الشغالات في اليمن | ضغوطات كثيرة وحقوق مهدرة
تعود وفاء هادي (اسم مستعار) إلى البيت في العاشرة مساءً كل يوم وقد استنزفت كل طاقتها، فهي تعمل منذ الظهيرة في إحدى المنازل البعيدة عن الحي الذي تعيش به، مقابل أجر لا يزيد عن 40 ألف ريال يمني، تعول فتاتين، توفى زوجها وهن صغارًا ،( وعد 5 سنوات، وفاطمة 8 سنوات)، رفضت أن تتزوج من أجل إعالتهما، والبقاء بجانبهما.
تسكن وفاء في أحد الأحياء الشعبية بمديرية الحالي، وسط محافظة الحديدة، عملت شغالة في منازل الأغنياء منذ أن كانت في العشرين من عمرها، وهي نفس المهنة التي كانت تعمل بها والدتها التي توفيت بعد أن مرضت فجأة. تتحدث وفاء ذات الـ 50 ربيعًا: “أقنعت بناتي بأن لا ينتظرن مني أن أقوم بعمل البيت، وأن أكون شغالة في المنازل فهذا يعني أنني سأعمل كل ما يطلب مني دون تردد، وأن كنت مريضة ولن يرحمني أحد، لذا عليهن أن يقمن بكل الأعمال المنزلية”.
تضيف:” ظهري يؤلمني كثيرًا والسبب كمية الملابس التي أغسلها لساعات طويلة، أو في تنظيف أرضية وجدران المنزل، وكذلك السلالم وغسل الأواني الكثيرة التي تستخدم في العزومات، والضيافات، والمناسبات المختلفة”.
تحرش
لا تتوقف معاناة الشغالات عند مضاعفة المهام المنزلية كما هي حال وفاء، فهناك ما هو أسوأ من عناء العمل وتدني الأجرة، فقد تتعرض الشغالة إلى ما التحرش كما حدث مع فاطمة علي (اسم مستعار) في إحدى المنازل.
بينما كانت فاطمة منهمكة في تنظيف المطبخ، هاجمها زوج السيدة التي تعمل لديها، دعته بأن يتركها وشأنها فرفض، أجبرها لأخذ سكينة كانت على مقربة منها وأشهرتها بوجهه، ما دفعه للمغادرة المطبخ بعدما صرخت تنادي الزوجة التي كانت نائمه في صالة المنزل.
تركت فاطمة العمل رغم محاولة الزوجة إقناعها بالبقاء، خاصة بعد تعهد الزوج بعدم تكرار التصرف إلا أنها رفضت خوفًا على شرفها وسمعتها، والبحث عن منزل تأمن فيه نفسها.
وهنا تقو نجاة صائم خليل، أستاذ علم النفس الاجتماعي: أن العاملات في المنازل يتعرضن لعنف مضاعف، أولًا باعتبارهن نساء، وثانيًّا لأنهن عاملات في المنازل، ويزداد هذا العنف إذا كانت العاملة من الفئات المهمشة. وتشير في حديثها: “هناك دراسة أجريت على عينة من العاملات، أظهرت أنهن يتعرضن لكل أشكال العنف الجسدي والنفسي، من قبل أصحاب المنزل نساءً ورجالا على حد سواء، وكذا للتحرش الجنسي الذي قد يصل إلى الاغتصاب.
وأكدت صائم أن هذه الفئة تعاني العديد من الأمراض النفسية والاجتماعية والجسدية، منها -على سبيل الذكر لا الحصر- الاكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم، وتدني مفهوم الذات لديهن، وصعوبة التفاعل الاجتماعي الإيجابي مع الآخرين، والتعامل بعدوانية تجاه ذواتهن أو الأخرين، وغيرها من الاضطرابات النفسية التي تعود إلى الضغوط النفسية والاجتماعية التي تمارس ضدهن.
وفقا لتقرير أممي نشر بتاريخ 2020/11/30م بعنوان” اليمن: مساعدة اليمنيين على بناء مستقبلهم”، فإن مايقارب 60 بالمائة من اليمنيين عاطلين على العمل، وذكر التقرير أن ثلثي اليمنيين يعانون من الجوع، منهم 14 مليون بحاجة لمساعدة إنسانية عاجلة.
فيما كشفت اليونسيف في تقرير صادر عنها أن 8,4 مليون من اليمنيين فقدوا مصدر دخلهم، ما أدى إلى توسع رقعة الفقر، وأكدت أن ما يقارب 21 مليون نسمة يعانون من الفقر. https://bit.ly/4bc0lIB
انقطاع الرواتب، وتسريح الكثير من الأيادي العاملة من المنشآت التي تعرضت للإفلاس، أو بفعل التدمير الذي طال الكثير منها جرَّاء الصراع، دفع كثيرًا من النساء إلى البحث عن فرص عمل تساعد أسرهن على البقاء ومنها عمل ” الشغالة” في المنازل والمؤسسات.
تدني الأجور
بينما تحكي سعدية عبدالله ( طالبة جامعية) عن موقف حدث معها أثناء عودتها من الجامعة في مدينة الحديدة وتقول: “بينما صعدت إلى الباص لفتت انتباهي امرأة سمراء البشرة كانت تتحدث مع صديقتها وقد تبين من لبسهن، ونقاشهن، أنهن ” فرَّاشات” في إحدى المستشفيات الخاصة ، كانت إحداهن تخبر الأخرى عن معاناتها في العمل، و بأنها لا تجد وقتًا للجلوس والراحة قليلًا طيلة فترة الدوام، حتى وإن كانت مريضة، لترد الثانية بأنها تمر بنفس المعاناة”.
وتضيف: “أشتركت بالنقاش معهن، حين سألتهن عن المبلغ الذي يحصلن عليه فكان جواب أحدهن 20 ألف ريال يمني، والأخرى 25 ألف ريال يمني، وأنهن يعدن لبيوتهن وهن في أشد التعب والإنهاك”.
من جهتها تقول سامية أحمد الموظفة في إحدى المؤسسات الخاصة: “الشغالة التي تعمل فراشة في نفس المبنى تتعرض للظلم، حيث يتم تأجيل راتبها لشهور عكس بقية الموظفين، إلى جانب أن راتبها قليل وهو 15 ألف ريال يمني في الشهر، وعدم حصولها على بدل مواصلات كونها تأتي من مكان بعيد عن مقر العمل.
حاولت معدة التحقيق زيارتها والتحدث معها لكنها رفضت إجراء المقابلة واكتفت بقول:” الله معي ووحده قادر على مساعدتي”.
رغم تقدم السن
تتضاعف المعاناة عند كبار السن من النساء، فتقدمهن بالعمر يجعلهن عاجزات عن تحمل مشقة العمل إلا أن الظروف المادية القاسية التي تعيشها الكثير منهن دفعتهن لتحمل عمل يفوق قدراتهن. حتى يعشن عزيزات، لا يجبرهن الاحتياج لسؤال الناس.
منهن حمامة أمين(اسم مستعار) التي تعمل منذ 20 عامًا في خدمة أحد الأغنياء، استطاعت أن توفر ماتحتاجه من متطلبات الحياة من خلال المال الذي تحصل عليه من رب تلك الأسرة والذي يزداد من عام إلى اخر. تقول: “أغسل عددًا كبيرًا من الملابس وأحيانا أواني في المطبخ، في أوقات أخرى يتم تكليفي بتنظيف غرف كثيرة من المنزل، أعود لبيتي وأنا متعبة جدًّا، أحيانا أمرض وأبقى طريحة الفرش لأيام، لا أحد يقدر سنك وكبرك أنت عامل بمقابل وعليك أن تتحمل”.
تعيش حمامة التي لم ترزق بأطفال مع زوجها الذي توقف عن العمل بسبب تقدمه في السن، في منزل شعبي إيجاره 15 ألف ريال يمني. لا تعرف حمامة سنها لكنها تدرك أنها قد بلغ من العمر كثيرًا، وكذلك زوجها، ورغم تقدمها بالسن الذي يتضح من ملامحها، إلا أنها ما تزال تعمل.
الفئة الأشد ضعفا
تهاني الصراري، المدير التنفيذي لمؤسسة عدن للحقوق والتنمية، ترى أن العاملات -سواءً في المنازل أو في المؤسسات- يواجهن كثيرًا من الضغوطات، منها تضاعف المهام، والاضطهاد، وضعف الأجر مقابل العمل، إلى جانب صعوبة حصولها على المسكن خاصة إذا كانت تعيش في منطقة بعيدة عن مكان العمل. وتضيف الصراري وهي ناشطة حقوقية وسياسية: “لابد من وجود عقود عمل تضمن لهن حق الإجازة وحق زيادة الراتب، وأن هذا يشكل نوعًا من أنواع الحماية لهذه الشريحة والتي تعتبر أضعف شريحة في المجتمع وأنه لا توجد نصوص صريحة حول هذه الفئة”.
وتقول: “هذه الفئة مهملة وتعاني؛ نظرًا لأنها لا تملك السند أو الظهر الذي يجعلها تتجه للجهات القانونية. فهي غالبًا ما تكون أمية تفتقر الوعي بالقانون، لذلك تتعرض للاستغلال والكثير من المشاكل.
مهنة متوارثة
تعد مهنة ” الشغالة” في المنازل من المهن المتوارثة في اليمن والتي تعددت أسباب تناميها منذ زمن بعيد، حتى وقتنا الحاضر. وهذا ما تحدث عنه الصحفي والباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي والذي يقول: “حالة الفقر كانت وما زالت هي المحرك لهذا النوع من العمل الذي يرافقه ضرورة أن تتنازل المرأة عن كثير من حقوقها.
موضحًا: “قديمًا كانت العوامل تتداخل ما بين الفقر الذي يدفع المرآة للعمل وسلطة النفوذ التي يتمتع بها وجهاء ومشائخ المجتمع، الذين يرغمون البسطاء على العمل خدامًا لديهم بالإكراه بما فيهم النساء، فيعملن مقابل كف الأذى عنهن والحصول على فتات من الطعام وفي النادر قليل من المال”.
ويرى الشرعبي: “مع تغير أنماط وواقع الحياة باليمن تلاشت تلك الظاهرة كثيرًا، وحل بدل عن الإكراه بقوة النفوذ والتسلط، الإكراه تحت مظلة العيش من عرق الجبين وكسب اليدين، وبدافع مواجهة الفقر”. مؤكدًا” “إن اليافطة لعمل النساء في منازل الأثرياء تغيرت، ولكن حالة الفقر لم تتغير”.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية