عندما تطغى العادة على فرحة الزفاف
آن لهن أن يفرحن بزفافهن
بالرغم من تلاشي طقوس وعادات الحزن وذرف الدموع التي كانت تُمارس أثناء زفاف البنات قديما، التي كانت تحوّل الفرح إلى حُزن، لكن ما زال لهذه العادات أثر ملحوظ يقبع في بعض القرى الريفية النائية التي ما زالت تعيش وضع هامشيا بدائيا. إذ ما تزال الأسر، وخصوصا النساء، تمارس هذه الطقوس لدوافع مختلفة، تعود أكثرها إلى توارث العادات القديمة التي كانت من عادات أجيالهم السابقة، وهو ما يجعلهم متحفظين عليها، بالرغم من أن مثل تلك العادات والتقاليد يُفترض أن تنتهي، ذلك أن مناسبتها التي مورست من أجلها باتت في ظل عصر اليوم مفقودة، بالإضافة إلى ذلك، طبيعة ممارسة هذه الطقوس انتهاك صارخ لحقّ العروس وحرمانها من فرحها في يوم زفافها.
حكايات وامتعاض
تقول سمية غالب (30 عام): “مأساة أن يتحوّل يوم زفاف العروس وفرحها إلى يوم يغلب عليه مشاعر الحزن الذي يصدره أفراد عائلتها وصديقاتها المقربات”. وتصف سميّة المشهد الذي سبق أن عاشته هي عروسةً: “الفتاة لا تشعر بحقيقة هذه العادات إلا يوم زفافها، وذلك ما حصل لي. كنت سابقا أرى طقوس البكاء في أعراس عدّة، لكن لم أكن أشعر بما يراود العروس، إلا عندما عشت هذه اللحظات التي دمّرت نفسيتي تماما”.
“مأساة أن يتحوّل يوم زفاف العروس وفرحها إلى يوم يغلب عليه مشاعر الحزن الذي يصدره أفراد عائلتها وصديقاتها المقربات”
وتُعبّر م. ن. ف. (27 عاما)، وهي من سكّان إحدى القرى التي تشيع فيها ظاهرة البكاء في الأعراس، عن كُرهها لهذه العادات التي تنبذها فتيات اليوم، لكنها ما زالت مترسّبة في أعماق الأهالي، وهو ما يجعل العروس في أيام زفافها تخضع لها تحت شعور العاطفة والدموع التي تراها في وجوه الأهالي.
تتابع م. ن. ف. بالقول: “صحيح أن الأهالي قد يشعرون بالفراق، ولكن ليس للحدّ الذي يجعل يوم الفرح يبدو كئيبا، وتفقد فيه العروس كلّ مظاهر البهجة”. وتضيف قائلة: “الأكثر ظلما أنه يراد من العروس أن تذرف دموعا بين الحين والآخر أثناء حفل زفافها، وذلك من أجل أن لا تُوصف بالجرأة، وأنها غير حزينة على فراق العائلة”.
“الأكثر ظلما أنه يراد من العروس أن تذرف دموعا بين الحين والآخر أثناء حفل زفافها، وذلك من أجل أن لا تُوصف بالجرأة، وأنها غير حزينة على فراق العائلة”
لم الحزن؟!
إنه من الغريب والعجيب إبداء المشاعر العاطفية السلبية، بدلا من نقيضها التي يفترض أن تكون حاضرة في يوم زفاف ابنتهم، وفق انتصار محمد، باحثة مجتمعية، ما جعلها تبعث باستغراب وتساؤل حيال الأمر، فتقول: “إذا كان الأهل، بما فيهم الصديقات، يفرحون ويزغردون وسعيدين بيوم خطوبتها، كما هو المعتاد في كثير من القرى، فلماذا الحزن في يوم عرسها؟! ما هذا التناقض؟! وهل الحزن يليق بيوم كهذا انتظرته الفتاة طويلا، ويُعدّ يوما مقدسا بالنسبة لها؟!”.
وتُرجع انتصار ممارسة هذه المبالغات والبكائيات إلى العادات البالية لدى الأهالي والأسر، وتذكر أن تلك هي الحقيقة وأنها أكثر من الشعور بالعاطفة أو الفراق بالنسبة لهم. وأنه مهما كان مستوى الشعور العاطفي لدى الأسرة، فلا ينبغي أن يصل إلى مستوى يثقل الزفاف بالكآبة. وتُنهي حديثها بالقول: “إذا كانت العائلة راعت مشاعر ابنتهم في أمور زواجها، بدءًا من موافقتها من عدمها، وأخذًا برأيها في أمور زفافها، بالإضافة إلى بلوغها السنّ القانوني، فلماذا يشعرون بالحزن عند زواجها، والزواج سنة الله ورسوله؟! وهل الزواج هو آخر يوم في حياة ابنتهم ولن يروها مجددا؟!”.
وفي السياق ذاته، تقول نادية مرعي، أستاذة التربية الأسرية: “نحن نعيش حاليا، في ظلّ عصر التكنولوجيا والمعلومات، والأهم من ذلك وجود الهواتف حتى في القرى والأرياف، فلماذا المبالغة في بكائيات الأعراس؟!”. وتؤكد مرعي: “لم يعد للحزن مكان بيننا بوصفنا آباء أو أمهات، وخصوصا إذا كان سيفسد الفرحة والبهجة، ويحولها إلى طاقة سلبية. بإمكاننا أن نظل دائما قريبا من بناتنا مهما بعُدن بعد الزواج، ومكالمة واحدة بالصوت والصورة كفيلة أن تخفّف كل مشاعر الفراق والبعد”.
بداية العدوى
تعود عادات البكاء والحزن إلى التقاليد الشعبية الصينية القديمة، وذلك عندما تزوجت إحدى الأميرات التي كانت من المقرر أن تسافر إلى مكان بعيد في الصين، فقامت أمها بالبكاء وتوسّلت إليها أن تعود في القريب العاجل، وانتقل البكاء من الأم إلى العروس ثم إلى معظم المدعوين في حفلة الزفاف، ويرجح أن تلك العادات والتقاليد الشائعة انتشرت في كثير من البلدان، بما فيها بلدان العربية.
وكانت العروس الصينية قديما تأثرا بتلك العادات، تتدرّب على البكاء قبل شهر من زفافها، لأنها يجب أن تبكي أثناء الزفاف وتذرف الدموع، حتى لا يسخر منها الناس والمدعوّون وتُوصف بأنها “فاقدة للحياء وجريئة”، لكن تلك العادات تلاشت مع مرور السنين وتغيّرِ الظروف في أغلب أماكن ظهورها قديما، فيما ما زالت حاضرة لدى قرى وأقليات قليلة جدا في ثمة دول مختلفة، ولكن بشكل خفيف جدا وغير مزعج للعروس، في محاولة منهم للحفاظ على هذه التقاليد.
أبعاد نفسية سلبية
فيما تظل تبعات شعور العروس بالمشاعر العاطفية السلبية يوم زفافها وما يتخلله من إجهاد نفسي هي الأصعب والأكثر تأثيرا بالنسبة لها، ولا بد أن يترك إبعادا نفسية، هذا إن لم يكن لها آثار على حياتها الأسرية مستقبلا.
إذ يقول اليوسفي: ” الأسوأ هنا بالنسبة للعروس ليس حزنها وشعورها المشحون بالحزن في يوم زفافها، بل تبعات ذلك الشعور مستقبلا على حياتها النفسية والزوجية؛ إذ تظلّ أحداث زفافها الأليم تمرّ بها بين لحظة وأخرى، وهو ما يجعلها تعيش بائسة ومحبطة، كما لو أنها لم تصادف أي لحظات جميلة وتسرف بخيالها في تذكره”.
” الأسوأ هنا بالنسبة للعروس ليس حزنها وشعورها المشحون بالحزن في يوم زفافها، بل تبعات ذلك الشعور مستقبلا على حياتها النفسية والزوجية؛ إذ تظلّ أحداث زفافها الأليم تمرّ بها بين لحظة وأخرى، وهو ما يجعلها تعيش بائسة ومحبطة، كما لو أنها لم تصادف أي لحظات جميلة وتسرف بخيالها في تذكره”.
ويخلص اليوسفي حديثه إلى أن ما تعيشه العروس من حزن وبكاء يوم زفافها يؤثر بشكل مباشر حتى على عريسها ويصيبه بالذهول. فعندما تُزف تلك العروسة إلى عريسها ووجهها يكسوه الحزن، فيما يتحوّل المكياج، الذي أصابه وابل من الدموع، إلى رغوة مختلطة الألوان، فإن ذلك سيزيد من ذهول زوجها؛ لأنه لا يوجد مساحيق مقاومة للدموع أو الماء، وكانت العروس قديما تذرف دموعا من دون أن يؤثر ذلك على وجهها، لأنه لم يكن هناك حينها مساحيق تجميل، أما اليوم فالوضع مختلف .