هروبا من لفظ العنوسة، تبحث المرأة عن شريك للزواج، وحتى لا تطالها نظرات المجتمع القاسية التي تصفها بأنها امرأة غير صالحة، تسارع أحيانا باتخاذ قرار اختيار الشريك غير مدركة أن هروبها من شبح العنوسة، واختيارها الخاطئ قد يجعلها تحصل على لفظ آخر وهو “مطلقة”، ليصبح  واقع هذه الكلمة أشد وجعا وأقسى ألما!
“يعيبونني بأنني مطلقة” هكذا بدأت ا.م.ع حديثها عن معاناة الطلاق، وكيف أصبح وصمة عار تلاحقها، فتقول: “تطلقت قبل خمس سنوات، وفي هذه السنوات واجهت كثيرا من التحديات، وبالرغم من معاناتي من علاقة زوجية استمرت ثلاث سنوات، حُمّلت أنا الذنب الأكبر عند قراري بالطلاق، وبدلا من أن أكون الضحية، أصبحت الجانية”.
وتضيف: “عندما اتخذت قرار الطلاق، كان كثير ينصحونني بأن أحافظ على بيتي وعائلتي مع أني كنت محافظة عليهما، ولكني لم أستطيع تحمل حياة زوجية مليئة بالتعنيف وعدم الاحترام، وكان رد الجميع حتى أقرب الناس لي “اصبري ولا تكوني مطلقة”. لم أدرك لماذا كان الجميع يقول ذلك! وبعدها أدركت أن المرأة المطلقة في مجتمعنا لا حقّ لها في العيش، وأن الطلاق معركة جديدة، وله تبعات لا تنتهي بمجرد الانفصال”.

• الطلاق ونظرة المجتمع
لم يفلح المجتمع حتى الآن في إنهاء النظرة السلبية للمرأة المطلقة، فهي امرأة غير مسؤولة، وامرأة لم تستطيع حماية عائلتها، وأصبحت سلعة مستعملة، وفريسة سهلة في نظر البعض، ولا تملك ما تخسره في شرفها، ولن يرغب بها أي رجل شرقي، فهو يفضل امرأة بكر لم تتزوج بعد، وهي التي سيأتمنها على بيته وأولاده.
وترى الناشطة المجتمعية علياء الحامدي مدير عام الإدارة العامة لتنمية المرأة والمسؤول القانوني في اتحاد نساء اليمن أن الطلاق وصمة عار تطال كثير من النساء في مجتمعنا اليمني بشكل خاص، والمجتمعات العربية بشكل عام جاءت نتيجة عادات وتقاليد وموروثات اجتماعية، ورسّخت وصمة العار في مسالة الطلاق بالرغم من عدم تسببها في الطلاق.
وتضيف الحامدي: “تجد المرأة المطلقة نفسها في مواجهة مع نظرة المجتمع، وعدمية تقبل الأسرة لمسألة الطلاق. فهناك كثير من الأسر ترفض أن تحصل ابنتهم على الطلاق، خوفا من ردة فعل الأقارب، ونظرة المجتمع الدونية للمرأة المطلقة، الأمر الذي يجعل كثيرا من النساء يصبرن على جميع أنواع الظلم والقهر والعنف خوفا من أن تطالها أنياب المجتمع الشرسة.
وتؤكد الحامدي أن الطلاق رخصة شرعية شرعها الإسلام عند استحالة استمرار العلاقة الزوجية، وأنه من الأفضل أن لا تستمر العلاقة الزوجية غير السوية، والأجدر أن يكون قرار الطلاق القرار الأفضل لضمان حياة متزنة وبيئة مناسبة لتربية الأطفال.

• ألم نفسي ومعاناة
“فقدت الثقة بنفسي، وفقدت حريتي، وأصبحت العين عليّ، ولم أستطع ممارسة حياتي الطبيعية مثل أي امرأة، وأخذوا أطفالي مني؛ لأن أسرتي لم تقبلهم معي”، ذلك هو جزء من الألم والمعاناة الذي تعانيه صفاء عبد الله البالغة من العمر الثلاثين عاما، وتشير إلى أنها بدأت تفقد حبها وشغفها في الحياة، وأصبحت تخاف من المجتمع وطمعهم بها؛ لأنها مطلقة ولا يوجد ما تخاف عليه، بالإضافة إلى خوف النساء من مصادقتها، وإدخالهم بيوتها بحجة أنها مطلقة  ويجب الحذر منها.
وفي الحديث نفسه، أوضحت عبير محسن مدافعة وناشطة في حقوق المرأة أن مفهوم العذرية في مجتمعنا يرتبط بغشاء البكارة؛ لذلك نرى نظرات المجتمع تتوجه وبشكل كبير نحو المرأة المطلقة، فنجد كثيرا من الأحكام القاسية تصدر من أفراد المجتمع في حالة اهتمام المرأة المطلقة بنفسها قليلا، وتتوالى الاتهامات بأنها تحاول جذب الأنظار أو أنها تبحث عن رجل آخر.
وتضيف أن للجوانب المادية دورا مهما في ترسيخ فكرة عدم تقبل فكرة الطلاق، ونرى كثيرا من الأسر بمجرد أن تتطلق ابنتهم، يرون أنها ستكون عبئا عليهم، ولذلك يرغمون بناتهم على الصبر وتحمل الإهانات التي قد تصل في بعض الأحيان إلى الضرب، وقد يتعرض بعضهن للتعنيف الذي يتسبب بإنهاء حياتها.
وفي إشارة إلى أهم الآثار النفسية التي تعاني منها المرأة المطلقة في المجتمع، يرى المستشار النفسي محمد الإيطالي أن المرأة المطلقة تعاني عددا من الآثار النفسية والاجتماعية للطلاق، أهمها: التفكير السلبي بسبب لوم الأهل والمجتمع لها، وتحميلها سبب الطلاق، فتشعر أنها السبب في ذلك، وأنها امرأة غير مسؤولة، وغير قادرة على بناء أسرة، الأمر الذي يسبب لها الإحباط، وانعدام الثقة بالنفس، بالإضافة إلى تعرضها لكثير من الأسئلة حول سبب طلاقها، لتجد المرأة المطلقة نفسها مطالبة بالإجابة على هذه الأسئلة للتخلص منهم، وقد يتطوّر بها الأمر إلى اختيار العزلة، ورفض الاجتماعات العائلية وغيرها.
وشدّد الإيطالي على ضرورة تقديم يد المساعدة للمرأة المطلقة واحتوائها، وتقديم العون لها من العائلة والأصدقاء، لتستطيع تجاوز التجربة ونظرات المجتمع والمضي قدمًا في الحياة. بالإضافة إلى إقناعها أن أزمة الطلاق ليست إلا فترة عابرة وأن ألمها سينتهي بمرور الوقت، وفي هذه الفترة يجب أن تبدأ بتطوير نفسها وتقبل التغير الحاصل، وتستمتع به باعتباره خطوة جديدة للسعادة.

• ضحية لا جانية
وصفت عبير محسن المرأة المطلقة بأنها ضحية وليست جانية ، حتى ينظر لها بنظرة دونية، وأن كل ما هنالك أن العلاقة الزوجية لم تكن ناجحة أو لم تلائم شكل حياتها وقراراتها فيما بعد، وتبقى المرأة إنسانًا مهما كانت أسباب الطلاق، وتؤكد على أهمية التمكين المادي للمرأة واستقلاليتها في اتخاذ القرارات في حياتها بشكل عام.
وأفادت أن المجتمع بحاجة إلى أن يفهم ويعي أن الطلاق ليس نهاية الحياة كما يصفه البعض، فهناك كثير من النساء اعتبرن الطلاق تجربة لا تحتاج سوى تحدي النفس وتحدي ضغوط الحياة والمجتمع، فهي حالة لها إيجابياتها الكثيرة في التحرر  والاستقلالية ، والابتعاد عن رجل كان مصدراً للالم  والمعاناه.
وتؤكد أن المرأة تستطيع تخطي هذه القيود بوجود عوامل مساعدة إلى جانبها، مثل العائلة المتفهّمة والاستقلال المادي، فبمثل هذه الأشياء تستطيع الاعتماد على نفسها بشكل كلي.