مواد غرفة أخبار الجندر

03
مارس

الفتيات في الريف يدفعن ضريبة الحرب بالحرمان من التعليم

 بكيل عبدالجليل

تتحسّر “أفنان ناصر” (18 عاما) التي تسكن في ريف محافظة إب (وسط اليمن) بسبب توقفها عن التعليم في وقت مبكّر من عمرها نتيجةً للظروف المعيشية السيئة التي مرّت بها عائلتها، بالإضافة إلى أسباب مجتمعة أخرى تمنع كثيرا من الفتيات مواصلة تعليمهن.

وتعاني الفتيات في الريف اليمني من الحرمان من التعليم في أعمار متفاوتة، فبعضهن يتوقّفن في المرحلة الإعدادية والبعض يتوقّفن في المرحلة الثانوية، لكن الصعوبات التي فرضتها الحرب في السنوات الماضية زادت من ظاهرة الحرمان من التعليم الأساسي للفتيات، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والزواج المبكر، وأصبح من النادر التحاق الفتيات بالتعليم الجامعي.

ويُعدّ تدهور التعليم في اليمن عموما، إحدى نتائج الحرب الراهنة، رغم أن الوضع لم يكن مثاليا قبل الحرب، لكن المناطق الريفية نالت النصيب الأكبر من الانهيار للعملية التعليمية، وربما قضت بشكل كلي على أحلام كثير من الفتيات اللاتي يطمحن في مواصلة تعليمهن.

وضع اقتصادي سيئ

قالت أفنان: “إن الأوضاع المعيشية السيئة كانت السبب الأول لتوقّفي عن التعليم قبل ثلاث سنوات، وقد تعرّضتُ للتوبيخ والطرد مراتٍ لعدم تمكّني من دفع الرسوم التي تفرضها المدرسة”.

وأضافت: “قرّر أهلي أن أتوقف عن التعليم لأني فتاة، ولا أحتاج لمستقبل تعليمي؛ لأني سأتزوج ولن أستفيد شيئا من التعليم، وتظل أولوية التعليم لإخواني الثلاثة الذكور، ولم يكن أمامي أي خيار سوى ترك الدراسة”. وتابعت: “يجب علينا دفع الرسوم ودفع مبلغ شهري وشراء المنهج الدراسي من الأسواق لعدم توفرها في المدرسة، وهذا يزيد من معاناتنا في ظلّ الوضع المعيشي الذي نعيشه وانقطاع الرواتب وغلاء المعيشة”.

من جانبه، لم يستطع عبده قاسم (48 عاما) توفير تكاليف التعليم لأبنائه الخمسة بعد انقطاع راتبه في مؤسسة المياه التي كان يعمل فيها بمدينة إب، فانتقل إلى الريف للاستقرار فيها، بعد عجزه عن دفع الإيجار وتحمل تكاليف المعيشية اليومية وتوفير الاحتياجات الرئيسة.

وقال في حديث : “وجدتُ نفسي عاجزا عن توفير المقومات الأساسية للحياة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية أثقل كاهلنا، وهو ما جعلَ مواصلة تعليم جميع أبنائي غير وارد، ومن ضمنهن البنات اللاتي أصبحن في سنّ الزواج، وبعضهن تزوّجن رغم أن رغبتهن في التعليم كانت كبيرة”.

وقال في حديث : “وجدتُ نفسي عاجزا عن توفير المقومات الأساسية للحياة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية أثقل كاهلنا، وهو ما جعلَ مواصلة تعليم جميع أبنائي غير وارد، ومن ضمنهن البنات اللاتي أصبحن في سنّ الزواج، وبعضهن تزوّجن رغم أن رغبتهن في التعليم كانت كبيرة”.

وأضاف: “للأسف كنا نحلم بحياة أفضل لأبنائنا في تعليمهم وتوفير كل احتياجاتهم، لكن الحرب دمّرت كل الأحلام وأصبحنا منذ انقطاع الرواتب الحكومية نحلم بتوفير احتياجاتنا الأساسية الضرورية لاستمرار الحياة”.

الزواج المبكر

تسبّبت الحرب في اليمن في قطع مرتبات 170 ألف معلّم، بحسب اليونيسف، وجعلت نحو نصف سكان اليمن يعيشون على المساعدات الإغاثية، وتدفع الفتاة اليمنية ثمنا باهظا لهذه الحرب، فمع استمرارها تفشى الزواج المبكر للفتيات القاصرات وازداد حرمانهن من التعليم، وخصوصا في الريف.

أماني أحمد (22 عاما) أجبرها أهلها على ترك المدرسة من أجل الزواج وهي في سن 15 عاما، وبعد عامين توفّي زوجها تاركاً لها طفلاً بحاجة لمسؤولية كبيرة. تشعر أماني بحزن وندم شديد لأنها تركت المدرسة وتزوّجت في سنّ مبكر.

وقالت في حديثها: “لم أجد من أهلي آذانا صاغية لمطالباتي بمتابعة دراستي رغم عدة محولات لإقناعهم بتركي أواصل دراستي. كل تلك المحاولات ذهبت من دون فائدة، وكان قدري المحتوم هو الزواج، ثم أن أصبح أرملة من دون أن أتعلم”.

وتضيف أماني: “مؤلم أن يقتل جهل الأهل أحلام الطفولة. كان حلمي منذُ الصغر أن أكمل تعليمي، والآن لا يوجد حل أمامي وقد أصبحتُ أمّا أبحث عن طريقة لإعالة طفلي، فالعادات والتقاليد دمرتنا ولا ترى في المرأة سوى أن تكون ربّة منزل”.

ورغم ظروف الحرب التي صنعت العنف التي تمر بها البلاد في جميع المجالات، يوجد هناك عنف من نوع آخر بحقّ الفتيات من خلال حرمانهنّ من التعليم الذي يفرضه عليهنّ أولياء الأمور لأسباب تتعلق بالعادات وتقاليد، وثقافة العيب التي تشيع في معظم المناطق اليمنية الريفية.

ووفقا لليونيسف، يُعدّ زواج الفتيات اليافعات سببا آخر لعدم التحاق كثير من الفتيات اليمنيات بالتعليم أو إتمام تعليمهن الدراسي، ويتزوّج ما يزيد على ثلثي الفتيات في اليمن قبل بلوغهن سن 18 عاما؛ إذ تُجبَر الفتيات على الزواج المبكر ويَعلقن في دوامة الفقر وشحة الإمكانيات.

معاناة الفتيات في الريف

قالت أستاذة الصحافة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء سامية الأغبري: “إن ظاهرة حرمان الفتيات من التعليم في الريف اليمني ليست وليدة اللحظة، ولكنها ازدادت سوءا بعد الحرب والصراع في اليمن”.

وأضافت في حديث أن الفتيات في أرياف اليمن يعانين من تبعات تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية بشكل أكبر من الفتيان، وذلك أن الفتيات يُفرض عليهن بعد سن البلوغ في غالبية الأرياف حصار خانق بتحميلهن مسؤوليات وأعباء في المنزل والحقل فوق طاقتهن وحرمانهن من أبسط حقوقهن الإنسانية.

وأشارت إلى أن الفتيات في الريف يشتغلن في الزراعة البدائية وجلب المياه من آبار بعيدة، إضافة للعمل المنزلي وكثير منهن يُزوّجنَ بالإكراه في سن صغيرة من العاشرة أو الثانية عشرة.

ولفتت الأغبري إلى أن الفتيات في ريف اليمن أغلبهن مقهورات لا يحق لهن الاعتراض على معاملة أسرهن، كما أن الريف اليمني مشتّت بسبب القرى الصغيرة الكثيرة المتباعدة، والمدارس أغلبها بعيدة عن كثير من القرى، فلا يتاح الوقت ولا الإمكانات للفتيات بإكمال دراستهن.

الحرب والتعليم

يوجد أكثر من مليوني طفل غير ملتحقين بالمدارس بسبب الصراع المستمر منذ سنوات والفقر المدقع، وهذا الرقم ضعف عدد الأطفال المنقطعين عن الدراسة عام 2015 عندما بدأ النزاع، وأصبحت العمليّة التعليميّة لأطفال اليمن من آثار استمرار النزاع المدمّر في البلاد منذ ما يزيد عن ستّ سنوات، وفقا لتقرير لليونيسف.

وقال التقرير: “إن الحصول على التعليم يُعدّ أكبر التحديات التي يواجهها أطفال اليمن اليوم، وخصوصا الإناث، فنصفُ عدد البنات في سنّ الدراسة لا يذهبن إلى المدرسة”، فيما حذّرت الأمم المتحدة من أن تعليم أطفال اليمن ومستقبلهم معرض للخطر بسبب الحرب المستمرة.

وترى أستاذة الإعلام سامية الأغبري أن الحرب في السنوات الماضية أثرت بشكل سلبي ومقلق وازداد تسرّب الفتيات من المدارس لأسباب عدّة، أهمها التدهور الاقتصادي والظروف الأمنية المقلقة بسبب الصراع والاحتراب الداخلي والخارجي، مما أدى إلى نزوح السكان من المدن إلى الأرياف والعكس.

وأضافت: “الحربُ تسبّبت في قتل كثير من الرجال المُعيلين لأسرهم، مما أدى إلى تشرّد النساء والفتيات والأطفال والشيوخ في مخيمات غير صالحة للسكن الآدمي، ولا تتوفر للغالبية من النازحات أبسط المتطلبات الضرورية للعيش الكريم”.

“الحربُ تسبّبت في قتل كثير من الرجال المُعيلين لأسرهم، مما أدى إلى تشرّد النساء والفتيات والأطفال والشيوخ في مخيمات غير صالحة للسكن الآدمي، ولا تتوفر للغالبية من النازحات أبسط المتطلبات الضرورية للعيش الكريم”.

وتابعت: “أصبحت الفتياتُ غير قادرات على تحمّل حياة التشرد والضياع، ولم يعد التعليم يشكل أولوية بالنسبة لهن ولأسرهن، بل هو البحث عن عمل ولو كان متدنيا حتى يمكنهن إعالة أسرهن”.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية