الصحفيات في 9 سنوات|استنزاف مادي وتراجع مهني
تبدو صالة التحرير في صحيفة الثورة اليومية خالية من العنصر النسائي، بعد أن كان عدد الصحفيات يزيد عن 45 صحفية قبل الحرب، لكن المدير العام للمرأة في مؤسسة الثورة، نجلاء الشيباني، أكدت أن 7 صحفيات لم يزلن يعملن في الصحيفة.
وأفادت الشيباني في حديث لغرفة أخبار الجندر أن جميع الصحفيات اللواتي كن يعملن في مؤسسة الثورة للصحافة يعانين من وضع معيشي صعب خصوصاً بعد توقف المرتبات؛ ما اضطر بعضهن إلى العمل في مجالات أخرى لتوفير لقمة العيش، بينما أصبحن الأخريات عاطلات عن العمل. لقد اضطرت الشيباني -التي تشرف أيضًا على صفحة الأسرة في صحيفة الثورة- للعمل في مكتب سفريات وسياحة؛ لأن ما تحصل عليه من عملها في الثورة لا يؤمن لها توفير الاحتياجات الأساسية.
صحفيات أخريات لم يجدن فرص عمل مناسبة فقرَّرن للعمل في مواقع إخبارية، ووفقاً للشيباني “يحصلن هؤلاء الصحفيات على مبالغ زهيدة إذ يتقاضين من 5000 إلى 15000 ريال يمني، بما يعادل 10 إلى 30 دولار أمريكي مقابل التقرير أو القصة الصحفية، حيث لا يوجد أمامهن خيارات أفضل. وتواجه المئات من الصحفيات اليمنيات ظروفاً صعبة للغاية بعد توقف صرف المرتبات وفقدان مصدر الدخل الوحيد، الأمر الذي أثَّر سلباً في وضعهن المعيشي والنفسي، والاجتماعي.
تفكك أُسرى
يقول رئيس اللجنة النقابية الصحفية في وكالة سبأ منصور الجرادي أن معظم الصحفيات تحولن إلى عاطلات عن العمل، بينما المحظوظات ممن وجدن فرصة عمل أو نصف فرصة يعملن بأجور متدنية جداً. وأفاد الجرادي في حديثه لغرفة أخبار الجندر بأن الوضع الذي تعيشه اليمن منذ عام 2015م أحدث تأثيراً عميقاً في حياة الصحفيات والموظفات في المؤسسات الإعلامية سواءً من الناحية المادية أو المهنية والنفسية. وبحسب الجرادي فإن توقف صرف المرتبات وعدم حصول الصحفيات على فرص عمل أخرى جعلهن عرضةً لظروفٍ معيشية صعبة تسببت في تفكك أسر بعض الصحفيات.
وقال: “لقد شهدنا انفصال بعض الصحفيات عن أزواجهن بسبب ما يواجهن من ظروف معيشية قاسية بعد أن كُنَّ يمتلكن وظائف ومرتبات تساعدهن في تدبير شؤونهن”.
إنه من الصعب على الصحفية أن تجد فرصة عمل في مجال آخر؛ نظرًا لمحدودية الفرص المتاحة أمامها مقارنةً بالرجل على حد قوله.
ويرى بأنه لن يكون هناك تعافٍ لدور الإعلاميات على المدى القريب، وقد نحتاج 10 سنوات، بعد أن كنا قد بدأنا بثبات منذ 20 سنة.
فمن بين 81 موظفة في وكالة الأنباء اليمنية بصنعاء، وفق كشوفات الموظفين لعام 2014م هناك 15 موظفة فقط يذهبن إلى مكاتبهن كل صباح، بينما 64 موظفة _معظمهن من الصحفيات_ لم يعد لهن أي نشاط إعلامي مرتبط بالعمل في الوكالة، خاصة بعد توقف صرف المرتبات منذ عام 2017م.
مهن أخرى
تجيد الصحفية أروى اليمني (اسم مستعار) حرفة صناعة الإكسسوارات، لقد كانت إحدى هواياتها أثناء سنوات الدراسة، وقد اضطرت للعودة إلى ممارسة هذه الهواية، ولكن هذه المرة من أجل كسب المال وتوفير لقمة العيش لعائلتها الصغيرة.
وترى “اليمني” -التي كانت تعمل في وكالة الأنباء اليمنية سبأ- أن تجربتها في صناعة الإكسسوارات قد فشلت تمامًا، ويعود السبب في ذلك إلى ضعف مهاراتها مقابل المهارات التي تتمتع بها النسوة المحترفات في السوق، حيث لم يتجاوز مكسبها في أفضل حالته 25 ألف ريال يمني، ما يعادل 50 دولارًا أمريكي في الشهر، وهذا الرقم لا يساوي إلا نصف المبلغ الذي تدفعه شهرياً مقابل إيجار الشقة التي تسكنها.
تتذكر “اليمني” فترة عملها في وكالة سبأ لمدة 5سنوات بعيون دامعة، وتقول لغرفة أخبار الجندر “لقد كانت فترة ذهبية” حيث كانت تحصل على 200 ألف ريال إجمالي مستحقاتها بشكل شهري ما يعادل حينها 1000 دولار أمريكي.
“اليمني” ليست الوحيدة التي جرَّبتْ احتراف مهنة أخرى وفشلت، تقول وكيلة نقابة الصحفيين اليمنيين فاطمة مطهر “هناك الكثير من الصحفيات والإعلاميات حاولن العمل في مهن حرفية ومشاريع منزلية لتجاوز هذا الوضع، لكن معظمهن لم يستطعن الاستمرار”، موضحةً أن البدء في امتهان حرفة جديدة يحتاج إلى استقرار مالي وأسري، وهذا غير متوفر إلا عند من يمتلكن منازل أو غير مسؤولات عن أسر.
وقالت مطهر في تصريح لغرفة أخبار الجندر “اختفت معظم الصحفيات من الساحة منذ توقف صرف المرتبات، لقد كان هناك المئات من الصحفيات يعملن في مؤسسة الثورة، ووكالة سبأ، و مؤسسة الجمهورية، والإذاعة والتلفزيون، واليوم لم يعد لهن أثر في المجال الإعلامي”.
انهيار وتوقف معظم وسائل الإعلام الأهلية والحزبية -أيضاً- أثّر في حياة الكثير من الصحفيات اللواتي كُنَّ يعملن في تلك الوسائل، وفقًا لـ مطهر “لقد فقدن مصدر دخلهن الوحيد”.
على أبواب المنظمات
تعتمد الصحفية يسرى شمسان (اسم مستعار) في تدبير شؤونها على مبلغ مالي يقدمه لها أخوها الأكبر، بالإضافة إلى ما يحصل عليه زوجها الذي يعمل سائقًا بالأجرة على وسيلة نقل محلية (باص).
وتضطر شمسان التي كانت تعمل في صحيفة الثورة للوقوف في طابور طويل للحصول على سلة غذائية شهرية يقدمها برنامج الأغذية العالمي في اليمن بشكل غير منتظم.
تقول شمسان لغرفة أخبار الجندر “لم أكن أتخيل أنه سياتي يوم أقف في طابور للحصول على مساعدة غذائية”
وفي هذا السياق تشير فاطمة مطهر إلى أن بعض الصحفيات قضين ما يقارب 25 سنة في العمل الصحفي، وأصبحن الآن بلا راتب وبلا منزل وبلا عمل، ما دفع البعض للمغادرة إما إلى مدن أخرى أو إلى الأرياف أو الوقوف على أبواب المنظمات للحصول على المساعدات.
وقالت “لا نستطيع أن نصف وقوف صحفية _كان لها مركزها في السابق_ على أبواب منظمة للحصول على سلة غذائية أو أي نوع من المساعدات، بأنه موقف مؤسف أو مؤلم؛ إن هذا الوصف يقلل من مأساويته” .
انتهاكات تحت أنظار النقابة
تواجه الصحفيات اللواتي يعملن في هذه المهنة معوقات لم تكن موجودة من قبل ،فبحسب مطهر، تواجه الصحفية معوقات خاصة في ما يتعلق بالتنقل والسفر مثل اشتراط المحرم.
ومن المعوقات أيضًا ما تتعرض له الصحفيات من انتهاكات، فقد تلقت النقابة بلاغات كثيرة من صحفيات تؤكد تعرضهن لانتهاكات مالية وإدارية من قبل مواقع إخبارية، ولم توفر لهن النقابة أي نوع من الحماية القانونية، حد وصفها.
وقالت “هناك حالة من عدم المساواة تتعرض لها الصحفيات في ما يتعلق بالأجور” وتؤكد “يحدث هذا يحدث في وقت تكتفي فيه نقابة الصحفيين بالفرجة وإصدار البيانات، فالنقابة لم تقدم شيئاً للصحفيات ولم توفر لهن الحماية القانونية.
لكن في المقابل هناك منظمات قدمت بعض الخدمات للصحفيات اليمنيات خلال سنوات الصراع، مثل الدعم النفسي وتوفير فرص عمل وإنشاء مشاريع خاصة بالإضافة إلى الدعم النفسي والقانوني.
فخلال العامين الماضيين عقد مرصد الحريات الإعلامية التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي 420 جلسة دعم نفسي استفاد منها قرابة 70 صحفياً وصحفية، بالإضافة إلى تقديم الدعم القانوني والرقمي لعشرات الصحفيات.
ووفقاً للمدير التنفيذي لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، محمد إسماعيل، حصلت العشرات من الصحفيات اليمنيات -ممن يواجهن مخاطر طارئة- على مساعدات مالية عبر برامج دعم مالية قدمها المركز بالتنسيق مع شركائه.
وقال إسماعيل لغرفة أخبار الجندر “موَّل المركز عشرات الصحفيات لإنتاج مواد صحفية، وركزنا على أن تكون المواد في مسار دعم قضايا النساء”.
ومن المشاريع التي تهدف إلى تطوير مهارات الصحفيات قام المركز بدعم إنشاء منصة (هودج) -وهي منصة يديرها طاقم نسائي- مكنت عشرات الصحفيات من اكتساب مهارات قيادة المؤسسات الإعلامية.
لكن هذه التدخلات تظل محدودة مقارنةً بعدد الصحفيات اليمنيات اللواتي فقدن وظائفهن وأصبحن دون مصدر دخل، في ظل استمرار الصراع في اليمن.
وإلى أن تتفق الأطراف المتصارعة على صرف مرتبات الموظفين بما فيهم الصحفيات، ستظل الصحفية شمسان تقف في طابور طويل لساعات بانتظار استلام حصتها من المساعدات.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية