تأملات في حضور المرأة في التراث العربي
مما لا جدال فيه أن التراث العربي هو الجزء الحيوي من اللغة العربية ويعتبر أحد أهم مكوناتها. حيث يتضمن التراث العربي المصطلحات والعبارات والألفاظ التي تنتمي إلى الثقافة العربية القديمة والحديثة. ولذا، يعد التراث العربي مصدرًا غنيًا للغة العربية ويساهم في تنمية وتطوير اللغة وإثراء مفرداتها وتعبيراتها. بالإضافة إلى ذلك، يساهم التراث العربي في الحفاظ على الهوية العربية والتميز الثقافي. لكن، يبقى السؤال المهم، كيف كان حضور المرأة في التراث العربي؟ ولنتعرف على هذه الإجابة حريٌّ بنا أن نستعرض نماذج ارتبطت بالذاكرة العربية فيما يخص المرأة، على أننا نستعرضها هنا على سبيل الذكر لا الحصر.
وراء كل رجل عظيم امرأة
إذا ما أردنا التحدث عن دور المرأة، فلطالما كان دورا رياديا من ألوهيتها في العصور القديمة، إلى دور الأم والزوجة السند في الديانات السماوية جميعها. ففي الديانة المسيحية يكاد دور السيدة مريم العذراء يوازي دور ابنها عيسى عليه السلام، ليس فقط في الحمل والولادة، إنما طيلة حياته وحتى الرمق الأخير. وتقدسها الأناجيل والكنيسة، كما يقدسها القرآن بسورة تحمل اسمها. كما دعمت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ووقفت إلى جانبه امرأة عظيمة هي زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- التي آمنت برسالته، وكانت سندا دائما وبذلت مالها وجاهها في سبيل الدعوة. سيدات كثيرات في التاريخ وقفن إلى جانب الرجل، وأحيانا تحملن الكثير وكنّ سبب إنجاحه
تموت الحرة ولا تأكل بثدييها
وهو مثل يضرب للذي لا يمنعه من صيانته شدّة فقره، وهذا المثل للحارث بن سليل الأسديّ، وكان خطب إلى علقمة بن خصفة الطائيّ- وكان شيخا فقال علقمة لامرأته: اختبري ما عند ابنتك، فقالت: أي بنيّة، أيّ الرجال أحبّ إليك؟ الكهل الجحجاح الواصل الميّاح، أم الفتى الوضّاح، الذهول الطمّاح؟ قالت: بل الفتى، قالت: إن الفتى يغيرك، وإن الشيخ يعيرك، قالت: يا أماه إن الفتى شديد الحجاب، كثير العتاب، يا أمّاه أخشى من الشيخ أن يدنّس ثيابي ويبلي شبابي، ويشمت بي أترابي. فلم تزل أمّها بها حتى غلبتها على رأيها. فتزوّجها الحارث، ثم ارتحل بها إلى أهله، وإنه لجالس ذات يوم بفناء قبّته، وهي إلى جانبه إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفّست الصّعداء ثم بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: ما لي وللشيوخ، الناهضين كالفروخ، من كل حوقل فنيخ، فقال: ثكلتك أمّك! تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها!
أشعر من الخنساء
الخنساء الملقبة بأمّ عمرو صحابيّة وشاعرة مخضرَمة من أهل نَجد، أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، وتُعدّ الخنساء من أبرز شعراء الجاهلية، كما كتبت الشعر خصوصًا بعد رحيل أخَوَيْها اللذَين قُتلا في الجاهلية، واتّسم شعر الخنساء بالحزن والأسى والفخر والمدح. قال عنها الذبياني: “الخنساء أشعر الجن والإنس“، وقيل إنّ الرسول العربي محمّد -صلى الله عليه وسلم- كان يعجب بشعرها.
كانت الخنساء أشعر العرب في الجاهلية والإسلام، وأجودهنّ وأبينهنّ وأشهرهنّ، وأكثرهنّ بكاءً، عاشت في الجاهلية أمثل شطرَيْ حياتها وأطولهما، ثم أدركت الإِسلام فأسلمت، وحسُنَ إسلامها، ولمّا وفدت مع قومها على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، استنشدها شعرها فأعجبه، فكان يستزيدها قائلاً: هيه يا خنساء!
أبصر من زرقاء اليمامة
يقول المثل العربي “أبصر من زرقاء اليمامة”، وذلك عند الإشارة لشخص يتمتع بقوة البصر، فمن هي زرقاء اليمامة التي يضرب بقوة بصرها المثل؟ وفقا لما يتناوله العرب فإن زرقاء اليمامة، فتاة تنتمي لقوم من قبائل العرب البائدة، وكانت تتميز بزرقة عينيها وتتمتع بقدرة على البصر لمسافة ثلاثة أيام، فكانت تجلس على صخرة وتراقب الطريق، وتسرع إلى تحذير قبيلتها إذا همت إحدى القبائل بمهاجمتهم، فيأخذون حذرهم ويردونهم مهزومين. لكن في إحدى المرات، احتاطت إحدى القبائل لقوة بصر زرقاء اليمامة، فلجأت لمكيدة ذكية، حيث حمل كل رجل من رجالها فرع شجرة وساروا باتجاه قبيلة زرقاء اليمامة، التي ركضت لقومها تحذرهم من شجر يسير باتجاههم، لكنهم سخروا منها ولم يأخذوا تحذيرها على محمل الجد، فتمكنت القبيلة الأخرى منهم وهزمتهم وقلعوا عيني زرقاء اليمامة
هذه محاولة حاولت فيها أن أسلط الضوء على نماذج ذكرت فيها المرأة في التراث العربي، على نحوٍ يعزز من مكانتها بوصفها نصفًا للمجتمع، وآخرًا يتكامل مع الرجل على الدوام.