المعلومات المضللة وتأثيرها على المرأة اليمنية
تعد المعلومات المضللة أحد المشاكل التي تواجهها النساء في اليمن في الفضاء الرقمي. وتفرض تحدياً ظاهراً في اتساع الفجوة الرقمية بين الجنسين، والانعكاس السلبي في تفاعلهن مع القضايا العامة والخاصة، وتصادر حقوقهن في مشاركة آرائهن إلا في قضايا محددة، الأمر الذي يعزز النظرة النمطية للمرأة اليمنية ويضع قيوداً على حرية التعبير لديهن.
حيث تهدف المعلومات والشائعات المضللة غالباً إلى إحباط المرأة، ونشر المخاوف، أو التشهير بها، أو التحقير من قيمتها أو تقليل من أهميتها وفاعليتها ودورها في المجتمع.
ما هي المعلومات المضللة التي تؤثر على النساء؟
تأتي المعلومات المضللة التي تواجهها النساء في الفضاء الرقمي على أشكال متعددة، منها التنمر الإلكتروني، والترويج للوصمات الاجتماعية التقليدية، ونشر شائعات مغلوطة مجهولة المصدر حول شخصية نسائية معينة على الصعيد الاجتماعي أو السياسي للتشكيك في قدراتها أو تقييد فعاليتها ونشاطها.
قد تأتي المعلومات المضللة على شكل، روابط مزيفة لفرصة عمل أو ربح جوائز، أو حسابات وهمية، أو صور ومقاطع فيديو مزيفة، أو أخبار مفبركة، وغيرها، ليتم استدراج النساء لمشاركة معلومات وبيانات شخصية لاختراق خصوصيتهن في ما يعرف بعملية “الابتزاز الإلكتروني”، وتكمن خطورته لا في ما يسببه من أذى نفسي واجتماعي ومادي للضحية وإنما في صعوبة التخلص منه.
قصص واقعية
سلوى (اسم مستعار) 20 عاماً، أحد ضحايا المعلومات المضللة تقول في تصريح لها “اضطررت إلى إيقاف حسابي على منصة فيسبوك بعدما هاجمني مجموعة من الأشخاص في التعليقات وعلى رسائل الخاص، عندما قمت بنشر منشورات من يومياتي وصور عادية جداً، وعندما قمت بطرح تعليقات أعبر فيها عن أوضاع البلاد ومأساته”.
وعن نوع التعليقات التي تعرضت لها تجيب “تعرضت لاتهامات بعدم الحشمة والحياء أو تحرش وإرسال كلمات غير لائقة”.
تعتبر منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لنمو الشائعات والمحتوى الزائف، إذ يحظى بسهولة النشر وإعادته، ومشاركة التحديثات، بأقل تكلفة وفترة زمنية وجيزة، واحدة من القضايا المشهورة التي انتشرت سابقاً هي قضية حساب وهمي على منصات التواصل الاجتماعي اسمه “سمية الخولاتي”، نشر هذا الحساب سلسلة منشورات اتهم فيها النساء العاملات في المنظمات بتهم أخلاقية عديدة، بقصد التشويه والتحريض ضدهن إلى جانب حسابات أخرى، قامت باستعطاف المجتمع من أجل الهجوم على النساء العاملات في المنظمات والناشطات في المجتمع المحلي.
حتى مطالبة النساء في اليمن بأدنى الحقوق المشروعة عبر الإنترنت قد يواجه أصوات مناوئة تفقد القضية مضمونها الحقوقي، مثل الجدل الذي حصل بالتزامن مع حملة “جوازي بلا وصاية” التي تبنتها مع عدد من الناشطات اليمنيات، بعد منع السلطات اليمنية منح المرأة اليمنية جواز سفر دون موافقة ولي أمرها، حيث تم مجابهة ذلك بالتحريض ونشر خطاب الكراهية وأيضاً نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة على الناشطات والنساء على الفضاء الرقمي اللواتي يطالبن بهذا الحق.
يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عبد الكريم غانم أن “الهدف الفعلي لهذه الحملات هو ردع النساء عن المشاركة في المجال العام وللوصول لهذه الغاية تستخدم الجماعات المتطرفة بشكل منهجي المعلومات المضللة القائمة على النوع الاجتماعي لإسكات النساء، وتثبيط الخطاب السياسي عبر الإنترنت، من خلال تشكيل التصورات المشوهة تجاه النوع الاجتماعي، بغرض إعاقة استنبات القيم الديمقراطية ورفض مفاهيم حقوق الإنسان”.
فجوة رقمية بين الجنسين
تشير الإحصائيات إلى أن عدد اليمنيين المتواجدين على الإنترنت إلى نهاية 2022م يتجاوز 8.7 مليون مستخدمًا، بنسبة 25.8% من عدد السكان بحسب “آيكون يمن” ألا أن هذا التواجد الكبير تقابله فجوة رقمية بين الجنسين في اليمن تعود لأسباب كثيرة منها المعلومات المضللة والشائعات المغلوطة التي تجعل نسبة اليمنيات اللواتي يستخدمن الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي ضئيلة جداً.
في إحصائية لعام 2021م لـ “آيكون يمن” تشير إلى أن منصة الفيسبوك التي تعد أكبر منصة في اليمن، بلغ فيها عدد المستخدمين اليمنيين 3.6 مليون مشتركًا، حيث بلغت نسبة النساء 14.5% مقابل 85.5% للذكور. وأما منصة إنستغرام فقد بلغ فيها عدد اليمنيين 701.3 ألفًا منها 30.2% نساء مقابل 69.8% ذكور، إلى جانب المنصات الرقمية الأخرى على الإنترنت حيث توضح النسب الفجوة الكبيرة بين الجنسين من مستخدمي الإنترنت في اليمن.
أثر المعلومات المضللة على سلوك النساء
بدلاً من مواجهة المعلومات المضللة بطرق مناسبة لخفض حدة الشائعات المغلوطة تضطر العديد من النساء اليمنيات لاتخاذ سلوك معاكس يصعد هذا الخطاب ويعطيه شرعية.
حيث تقوم العديد من النساء اللواتي يتعرضن لنوع من المعلومات المضللة بإخفاء هويتهن الحقيقية للتواصل والتفاعل باسم وهمي لحماية أنفسهن، توضح الأخصائية النفسية، مروى اليزيدي، وجهة نظرها حول سبب إخفاء الهوية الحقيقية على الإنترنت “يتخفى بعض أفراد المجتمع تحت أسماء مستعارة لعدة أسباب متفاوتة تختلف من شخص إلى آخر سواء كان رجلًا أو امرأة، تجد البعض يريد أن يحدث تواصل مع الآخرين من الجنس الآخر بأريحية دون حواجز أو خوف من المعايير التي حددها المجتمع لذلك، أو ربما من أجل التعبير عن رأيه دون خوف من انتقاد الآخرين لشخصه”.
ولأن المعلومات المضللة تفرض تأثير واضح على سلوك النساء التي تظهر بهويتها الحقيقية بحيث يكون لديها تخوف نفسي من المشاركة والتفاعل إلكترونياً والانسحاب من المشاركات العامة والنقاشات حول السياسة والعمل وقضاياهن أو مستقبل البلاد، حتى النساء اللواتي يفضلن الظهور باسم مستعار يبقى تفاعلهن محدودًا حول مواضيع معينة تعزز الصورة النمطية بخلاف الرجال الذي لا يقيده شيء في المجتمع اليمني ويملك مساحة كبيرة للتعبير.
وعن انعكاسات هذا التأثير على سلوك النساء، يقول الدكتور عبد الكريم غانم”أنه قد يدفع بعضهن لترك وظائفه أو التوقف عن النشر عبر الإنترنت، كما قد تؤدي هذه الحملات المضللة إلى تآكل مكتسبات النساء، في مجال التمكين السياسي، وحرية التعبير والتنقل، بالإضافة إلى الضرر الذي تسببه الحملات المسيئة للضحايا والناجين، من تداعيات نفسية وعنف جسدي، وتثبيط لممارسة حرية التعبير وإعاقة للتوجهات الديمقراطية ولحقوق الإنسان.
مجموعة ومنِيَّات أنموذجاً
تعتبر مجموعة ومنِيَّات أحد الحلول المبتكرة التي تم إنشاؤها على منصة فيسبوك بإشراف من (منصتي 30) وهي عبارة عن مساحة رقمية مغلقة آمنة وخاصة بالنساء في اليمن تتيح لهن النقاش والتفاعل البنَاء في طرح القضايا والتحديات التي تواجهها في المجتمع المحلي التي يصعب مناقشتها في منصات أخرى مثل قضايا الأعراف الاجتماعية غير العادلة والعنف القائم على النوع الاجتماعي وحقوق المرأة في المشاركة السياسية وغيرها.
انطلقت المجموعة في 8 مارس 2022م من أجل إشراك النساء في اليمن وتشجعيهن بشكل فعَال لخلق وعي مجتمعي أكثر إنصافاً وعدالة فيما يتعلق بوضع النساء والتفاعل مع قضاياهن بشكل إيجابي، وتعد آليةً مثاليةً للحد من المعلومات المضللة المنتشرة عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية