على قراراتها وأن أولاد العم ليسوا محارم شرعاً، لكن القانون يُعطيهم ولاية على زواج المرأة إضافة الى انه يُمكن للولي أن يزوج ابنته لنفسه دون موافقتها، مؤكدا أن هذه التناقضات تُسلّب المرأة حقّها في الاختيار وتُعرّضها للاستغلال.
حكاية مُنى: زواجٌ قسريٌّ وخذلانٌ رسميٌّ
في ربيع عمرها، بينما كانت زقزقة العصافير تغني نشيد البراءة، وقعت الطفلة منى، ذات الأعوام الـ 11، ضحية زواج قسري هتك طفولتها وسرق أحلامها. في الثالث من أكتوبر عام 2018، تم عقد قران منى على فتى في السادسة عشرة من عمره، دون أي اعتبار لقوانين أو أخلاقيات. وبعد خمسة أيام فقط، ارتفعت أصوات الأغاني وزُين منزل منى استعدادًا لزفافها لزوجها، حاملة على عاتقها عبء مسؤولية لا تُطاق ودموع الحزن تغرق عينيها.
تم تحرير عقد زواج شرعي عبر الأمين الشرعي، مستخدمًا شهادة ميلاد مزورة تُظهر منى في عام 2000، بينما كانت لا تزال طفلة في الحادية عشرة من عمرها. أثار زواج منى غضب بعض ناشطي محافظة إب، الذين قدموا بلاغًا إلى مدير أمن جامعة إب، كون الطفلة تعيش في ساحة الحرم الجامعي.
لكن لم تجد هذه الجهود نفعًا. في 9 أكتوبر 2018، تم الاجتماع مع الطرفين، وأصروا على إتمام الزواج، رافضين فسخ العقد. تم تحويلهم بعد ذلك إلى قسم الشرطة، لكن لم يتم فتح تحقيق معهم، بل دار نقاش عادي، اقترح بعده الضابط إتمام الزواج على أن يتعهد أسرة العريس بعدم لمسها قبل مرور سنتين.
لكن قوبل هذا الاقتراح بالرفض، ليصدر الضابط قرارًا غريبًا، يؤكد فيه على إتمام الزواج، ويخرجهم من القسم دون أي مساءلة قانونية.
التمهيد للظلم
لا يوجد في القانون اليمني نص قانوني واحد لحماية المرأة من العنف الأسري ولكن هناك حماية عامة في قانون الجرائم والعقوبات تجرم إلحاق الأذى البدني، برغم وجود مواد متعددة تشير إلى أن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات، إلا أن هذه المواد تُنقضها مواد أخرى في قانون الأحوال الشخصية.
تقول المحامية سارة المخلافي: “برغم أن الدستور اليمني في مواد متعددة شرع المساواة وعدم التمييز ضد المرأة، ومن أهم تلك المواد المادة 41 التي تنص على (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة)، والمادة 31 (النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون)، وهذه المواد توضح أن الرجال والنساء سواسية في الحصول على الحقوق وتأدية الواجبات وفقاً لمقتضى الشريعة الإسلامية ونصوص الدستور.”
لكن ما إن تبدأ حياة الطفولة حتى يبدأ الظلم ضدها في القانون اليمني منذ طفولتها، حيث نصت المادة المحددة لسن التخيير بين الأبوين بعد الطلاق على أن الولد يمتلك حق الاختيار في سن التاسعة، بينما لا تمتلكه الفتاة إلا عند بلوغها سن الثانية عشرة، ولا يوجد سبب واضح يستند عليه هذا التمييز سوى كونها فتاة.
وهذا ما نصت عليه مادة (139) من قانون الأحوال الشخصية: مدة الحضانة تسع سنوات للذكر واثنا عشر للأنثى ما لم يقدر القاضي خلافه لمصلحة المحضون.
وتضيف: “أما بعد الطلاق، فسكت القانون اليمني عن إيراد أي حقوق للمرأة المطلقة، بل في حالة امتناع الزوج عن النفقة قبل الطلاق، فإن الزوجة لا تحصل إلا على نفقة سنة واحدة فقط سابقة على المطالبة القضائية، وهذا ما ورد في نص المادة (156) من قانون الأحوال الشخصية “لا يحكم للزوجة بأكثر من نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية ما لم يتفق الزوجان على خلاف ذلك”. ماذا لو أن زمن انقطاع نفقة الزوج على زوجته زاد عن العام الواحد وامتد لسنين؟ فما الذي ستحصل عليه؟
تموت المرأة ويظل الظلم في القانون يلاحقها بعد مماتها ليجعل من ديتها نصف دية الرجل!
وهذا ما نصت عليه المادة (41) من قانون الجرائم والعقوبات: (دية المرأة نصف دية الرجل، وأرشها مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل، وينصف ما زاد، ويعتمد في تحديد نوع الإصابة على تقرير من طبيب مختص أو أهل الخبرة، وإذا طالت الإصابة أو سرت إلى ما لم يقدر أرشه فيلزم حكمه بما تراه وتقدره المحكمة) وفي الإجراءات القانونية والمداولات القضائية، فإن شهادة المرأة يُنظر إليها بصفتها نصف شهادة الرجل.
تختتم المحامية حديثها قائلاً: “في خضمّ قوانين يمنية تُقيد حقوق المرأة، تُواجه النساء صعوبة بالغة في فسخ عقد النكاح، بينما يتمتع الرجل بسهولة مذهلة في إنهاء العلاقة الزوجية، “ففي حين لا يحق للمرأة فسخ عقد النكاح إلا بحكم قضائي بات، قد تمتد إجراءاته لسنوات، لا يحتاج الرجل سوى نطق كلمة “أنت طالق” لإنهاء الزواج من الناحية الشرعية، وتُظهر هذه الممارسات تمييزًا صارخًا ضدّ المرأة، وتُؤكد على عدم توفر حماية كافية لها في مجال الزواج والطلاق.”
وجهت منظمة هيومن رايتس ووتش رسالة نقدية لفريق صياغة الدستور اليمني عام 2013، تُطالب فيها بمراجعة شاملة لقانون الأحوال الشخصية، ذلك القانون كما وصفته المنظمة بأنه طالما عانى من أحكام تمييزية ضد المرأة، حارمةً إياها من حقوقها الأساسية في الزواج والطلاق والميراث والوصاية على الأطفال.
وقالت المنظمة في رسالتها “ففي ظل القانون الحالي، تعاني المرأة اليمنية من قيود صارمة تُعيق مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية، وتجعلها عرضة للعنف الأسري والجنسي، ناهيك عن عدم توافقه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان”
ودعت الرسالة إلى ضرورة سن قانون جديد للأحوال الشخصية يعتمد على الشريعة الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان، ضامناً المساواة بين الرجل والمرأة في جميع أحكامه، وملغياً جميع الأحكام التي تُميّز ضد المرأة، وحمايةً لها من كافة أشكال العنف.
وأكدت على أن مراجعة قانون الأحوال الشخصية ستُسهم بشكل كبير في تحسين حياة المرأة اليمنية وتعزيز المساواة بين الجنسين، مما سيُساعد اليمن على الوفاء بالتزاماته الدولية لحقوق الإنسان.
يُظهر هذا التقرير جلياً أن قانون الأحوال الشخصية اليمني الحالي يحتوي على العديد من المواد التمييزية ضد المرأة، مما يُعرّضها لانتهاكات جسيمة لحقوقها وكرامتها، إنّ تحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء على التمييز ضد النساء مسؤولية الجميع، من حكومة ومجتمع مدني وأفراد من خلال العمل الجاد والتعاون، يمكننا ضمان مستقبل أكثر عدلاً وكرامة للنساء في اليمن.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية)