جهاز رقابي يذهب فرحة الطالبات بالتخرج
تُقام حفلات التخرّج الطلابية عقب انتهاء فترة الدراسة الجامعية، ويعدّ يوم التخرّج ثمرة لحصيلة سنوات من الدراسة الجامعية والكفاح والتعب، وتكون أجواء ذلك الحفل مفعمة بالفرحة والانتصار، وعادة ما يتطلّب إعداد الطلاب لحفل التخرج أشهرا طويلة.
إلى وقتٍ قريب، كانت حفلات التخرج في اليمن تُقام بتنسيق بين الطلاب، فيقومون بإعداد كل فقراتها من دون تدخل أي جهة رسمية، وكانت الطالبات يتمتعن بجزء بسيط من الحرية في اختيار فقرات الحفل واللبس وإظهار الفرحة، وتحت رقابة الأهالي الذين يحضرون تلك الاحتفالات. اختلف الأمر مؤخرا، فقد أنشأت السلطات في صنعاء “نادي الخرّيجين”، وصار هو الجهة المسؤولة على منح تراخيص حفلات التخرّج ومراقبة فعّاليتها ولباس المتخرّجين وفرض قيود توافق “الهوية الإيمانية”، على حد تعبير النادي وسلطة صنعاء.
يُعدّ نادي الخريجين أحد أدوات السلطات في صنعاء التي تعمل على قمع الطالبات الخريجات من الجامعات وعلى انتهاك حريتهن الشخصية بحجج عدّة، منها الحفاظ على الهوية الإيمانية التي وضع ضوابطها النادي المذكور، وأصبح هو المسؤول على لبس الطالبات وكلامهن وتصرّفاتهن في حفلات التخرّج.
اليوم الأسوأ في حياتي
تذكر ح. ن. أنه عندما نادى مقدّم الحفل باسمها، توجّهت إلى المنصة مبتسمة وشعور السعادة يغمرها، لكنها تفاجأت وهي على درج المنصة بشخص لا تعرفه يُوقفها، ويطلب منها العودة إلى مكان تغيير الملابس بحجّة أن قدميها ظاهرتان، وأنه يجب عليها تغطيتهما، وتشير إلى أنه طلب منها تغطية قدميها، وإلا فلن تصعد المنصّة ولن تُكرّم. في البداية، حاولتْ تجاهل ذلك الشخص، غير أن امرأة أخرى كانت تقف أسفل درج المنصّة أعادتها إلى غرفة الملابس بالقوة وهي تكيل لها الشتائم.
وتقول ح. ن.: “أُجبرتُ على كل شيء في تلك اللحظة، وعدتُ مليئة بالخيبة، وبدلا من الفرحة والسعادة، أحسستُ بغصة وبمرارة كأنني في عزاء، فضلا عن الإهانة. استعرتُ حذاء أختي، ثم عدت لزفاف تخرّجي مرة أخرى وقد قُتل فيّ روحي الحماس والشغف. أحسستُ بالندم على كل لحظة قررتُ فيها أن أشارك بالحفل. زميلاتي أيضا حُرمن من زفة الخريج وهن يبكين، وكان حرمانهن بحجّة عدم ملاءمة الأحذية التي كُنّ يرتدينها”.
بكاء من شدة القهر
تقول أ. س.: “بعد تحية العلم، صعدنا إلى غرفة التجهيزات، فلحق بنا أحد أفراد نادي الخريجين ومعه رجل يرتدي زيا عسكريا وبدأ يقول: (مَن منكن رجلها مكشوفة أو تلبس عباءة قصيرة؟)، ثم أشار إليّ. دخلنا في نقاشات حادّة لأن العباءة التي كنتُ أرتديها أرفع من كعب الرجل بقليل. بدأ يصيح في وجهي ويقول إنني مخالفة لقوانين النادي، وسوف يحرمونني من حفل التخرج، في تلك اللحظة انصدمت؛ لأن العباءة لم تكن قصيرة. كانت مرتفعة من أجل أن لا أتعثر بها عند خروجي للتتويج. ذهبت إلى المسؤول عليهم، فقال إنه يجب عليّ أن أرتدي جزمة وعباءة طويلة، فذكرتُ له أنني لم أخلّ بالأدب. بدأ يغلط ويتمادى في الكلام، وكنت أستجديه وأتوسّل إليه. أصررت على أن أتكرّم؛ لأنه لم يكن لدي حلّ آخر في ذلك الوقت، فعاد ليتمادى في الكلام والسب والإهانة. في تلك اللحظة، انهرتُ بالبكاء من شدة القهر والألم. لم أتمالك دموعي ودخلتُ في نوبة بكاء. بعدها ذهب الشخص وعاد وسمح لي بالتكرّم، لكنه كان تكريما ممزوجا بالدموع، ولم أشعر لحظتها بالفرحة”.
ينتظر الأهالي بكل صبر اليوم الذي سيجني فيه أبناؤهم ثمار التعب والاجتهاد بكل شغف واعتزاز. شعور الأسرة في يوم تخرج أحد أفرادها لا يختلف عن فرحة الخرّيج نفسه، لكن القيود التي فُرضت على حفلات التخرّج سرقت البهجة والفرح.
تحكي شقيقة الخريجة ح. ن. عن مشاعرها في حفل تخرّج أختها: “بدأتُ أشعر بالضيق من كمية الاستهتار والتضييق على فرحة الخريجين وخصوصا الطالبات، فقد قام النادي بتصرفات لا تليق حتى بالصغار، إذ أعاد بعض الخريجات بسبب الحذاء وظهور القدم، وكانوا يذكرون “الثقافة الإيمانية” وضرورة الالتزام بها، والبغيض في الأمر أن من قام بتفتيش الطالبات رجل، وهذا غير معتاد في المجتمع اليمني، وكان يكيل لهن الشتائم بلا أخلاق وكأنه يتعامل مع عبيد. كنت مصدومة في ذلك اليوم. لم أستطع استيعاب ما حدث، فبدلا من أن يرسموا الابتسامة على وجوه الخريجين، قهروهم وأبكوهم. حملتُ نفسي خارج القاعة وغادرتها وقلبي مليء بالوجع والقهر”.
يمارس نادي الخريجين التضييق على الطلاب والطالبات في حفلات التخرج، ويفرض قيودا على الطلاب تلزمهم بتنفيذها، وعلى أي لجنة تحضيرية تريد الاحتفال أخذ تصريح الاحتفال من النادي، ويجب عليها الالتزام بكل البنود المذكورة، منها عدم تشغيل الأغاني عند زفة الخريج والالتزام بالزي الذي يحدّده النادي مستندا إلى الأخلاق والهوية الإيمانية للمجتمع. قيود يضطر الطلاب إلى قبولها، طمعا في بصيص من الفرحة التي طال انتظارها على مدى المرحلة الجامعية.
هذا وقد شهدت ممارسات نادي الخريجين مؤخرا استنكارا واسعا من الطلاب، وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات تنديد بممارسات النادي، وقد انتهى الأمر بتوقيف مؤقّت لصلاحيات النادي من قبل الجهات المختصة.