عانس.. مآسٍ تحت جور المجتمع وقدر النصيب
ارتفاع أعداد الفتيات اليمنيات اللاتي لم يتزوجن إلى نحو مليونين ونصف المليون فتاة
التوتر والاكتئاب والعزلة والانحراف وراء النظرة المجتمعية القاصرة تجاه العانس
غلاء المهور والمسلسلات والحفاظ على الميراث والعمل والأبعاد الصحية من أبرز المسببات
هي مثل أي فتاة تحلم بالاستقرار في عشّ الزوجية وإنجاب أطفال تزهو بهم، ولكنه القدر يعطي ويأخذ. تمرّ السنوات ولا يحالفهنّ الحظ في تحقيق هذا الحلم الجميل، والحياة لا تتوقف، ولكن ما يوقفها هو سطوة المجتمع على حياتهن وتدمير ما تبقى من أحلام بلقب “عانس” و”فاتها القطار” و”بايرة”، وغيرها مما يترك وقعا مؤلما نفسيا واجتماعيا.
فدوى (45 عاما) تعمل مدرسة لمادة اللغة العربية منذ أكثر من عشرين عاما، تقول عن تجربتها: “كأي فتاة في هذا العالم، كان حلمي أن أتزوج وأنجب أطفالا، وأكون أمّا فاضلة لهم، أربيهم وأرعاهم وألعب معهم، حتى عند ضعفي وكبري أراهم عونا لي وسراجا للزمن، ولكن هذا الحلم تبخّر أمامي، وصار الآن بالنسبة لي من سابع المستحيلات.
وتابعت سرد قصتها: “عندما كنت طالبة في الثانوية العامة، تقدم لخطبتي ابن خالتي، ولكني رفضت بحُجة رغبتي في إكمال تعليمي ودراستي الجامعية، ومنذ ذلك اليوم حتى اللحظة لم يطرق أحدهم الباب لخطبتي، صحيح أنني درست وتوفّقت في الجامعة وتوظّفت، ولكن كلام الناس يطاردني كخنجر في الظهر، ومعايرتهم لي (لو كان فيك خير، لتزوجت من زمان)”.
ابتزاز وتسلية:
هند (35 عاما) تقول من ناحيتها: “نحن ست أخوات، لم يتزوج أحد منا. أختي الكبيرة تجاوزت الأربعين عاما، ولم يتقدّم أحد لخطبتنا. كثرت حولنا الأقاويل والشائعات، وكل واحد يجرح بطريقته لأمر ليس بأيدينا، ولم نترك بابا إلا طرقناه لتنحلّ عقدة الزواج، فوقعنا فريسة سهلة بيد الدجالين والمشعوذين الذين أدخلونا في بحر ليس له آخر، فكُنا عرضة للابتزاز. دفعنا المال والحلال والذهب، حتى تتزوج إحدانا وتنفك العقدة، ولكن الأبواب كلّها أمامنا مغلقة، فأيقنّا أن هذا قدرنا وأن باب العرافين كله دجل وشعوذة”.
وتابعت: “لا أخفي عليكم كم كنت خائفة أن تكون نهايتي مثل أخواتي الكبار فاتهن قطار الزواج، وأصبحن في نظر المجتمع عوانس، وكأنه عار على جبينهن، وحتى لا يلحقني ما أصابهن، اندفعت واتخذت قرارات لا تمتّ إلى تربيتي وأخلاقي بأية صلة، ظنّا مني أني سأتزوج”.
ومضت قائلة: “في الجامعة تعرّفت على شاب أوهمني بأنه معجب بي ويحبني، ولا يريد إلا أن أكون زوجته المستقبلية على سنة الله ورسوله، ورغم تخوفي وتردّدي من التواصل معه، لم أجد إلا أن أصدّقه كي أزيح من أمامي كابوس العنوسة، ولئلا أكون منغلقة مثل أخواتي، غير أن خبثه ومكره أظهرته الأيام يوما تلو آخر. تنازلت عن مبادئي وأخلاقي معه كثيرا، وقصدي أن أتزوج بأي طريقة، ولكنه استغل هذا الهدف النبيل في التلاعب بمشاعري وعواطفي واستغلالي ماديا ومعنويا، وبعد وعود طويلة وكاذبة، قال لي في نهاية المطاف: (أهلي رفضوا أن أتزوّج أي واحدة من الجامعة، وحلفوا يمين ما أتزوج إلا بابنة عمي)، فكانت صدمة نفسية لم أنسها حتى اللحظة، وبالمقابل لم تكن هذه التجربة المؤلمة لي كفيلة بأن أتعلّم منها، فقد وقعت ضحية أخرى في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي في الفيسبوك والواتس، ولكنهم يتسلّون باسم الزواج، فاقتنعت أن مصيري مهما عملت سيكون مثل أخواتي، وأن أكون عانسا بشرف خير من أن أكون عرضة للابتزاز والتسلية”.
رهينة الوحدة:
وأما ميادة (39 عاما) فقد فضّلت العزلة والوحدة من تعيير الناس، على حدّ قولها. وأضافت: “ما إن أذهب إلى مكان حتى يبادرون يسألونني: كم طفلا لديك؟ وعندما يعرفون بأني لم أتزوج، ينهالون عليّ بكثير من التساؤلات: لماذا؟ وكيف؟ وما السبب؟ وإلى متى ستبقين هكذا؟ ولو كنت تزوجت، لكان معك خمسة أطفال الآن. اذهبي إلى شيخ ربما عملوا لك عملا، وغيرها من التساؤلات التي لا أملك لها إجابات، وتصيبني بالإحباط والاكتئاب”. وتوضّح أن تلك التصرفات جعلتها رهينة الوحدة والعزلة، لا ترغب في حضور المناسبات ولا التجمعات خوفا من كلام الناس، على حد تعبيرها.
عملي أبقى:
سارة جمال (42 عاما) موظفة تقول: “أنا غير متزوجة ولله الحمد، ورفضت الزواج لحبّي لعملي؛ إذ يتطلّب مني عملي التنقل والسفر والتفرغ التام له، وأرى في الزواج قيدا ومانعا لي من مواصلة مشواري العملي. أضف إلى ذلك أن مشاكل الأزواج هذه الأيام تمنع المرأة من مجرد التفكير بالزواج”. وتابعت: “وفي الحقيقة لا يهمني كلام الناس عني، فالناس في كل الحالات تتكلم”.
ظروف صحية:
عللت إيمان نجيب سبب عزوفها عن الزواج طيلة 37 عاما بإصابتها بالربو المزمن، وأن كثيرين عندما يعلمون بمرضها، يرفضون التقدّم لخطبتها، غير أنها منذ ثلاثة أشهر وافقت أن تكون الزوجة الثالثة لرجل في عمر والدها، هربا من شبح العنوسة الذي كان يطاردها، على حد تعبيرها.
2.5 مليون عانس:
وفي سبيل محاربة العنوسة وتيسير سبل الزوج، دعت أكثر من 38 منظمة ومؤسسة وجمعية خيرية يمنية إلى تأسيس صندوق ينشط في الأعراس الجماعية والتنمية الأسرية، ويعمل على تحديد المهور لتيسير الزواج بين الشباب في مواجهة استفحال ظاهرة غلاء المهور التي تؤرّق غالبية الأسر اليمنية، فيما تشير مصادر إحصائية إلى ارتفاع أعداد الفتيات اليمنيات اللاتي لم يتزوجن إلى نحو 2.5 مليونين ونصف المليون، بينهن أكثر من نصف مليون ممن تجاوزن سنّ الثلاثين. ووفقاً لمختصين في الجهاز المركزي اليمني للإحصاء، حالت الأوضاع الراهنة في البلد وغياب التمويل دون إصدار التقرير السنوي للجهاز، المتضمن مسحاً شاملاً للأسرة اليمنية، غير أن المؤشرات الأولية المتوفرة تؤكّد ارتفاع أعداد الفتيات غير المتزوجات إلى نحو مليونين ونصف المليون فتاة.
وكان آخر تقرير رسمي يصدر أعده الجهاز المركزي للإحصاء عام 2009 قد قدّر عدد الفتيات اليمنيات اللواتي لم يتزوجن بعد بأكثر من مليوني فتاة. وبحسب تقرير دولي صدر مطلع عام 2016، تحتل اليمن المرتبة التاسعة عربياً في نسبة عدم زواج الفتيات بواقع 30%. وتُعدّ ظاهرة تأخر أو عدم الزواج مشكلة اجتماعية تتفاقم في اليمن وتعاني منها شريحة واسعة من النساء اليمنيات، خصوصاً الناشطات منهن، والمنخرطات في الحياة العامة، مثل الطبيبات والمعلّمات والجامعيات. وتشير الدراسات إلى أن هذه الشريحة من الفتيات تقل نسبة زواجهن عن الأخريات؛ لأن غالبية الشباب الراغبين في الزواج لا يفضلون الارتباط بفتاة أعلى منهم في المستوى العلمي، ويفضّلون الفتيات الصغيرات سنّا. ونوّهت دراسات بحثية بأن تأخر سن الزواج للشباب، يعود لعدة أسباب، منها اقتصادية، إضافة إلى تمسّك الأسرة بعادات وتقاليد متعدّدة.
آثار نفسية خطيرة:
الدكتور عبده الشليلي اختصاصي علم نفس واجتماع بيّن أنّ الإسلام كرّم المرأة وجعل مكانتها عظيمة في بناء الأسرة وتطور المجتمع، وأن مشوار الزواج يبدأ بخطوة الخطوبة والاختيار. وعلى كل فرد أن يحرص على الاختيار الصحيح والتوقيت الصحيح للفتاة أو للعمر المناسب، ويوضّح أن العمر الأفضل والأجمل للزواج للفتاة يتراوح بين 18 -25 سنة من جهة الجانب العاطفي وتحمل مسؤولية الزواج، ولكن ذلك ليس تحديدا دقيقا، فلكل فتاة ظروفها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
ويشير إلى إن نظرة المجتمع تختلف من مجتمع إلى آخر في تحديد سن الزواج المناسب، فإذا تجاوزت الفتاة سنّا معينة (خمسة وعشرين أو ثلاثين عاما) يقولون “فاتها القطار”، “عانس” ولا يمكن أن تتزوج، وهذه نظرة خاطئة، لها أسس ثقافية واجتماعية تنعكس على نفسية الفتاة؛ إذ تحسّ بالتوتر والاكتئاب والخوف من المستقبل، مما ينعكس على عملها وزميلاتها، فتنعزل عن الآخرين. أضف إلى أن الاهتمام بنفسها قد يكون مبالغا فيه، حتى تجذب الآخرين أو تهمل نفسها كثيرا؛ لأنها وصلت إلى حد اليأس وتنشغل بعملها أكثر من اللازم على حساب صحتها، أو تهمل نفسها كثيرا وتصاب بالندم والحسرة؛ لأنها اهتمّت بأشياء كانت وراء عزوفها عن مشوار الزواج كالعمل والدراسة ولم تفكر بالزواج، وهذا موقف خاطئ؛ لأن الزواج فرصة وحظ ونصيب واختيار مناسب، حتى لا تجلس الفتاة تحلم بفارس الأحلام الذي يخلو من العيوب أو توافق على أول شخص يطرق عليها الباب.
وبيّن الشليلي أن للعنوسة آثارا نفسية صعبة على الفتاة، لكن الأشدّ تأثيرا نظرة المجتمع القاصرة والخاطئة التي تتمثل في أن القطار فات وأنها امرأة فاشلة وغير جميلة أو مرغوبة، وغير ذلك من الانتقادات الجارحة.
وأشار إلى أن تلك الاتهامات تسبّب إحباطا للفتاة، إلى جانب ما تسمعه من أخبار أن فلانة عانس وعمرها كذا، وجاء فلان وفلان ولم تتزوج، وهذا مِن العيب والخطأ المجتمعي؛ لأنه ظلم للفتاة، فقد يكون الشخص غير مناسب، والعيب فيه، فلماذا نحمل الفتاة أخطاء الآخرين وفشلهم؟!
حلول فضية:
وتطرّق الشليلي إلى الحلول التي تكمن في أهمية توعية المجتمع بقرار الفتاة وعزوفها عن الزواج تحت أي مسببات واحترام كينونتها وأن العنوسة ليست عيبا، فقد يكون العيب في الشباب، وأحيانا أخرى في الفتاة، وأخرى في الأهل والمغالاة بالمهور أو اشتراطاتهم الصعبة للموافقة بالزواج، ومن العلاجات هنا محاربة المغالاة بالمهور واختيار الفرصة الأنسب للزواج وعدم الانغماس بالدراسة والعمل كثيرا حتى لا يفوت القطار وعدم الانتظار للبنت الكبرى حتى تتزوج، فأخواتها الأصغر منها هنا يدفعون الثمن، بل مَن جاء نصيبها تتزوّج.
وختم حديثه برسالة للفتاة العانس: أن لا تيأس، فالقادم أجمل، وبالمقابل عليها أن لا تدقّق كثيرا في اختيار النصيب، بل عليها استغلال الفرصة الفضية وأن لا تنتظر الفرصة الذهبية التي قد لا تأتي إلا في مخيلتها.
أسباب وتداعيات:
الناشطة المجتمعية والحقوقية رجاء المؤيد استهلّت حديثها بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (النور، 32)، وقالت: إن المتأمل في آيات القرآن الكريم يجد في الآية أمرا صريحا بتزويج الأيامى (جمع أيّم)، وهو مَن لا زوج له سواء أكان ذكرا أم أنثى، وهو المعبّر عنه في الآية بقوله “الصالحين من عبادكم وإمائكم” أي الرجال الصالحين ممن ترضون دينه وخلقه، كما ذُكر في ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمة أو الفتاة المؤمنة التي ذكرت فيما روي عنه أيضا بقوله في الترغيب بزواج المرأة المؤمنة قوله: “فاظفر بذات الدين تربت يداك”، وتفضيلها على ما يرغب الناس فيه عُرفا، ذلك أنهم يسعون للزواج من ذات الجمال والحسب والنسب والمال، وبيّن أن وجه يكون التفضيل في زواج الشاب ذي الخلق والدين، والمرأة ذات الدين. أما ما بيّنه الله في كتابه الكريم في الترجيح لاختيار الزوج أو الزوجة هو الإيمان، وذلك في قوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْـمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْـمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْـمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة، 221)، وبيّنت أنه مما سبق من مقدّمة يتضح لنا المنهج في اختيار الزوج أو ما يُسمّى شريك العمر، وأن تكون الأولوية الدين والخلق، أما من جهة أسباب العنوسة لكلا الجنسين، فكلمة “عانس” تطلق لمن تأخر زواجه وقد أسن، أي تقدّم في العمر، فهناك أسباب نستخلصها مما سبق، وهو تفضيل صفات على أخرى في الشريك، فنرى الرجل يسعى لصفات معينة، وخصوصا مع انتشار الصور في وسائل الإعلام والتواصل لنساء وبطلات المسلسلات أو العارضات، فيبدأ يحلم بأن يحصل على تلك الصفات، وتبدأ الأمهات والأخوات يبحثن عن ذلك النموذج في صالات الأعراس بغض النظر عن المواصفات الإلهية والنبوية التي طرحت في الآيات، وكأن هناك مصنعا يلبي للشباب طلباتهم.
وتوضّح أنه بالنسبة لأهل الفتاة الذين يرفضون المتقدّمين لبناتهم إن لم يكن لهم قدرة مادية في تلبية طلباتهم، فقد أصبح الآن متوسط تكاليف تزويج الفتاة من أربعة إلى خمس ملايين، تبدأ من هدية الخطوبة إلى المهر وتكاليف العرس. أما ذوو الأموال والتجار، فلا مجال لذكر تكاليف أعراسهم، وهذه التكاليف تتسبب في عنوسة الشباب والبنات وتأخر سنّ زواجهم.
وتُشير إلى أن من أسباب العنوسة عند بعض النساء اللاتي هُنّ مِن أسر غنية أنه لا يتم تزويجهن لكي لا يدخل شريكٌ مطالبٌ بالميراث، فتُحرم الفتاة من الزواج وتبقى كالوقف.
وأوضحت أنه جاءت فترة قبل الحرب أصبحت فيها شروط، وهو اشتراط الرجل الموظف لضمان الراتب الشهري وأيضا الموظفة لضمان المشاركة والمساهمة في النفقات الأسرية، وبعد توقف المرتبات لم يعد شرط الوظيفة كالسابق، وهكذا كل فترة تظهر شروط في اختيار الشريك.
وتطرقت إلى الحلول للحدّ من تفاقم ظاهرة العنوسة وما ينبغي أن نكون عليه في يمن الإيمان والتي تكمن في العودة إلى كتاب الله وسنة النبي محمد في تزويج البنات والشباب، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في زواجه وتزويج بناته وصحابته، وما يقال إنه أصبح هناك التزامات كثيرة وتكاليف باهظة في إقامة الأعراس، فنقول: إنه لا ينبغي التوسع والإسراف في تلك الالتزامات التي ليست إلا من أجل أن يقال: كان كذا وكذا في عرس فلان أو فلانة، أو خوفا من أن يقال: لم يكن كذا وكذا في عرس فلان أو فلانة؛ لأن من يراقب الناس وينتظر ماذا سيقولون، سيشقى، كما يُقال: “من راقب الناس مات همّا”، وإرضاء الناس غاية لا تدرك، بل نبتغي رضا الله ونرجو فضله وعفوه ومغفرته؛ لأن النبي قال في عدم تزويج الشباب: “إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.
إنشاء جمعيات:
وتابعت قائلة: “إن مِن هذا الفساد انتشار الفاحشة والتفسخ في القيم أو حدوث مشاكل وأمراض نفسية كثيرة مثل الانطواء والانعزال عن الناس أو الشعور بعدم الثقة في النفس وغيرها كالقلق والاكتئاب وما إلى ذلك من المشاكل في حال كانت العانس من بيئة محافظة، ولا يخشى عليها من الانحراف الأخلاقي، وكلا الحالتين داء يحتاج إلى دواء، كما أنه ينتج عنه أفراد غير أسوياء نفسيا، إلا ما رحم الله ممن لهم ثقة عالية بالله تعالى، ويشغل نفسه بما يفيده ومجتمعه كالاشتغال بطلب العلم أو العمل، وإن كان ذلك حلا جزئيا للمشكلة؛ لأن الحلّ العودة إلى القرآن كمنهج للحياة”.
وبالنسبة لما ينبغي على المجتمع في كيفية التعامل مع مَن تأخر زواجه أو لم يحصل الزواج تقول المؤيد: “لا ذنب للعانس من النساء أو من الرجال، ولا يمكن أن يُلقى باللائمة عليهم فقط، بل يسعى المجتمع إلى أن يتخلى عن بعض العادات والتقاليد المعيقة لتحصين الشباب والبنات، من أجل مجتمع أكثر عفافا وأكثر طهارة وزكاء”، وتؤكّد أن على الدولة أن تساعد في ذلك بإنشاء جمعيات تقوم بتأدية دور الولي لمن لا ولي له، ولها في مساعدة الشباب لتكوين أسر متحابّة وصالحة؛ لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع.
توعية وتمكين:
من الجانب الديني، يقول العلامة الحسين السراجي: “لقب (عانس) موروث مجتمعي خاطئ، فالفتاة لا تعزف عن الزواج إلا عندما لا تجد المليح (الزوج الصالح) الذي يتحمل المسئولية ويستشعرها، وقديماً كان يُقال على لسان المتبتّلة الرافضة الزواج:
شبقي طريح لا ما تهبّ لي ريح *** إن شي مليح وإلا صلاة وتسبيح”
وأضاف: “يجب الاعتراف بأن المشكلة لا تتعلق بالفتيات فقط، فهي موجودة في الفتيان الشباب؛ إذ يتزوّجون وهم فاقدو استشعار مسؤولية الزواج وما يترتب عليه من التزامات وواجبات، الأمر الذي يتسبب في مشاكل وخلافات ينتهي بالفشل في كثير من الحالات”، ويبيّن أن المجتمع حين يتعامل مع الفتاة العانس أو العازفة عن الزواج بأي تعامل سلبي، فإن تعامله خطيئة؛ لأنها تعيش واقعاً لها نظرتها وتفكيرها المحصور في الآتي؛ إما أنها تريد تحقيق طموح وترى في الزواج عائقاً عن تحقيقه؛ إذ تُدرك تلك الحقيقة من واقعها المعاش والدروس الحية التي تشاهدها في نظيراتها من قريباتها وزميلاتها وبنات حارتها ومدينتها، وإما أنه لم يتقدّم لها الشخص الصالح الذي ترى فيه الرجل والزوج المسئول، وهذا من حقّها الشرعي، فرضاها وقناعتها شرطان لاستمرار العشرة ودوام الزوجية، وإما أنه لم يتقدم لها أحد، وهنا لا ذنب لها في ذلك ولا عتب عليها.
وبين العلامة أنه لا يجوز ممارسة الضغوط عليها أو حصرها في زاوية ضيقة قد تتأثر منها نفسياً، وحين نحاول البحث عن الحلول، فلا بد من تكاتف وتظافر الجهود الرسمية والعلمائية والشعبية والمحلية والإعلامية، وكلٌ مستشعر لخطورة العنوسة والعزوف عن الزواج، والتغلّب على المشكلة بالآتي:
- استشعار الواجب الرسمي بتشريعات تقضي بتخفيف المهور والبدع والمنكرات الملازمة لها.
- قيادة حملات توعوية من دار الإفتاء والمرجعيات الدينية والإرشادية بالتنسيق مع الجهات والوسائل الإعلامية، وفي المقدّمة الشباب لاستشعار الواجب والمسؤولية.
- رعاية هيئتي الزكاة والأوقاف للأعراس الجماعية وكذا الجمعيات والمؤسسات المهتمة، وقبل ذلك تمكين الشباب اقتصادياً، بوصف ذلك جزءا مهمّا من مؤشرات ديمومة الأسرة.