“النقاب” عائق أمام عمل المرأة اليمنية في المؤسسات الخاصة
“واجهتُ معاناةً في البحث على وظيفة منذ تخرجي قبل 3 سنوات. أجريت العديد من المقابلات الوظيفية في بنوك وشركات ومؤسسات خاصة في تعز، كانت قد فتحت مجالًا لتوظيف النساء، انتهت كلها بالفشل ولم أجد لي مكانًا للعمل فيها بسبب اشتراطهم خلع النقاب، تقول خلود حمود، حاصلة على درجة بكالوريوس في إدارة الأعمال.
وتضيف خلود “آخر مقابلة عمل انتهت برد الموظف صراحة: بالرغم إنك مؤهلة مهنيًّا للوظيفة لكن نعتذر عن قبولك لأنك منقبة ( تضعين النقاب ). اضطرت خلود لتخلي عن حلمها لتمسكها بعادات وتقاليد العائلة وتشدد أبيها عن أهمية الالتزام بالنقاب
مجموع هذه التجارب الفاشلة التي واجهتها في البحث عن عمل أثر عليها نفسيًّا بشكل كبير للحد الذي انتهى بها في المنزل بعدما توقفت عن إجراء المقابلات كحال العديد من النساء.
النقاب أو الوظيفة
في اليمن، لا تزال المرأة تواجه تحديات كبيرة في سوق العمل، في المؤسسات الخاصة تحديدا. على الرغم من التقدم الملموس الذي أحرزته المرأة اليمنية خلال السنوات الأخيرة، لا يزال خلع “اللثام” كشرط أساسي للتوظيف في مؤسسات القطاع الخاص، عائقًا يواجه اليمنيات للحصول على وظيفة.
حسب إفادات العديد من النساء العاملات في القطاع الخاص، لا تزال بعض الشركات والمؤسسات الخاصة تفرض هذا الشرط كجزء من سياساتها الداخلية. وتدعي هذه الجهات أن هذا الأمر يضمن “المظهر المناسب” للموظفات ويحافظ على “السمعة الجيدة” للشركة أو المؤسسة .
وفي حين تكافح المرأة بحثا عن العمل من أجل الوصول إلى الحد الأدنى من الاستقرار المالي لهن ولأسرهن، يبقى “النقاب” عائق ليس وحيدا أمام هذه الشريحة، يحول دون الوصول إلى العمل ويعيق تحقيق الاستقرار الأسري.
لا خيار آخر
شيماء الصبري هي الأخرى تقول “أنا مجبرة على خلع النقاب طوال الوقت أثناء العمل، إنه أمر سيء بالنسبة لي، ولكن لا أملك خيارًا آخر إذا أردت الاستمرار في وظيفتي”.
تضيف الصبري وهي موظفة لدى إحدى المؤسسات الخاصة في تعز : عملت في مؤسسة بالأجر التطوعي ، وبعد سنة طلبوا أن أحضر بياناتي لأجل التعاقد معي، لكنني تفاجأت بالشرط المطلوب، وهو خلع النقاب متسائلة” كنت أعمل معهم من قبل بالأجر التطوعي وأنا مرتدية اللثام، فكيف عندما جاء وقت تسجيلي لأكون ضمن الموظفين الأساسيين صار لا بد أن اخلع النقاب؟!”.
طريق محفوف بالتحديات
يرى خبراء في شؤون المرأة، أن هذا الشرط ينتهك الحقوق الأساسية للمرأة وحريتها في اختيار طريقة ارتداء الملابس. كما أنه يشكل عقبة رئيسية أمام مشاركة المرأة بسوق العمل في ظل الظروف الراهنة والوضع الاقتصادي المتهالك.
تقول ألطاف الأهدل د.مساعد بقسم علم الاجتماع في جامعة تعز: “هذا الشرط يمثل إهانة للمرأة وانتهاكًا لكرامتها و يحد من فرص التوظيف والترقي الوظيفي للمرأة اليمنية، كما يضاعف حالة السخط ونظرة الازدراء المجتمعي للمرأة ونقص معايير جودة الأداء الوظيفي لديها وقولبة المعايير الوظيفية بأشكال قاصرة وغير عادلة”.
وتؤكد الأهدل: “كارثية عزوف الكثير من النساء والفتيات عن التقدم للعمل في أماكن تليق بهم وذات مخرجات لها أثر وتضيف لهن خبرات جديدة”.
وتطالب الأهدل الناشطات في مجال حقوق المرأة بإلغاء هذا الشرط والسماح للمرأة باختيار طريقة ارتدائها بحرية، والدعوة إلى تعزيز دور المرأة في سوق العمل عبر إقرار قوانين وسياسات داعمة.
رئيس مؤسسة حور للسلام والتنمية د .مروة مدين تقول: “لا يعتبر النقاب عائقا أمام الفتاة في حال امتلاكها للمهارات اللازمة التي تسهم في تطوير ونجاح عمل المؤسسة”.
وتؤكد مدين على أهمية تقييم الموظفة على اعتبار كفائتها المهنية إلى جانب مؤهلاتها العلمية وقدراتها الشخصية مع القدرة على الابداع والابتكار، لا باعتبار خرقة قماش تضعها”.
وتشير مدين إلى “أن بعض المؤسسات تعتبر النقاب عائقًا في المواقف التي تتطلب تواصلا بصريا أو طبيعة العمل مثل معاهد تعليم اللغات، ومع ذلك امتلاك المهارات والكفاءة والتفاعل المهني يتجاوز هذا العائق”.
مؤشرات مشاركة النساء في العمل
بحسب بيانات البنك الدولي بلغت نسبة مشاركة النساء في اليمن ضمن القوى العاملة 5.1 في المئة مقابل 60.4 في المئة للرجال لعام 2023م. إذ أن دور المرأة قبل الحرب كان ينحصر بصورة عامة في الاعتناء بالمهام المنزلية والعائلة، لكن الضغوط التي خلقتها الحرب – بما في ذلك انخفاض فرص التوظيف، وتدهور الرواتب، وعدم توفر الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء- دفعت العديد من اليمنيات إلى المشاركة في التغلب على الصعاب الاقتصادية من خلال تأمين مصدر دخل لأنفسهن ولعائلاتهن والسعي للاستقلال الاقتصادي.
ربا وائل، وهي فتاة تبلغ 25 عامًا، تحمل شهادة جامعية في التسويق منذ تخرجها قبل ثلاثة أعوام. على الرغم من جهودها الحثيثة للحصول على فرصة عمل في مجال تخصصها، إلا أنها واجهت رفضًا متكررًا من قبل العديد من الشركات الخاصة. السبب الدائم لهذا الرفض كان ارتداءها نقابًا على وجهها.
تقول ربا: “في كل مقابلة عمل، كان هناك تردد واضح من قبل المسؤولين عند قراءة سيرتي الذاتية ومؤهلاتي، وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك تركيز على وجود النقاب على وجهي”.
البعض طلب مني خلع النقاب، والبعض الآخر بررَ الرفض بأن مظهري الخارجي غير متناسق مع ما له أهمية كبيرة في مجال التسويق والتواصل مع العملاء.” هذا الرفض المتكرر دفع ربا إلى خلع النقاب أثناء العمل وارتدائه خارج ساعات العمل.
وتتسبب الحرب في اليمن بواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. فحتى العام 2023م، احتاج 21.6 مليون شخصًا إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، ألحقت الحرب دماراً شبه كلي بالبنى التحتية الرئيسة، وتسببت في انقطاع رواتب موظفي القطاع الحكومي، لكنها في الوقت ذاته أحدثت تغييرات جذرية في الدور الاجتماعي للمرأة نتيجة توسع فرص المبادرة والعمل أمام النساء في مجالات غير معتادة. ومع التزايد الكبير في عدد أرامل قتلى الحرب وأعداد النازحين، تحملت النساء اليمن المسؤولية الكاملة في إعالة أسرهن.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)